موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الثَّالثُ: إذا اجتَمَعَ الفسخُ والإجازةُ بَطَلَتِ الإجازةُ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "إذا اجتَمَعَ الفسخُ والإجازةُ بَطَلَتِ الإجازةُ" [5241] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 455). ، وصيغةِ: "الفسخُ والإجازةُ إذا اجتَمَعا قُدِّمَ الفسخُ" [5242] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/7). ، وصيغةِ: "الفسخُ والإجازةُ إذا اجتَمَعا نُفِّذَ الفسخُ" [5243] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (4/205). ، وصيغةِ: "إذا اختَلَفا فسخًا وإجازةً قُدِّمَ الفسخُ" [5244] يُنظر: ((حاشية البجيرمي على شرح المنهج)) (2/238). ، وصيغةِ: "الفسخُ مُقدَّمٌ على الإجازةِ" [5245] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (2/48). ، وصيغةِ: "الفسخُ مُقدَّمٌ على الإمضاءِ" [5246] يُنظر: ((التعليقة الكبيرة)) من الاعتكاف للبيوع، لأبي يعلى (3/77). ، وصيغةِ: "النَّقضُ يَرِدُ على الإجازةِ، والإجازةُ لا تَرِدُ على النَّقضِ" [5247] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (25/189). ، وصيغةِ: "النَّقضُ أَولى مِنَ الإجازةِ" [5248] يُنظر: ((الأصل)) لمحمد بن الحسن (9/132)، ((المبسوط)) للسرخسي (25/188)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/271). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ فسخَ العَقدِ ونَقضَه إذا اجتَمَعَ مَعَ إجازَتِه قُدِّمَ الفسخُ؛ حَيثُ إنَّ الفسخَ يَرِدُ على الإجازةِ، فالبَيعُ التَّامُّ يُمكِنُ نَقضُه، أمَّا الإجازةُ فلا تَرِدُ على النَّقضِ، فالبَيعُ المَنقوضُ لا تُمكِنُ إجازَتُه، وإنَّما اختَلَف حُكمُ الفَسخِ والإجازةِ؛ لأنَّ الفسخَ تَصَرُّفٌ في العَقدِ بالإبطالِ، والعَقدُ بَعدَ ما بَطَلَ لا يَحتَمِلُ الإجازةَ؛ لأنَّ الباطِلَ مُتَلاشٍ. وأمَّا الإجازةُ فهيَ تَصرُّفٌ في العَقدِ بالتَّغييرِ، وهو الإلزامُ لا بالإعدامِ، فلا يُخرِجُه عنِ احتِمالِ الفسخِ والإجازةِ، ولَو أجازَ أحَدَهما وفَسَخ الآخَرَ انفسَخَ العَقدُ، سَواءٌ كان على التَّعاقُبِ أو على القِرانِ؛ لأنَّ الفسخَ أقوى مِنَ الإجازةِ، بدَليلِ أنَّه يَلحَقُ الإجازةَ؛ فإنَّ المُجازَ يَحتَمِلُ الفسخَ، فأمَّا الإجازةُ فلا تَلحَقُ الفسخَ؛ فإنَّ المَفسوخَ لا يَحتَمِلُ الإجازةَ، فكان الفسخُ أقوى مِنَ الإجازةِ، فكان أَولى، ويَحصُلُ الفسخُ والإجازةُ بلَفظٍ يَدُلُّ عليهما، كـ: فَسختُ البَيعَ ورَفعتُه، واستَرجَعتُ المَبيعَ، وفي الإجازةِ: أجَزتُه وأمضَيتُه [5249] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (25/188)، ((البيان)) للعمراني (5/44)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/271)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (2/48)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/423)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 51). .
ووَجهُ تَفَرُّعِها عنِ القاعِدةِ الأُمِّ (فَسخُ العَقدِ مُعتَبَرٌ بأصلِ العَقدِ) أنَّ الفسخَ قدِّمَ هنا على الإجازةِ؛ لأنَّه كالبَيعِ التَّامِّ، فيُمكِنُ نَقضُه. فكَذلك الفسخُ في مُدَّةِ الخيارِ مَثَلًا إذا اختارَه البائِعُ وقد أجازَه المُشتَري، فالفسخُ أقوى؛ لأنَّه طارِئٌ مُؤَثِّرٌ في الأصلِ الذي هو الإجازةُ هنا. فكَما أنَّ الفسخَ يَرِدُ على العَقدِ، فكَذا هو يَرِدُ على الإجازةِ التي هيَ بمَثابةِ العَقدِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ:
فعَن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما، قال: ((سَمِعتُ رَجُلًا مِنَ الأنصارِ يَشكو إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه لا يَزالُ يُغبَنُ في البَيعِ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: إذا بايَعتَ فقُلْ: لا خِلابةَ، ثُمَّ أنتَ بالخيارِ في كُلِّ سِلعةٍ ابتَعتَها ثَلاثَ ليالٍ، فإن رَضيتَ فأمسِكْ، وإن سَخِطتَ فاردُدْ)) [5250] أخرجه البيهقي (10557). وحسنه النووي في ((المجموع)) (9/189)، وذكر ثبوته الشوكاني في ((السيل الجرار)) (3/93). وقَولُه: "إذا بايَعتَ فقُلْ: لا خِلابةَ" أخرجه البخاري (2117) واللفظ له، ومسلم (1533). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أثبَتَ للمُتَعاقِدِ الخيارَ، وإثباتُ الخيارِ إنَّما قُصِدَ به التَّمَكُّنُ مِنَ الفسخِ دونَ الإجازةِ؛ لأنَّ الإجازةَ هيَ الأصلُ، فدَلَّ على أنَّ الفسخَ مُقدَّمٌ على الإجازةِ [5251] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (2/48)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (4/349)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/407). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا اختارَ المُشتَري الإجازةَ فقال: أجَزتُ. واختارَ البائِعُ بَعدَه الفسخَ فقال: فسَختُ. قُدِّمَ الفسخُ وبَطَلَتِ الإجازةُ وإن كانت سابقةً للفسخِ؛ لأنَّ الفسخَ والإجازةَ إذا اجتَمَعا قُدِّمَ الفسخُ [5252] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/7)، ((العزيز)) للرافعي (4/205). .
2- إذا اختَلَف البائِعُ والمُشتَري في الفسخِ والإجازةِ، فقال أحَدُهما: فسَخنا البَيعَ، وقال الآخَرُ: لا بَل أجَزنا البَيعَ جَميعًا، فاختِلافُهما لا يَخلو مِن: أن يَكونَ في مُدَّةِ الخيارِ، أو بَعدَ مُضيِّ المُدَّةِ، فإن كان في المُدَّةِ فالقَولُ قَولُ مَن يَدَّعي الفسخَ؛ لأنَّ أحَدَهما يَنفرِدُ بالفسخِ، وأحَدَهما لا يَنفرِدُ بالإجازةِ، ولَو قامَت لهما بَيِّنةٌ، فالبَيِّنةُ بَيِّنةُ مَن يَدَّعي الإجازةَ؛ لأنَّه المُدَّعي. وإن كان بَعدَ مُضيِّ المُدَّةِ، فقال أحَدُهما: مَضَتِ المُدَّةُ بَعدَ الفسخِ، وقال الآخَرُ: بَعدَ الإجازةِ، فالقَولُ قَولُ مَن يَدَّعي الإجازةَ؛ لأنَّ الحالَ حالُ الجَوازِ، وهو ما بَعدَ انقِضاءِ المُدَّةِ، فترَجَّح جانِبُه بشَهادةِ الحالِ، فكان القَولُ قَولَه. ولَو قامَت لهما بَيِّنةٌ فالبَيِّنةُ بَيِّنةُ مُدَّعي الفسخِ؛ لأنَّها تُثبتُ أمرًا بخِلافِ الظَّاهرِ، والبَيِّناتُ شُرِعَت له [5253] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/271). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ صورَتانِ، نَصَّ عليهما السُّيوطيُّ، فقال: (إذا اجتَمَعَ الفسخُ والإجازةُ بَطَلَتِ الإجازةُ إلَّا في صورَتَينِ:
الأولى: إذا اشتَرى عَبدًا بجاريةٍ وأعتَقَها، فالإجازةُ مُقدَّمةٌ في الأصَحِّ.
الثَّانيةُ: إذا فسَخَ أحَدُ الوارِثينِ وأجازَ الآخَرُ أُجيبَ) [5254] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) (ص: 455). .

انظر أيضا: