موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: كُلُّ حَقٍّ يَجِبُ لأحَدِ المُتَعاقِدينِ عِندَ العَقدِ يَجِبُ للآخَرِ مِثلُه عِندَ الفسخِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "كُلُّ حَقٍّ يَجِبُ لأحَدِ المُتَعاقِدينِ عِندَ العَقدِ يَجِبُ للآخَرِ مِثلُه عِندَ الفسخِ" [5217] يُنظر: ((الفروق)) للكرابيسي (2/66). ، وصيغةِ: "كُلُّ واحِدٍ مِنَ المُتَعاقِدينِ يَملكُ آخِرَ الوقتِ الذي يَملكُ الآخَرُ" [5218] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (5/2549). ، وصيغةِ: "الأُصولُ مَوضوعةٌ على المُساواةِ بَينَ المُتَعاقِدينِ" [5219] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (5/2549). ، وصيغةِ: "العَقدُ مُعاوَضةٌ فيَقتَضي المُساواةَ بَينَ المُتَعاقِدينِ" [5220] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (8/2)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/152)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (2/23). ، وصيغةِ: "المُعاوَضاتُ مَبناها على المُساواةِ عادةً وحَقيقةً" [5221] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/249). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
اشتَهرَ استِعمالُ هذه القاعِدةِ عِندَ الحَنَفيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّه يَثبُتُ في الفُسوخِ ما ثَبَتَ في العُقودِ؛ حَيثُ إنَّ الفُسوخَ مَحمولةٌ على العُقودِ ومُشَبَّهةٌ بها، فكُلُّ حَقٍّ يَجِبُ لأحَدِ المُتَعاقِدينِ عِندَ ابتِداءِ العَقدِ وإنشائِه، يَجِبُ للعاقِدِ الآخَرِ مِثلُه عِندَ فسخِ العَقدِ وإنهائِه، حَيثُ يُراعى فيه المُساواةُ بَينَ المُتَعاقِدينِ في الحُقوقِ، فلا يَستَفيدُ أحَدٌ مِنهما على حِسابِ مَضَرَّةِ الآخَرِ [5222] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (5/2549)، ((المبسوط)) للسرخسي (8/62)، ((الفروق)) للكرابيسي (2/66)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/513). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (فسخُ العَقدِ مُعتَبَرٌ بأصلِ العَقدِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ الحَقَّ الواجِبَ لأحَدِ المُتَعاقِدينِ عِندَ ابتِداءِ العَقدِ يَجِبُ للآخَرِ مِثلُه عِندَ الفسخِ؛ حَيثُ إنَّ فسخَ العَقدِ مُعتَبَرٌ بأصلِ العَقدِ، فيَرِدُ مَورِدَه، ويَكونُ على حَسَبِه.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (فَسخُ العَقدِ مُعتَبَرٌ بأصلِ العَقدِ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- حالُ المُشتَري مَعَ البائِعِ عِندَ الرَّدِّ كَحالِ البائِعِ مَعَ المُشتَري في ابتِداءِ العَقدِ، فإذا كان للبائِعِ أن يَحبسَ المَبيعَ لاستيفاءِ الثَّمَنِ، فكَذلك المُشتَري بَعدَ الرَّدِّ له أن يَحبسَ المَبيعَ لاستِردادِ الثَّمَنِ، وهو باعتِبارِ بَقاءِ يَدِه أحَقُّ بماليَّتِه مِن سائِرِ الغُرَماءِ عِندَ الإفلاسِ، فيُباعُ له خاصَّةً [5223] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (8/62). .
2- إذا رَدَّ المُشتَري المَبيعَ بقَضاءِ القاضي وأخذَ الثَّمَنَ، ثُمَّ وجَدَ البائِعُ به عَيبًا قد حَدَثَ عِندَ المُشتَري، ولَم يَعلَمْ به، فهو بالخيارِ إن شاءَ رَدَّها على المُشتَري وأخَذَ مِنه الثَّمَنَ، وإن شاءَ أمسَكَها؛ لأنَّ حالَ البائِعِ بَعدَ الفَسخِ كَحالِ المُشتَري عِندَ العَقدِ، والمُشتَري إذا وجَدَ بها عَيبًا كان عِندَ البائِعِ ثَبت له الخيارُ، فكَذلك البائِعُ إذا وَجَدَ بها عَيبًا حَدَثَ عِندَ المُشتَري؛ وهذا لأنَّه إنَّما رَضيَ بالفسخِ على أن تَعودَ إليه كما خَرَجَت مِن يَدِه. وكَذلك القاضي إنَّما قَضى بالفسخِ لدَفعِ الضَّرَرِ عنِ المُشتَري فيَنفُذُ قَضاؤُه بدَفعِ الضَّرَرِ على وجهٍ لا يُلحِقُ الضَّرَرَ بالبائِعِ، فإنَّه إذا ظَهَرَ أنَّه حَدَثَ بها عَيبٌ عِندَ المُشتَري تَضَرَّر البائِعُ بهذا؛ فلهذا ثَبَتَ له الخيارُ [5224] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (25/184). .
3- إذا قَضى القاضي للشَّفيعِ بالشُّفعةِ [5225] هيَ: انتِزاعُ الإنسانِ حِصَّةَ شَريكِه مِن مُشتَريها بمِثلِ ثَمَنِها. يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (2/232). بثَمَنٍ مُسَمًّى، فهيَ لازِمةٌ لا يتَخَلَّصُ مِنها إلَّا برِضا المُشتَري، أو إذا حَدَثَ في الدَّارِ عَيبٌ؛ لأنَّه بقَضاءِ القاضي ثَبَتَ المِلكُ للشَّفيعِ بالثَّمَنِ المُسَمَّى، فيَكونُ حالُه مَعَ المُشتَري بمَنزِلةِ حالِ المُشتَري مَعَ البائِعِ، وليس للمُشتَري بَعدَ البَيعِ أن يَتَخَلَّصَ مِنَ المَبيعِ إلَّا بالإقالةِ برِضا البائِعِ، أو بعَيبٍ يَجِدُه في المَبيعِ، فكَذلك حالُ الشَّفيعِ [5226] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (14/109). .

انظر أيضا: