موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: فَسخُ العَقدِ مُعتَبَرٌ بأصلِ العَقدِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "فَسخُ العَقدِ مُعتَبَرٌ بأصلِ العَقدِ" [5199] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (21/96). ، وصيغةِ: "الفسخُ مُعتَبَرٌ بالعَقدِ" [5200] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (7/117). ، وصيغةِ: "الفسخُ مُشَبَّهٌ بالعَقدِ" [5201] يُنظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (7/293)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (3/212). ، وصيغةِ: "الفسخُ يَكونُ على حَسَبِ العَقدِ" [5202] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/281). ، وصيغةِ: "الفَسخُ كالعَقدِ، فلا يَرِدُ إلَّا على مَورِدِه" [5203] يُنظر: ((الغاية)) للعز بن عبد السلام (5/430). ، وصيغةِ: "الفُسوخُ مَحمولةٌ على العُقودِ، ومُشَبَّهةٌ بها" [5204] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (8/296)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/513)، ((القواعد)) للحصني (2/251). ، وصيغةِ: "الفُسوخُ تَحكي العُقودَ" [5205] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (8/418)، ((كفاية الأخيار)) للحصني (ص: 384). ، وصيغةِ: "الفُسوخُ يُنحى بها نَحوَ العُقودِ" [5206] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (14/188)، ((المنثور)) للزركشي (3/176). ، وصيغةِ: "الإقالةُ تُعتَبَرُ بالعَقدِ" [5207] يُنظر: ((شرح السير الكبير)) للسرخسي (ص: 1076). ، وصيغةِ: "الأصلُ أنَّ ما كان تابعًا في العَقدِ يَكونُ تابعًا في الفَسخِ" [5208] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/285). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ فسخَ العَقدِ وإنهاءَه مُعتَبَرٌ بأصلِ العَقدِ حينَ ابتِدائِه، فيَكونُ على حَسَبِه؛ فإنَّ الفسخَ إمَّا أن يَرفعَ العَقدَ مِن أصلِه، أو مِن حينِه، فإن رَفعَه مِن أصلِه فكَأنَّه لا عَقدَ، وإن رَفعَه مِن حينِه فالفسوخُ مَحمولةٌ على العُقودِ، ومُشَبَّهةٌ بها. وحَيثُ إنَّ الفسخَ يَرِدُ على عَقدٍ صَحيحٍ مُنعَقِدٍ مُكتَمِلِ الأركانِ والشُّروطِ، فيُراعى ذلك عِندَ الفَسخِ؛ لأنَّ الفسخَ إنَّما يَرِدُ على ما ورَدَ عليه العَقدُ [5209] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (21/96)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/300) و(5/281)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (7/184)، ((الغاية)) للعز بن عبد السلام (5/430)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/513)، ((الفقه الإسلامي وأدلتهـ)) لوهبة الزحيلي (4/3157). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ:
فعَن عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما ((أنَّ امرَأةَ ثابتِ بنِ قَيسٍ أتَتِ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالت: يا رَسولَ اللهِ، ثابتُ بنُ قَيسٍ، ما أعتِبُ عليه في خُلُقٍ ولا دينٍ، ولَكِنِّي لا أُطيقُه بُغضًا، فسَألَها عَمَّا أخَذَت مِنه، فقالت: حَديقةً. فقال لها: أتَرُدِّينَ عليه حَديقَتَه؟ قالت: نَعَم. فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لثابتٍ: اقبَلِ الحَديقةَ وطَلِّقْها تطليقةً )) [5210] أخرجه البخاري (5273). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الحَديثَ وارِدٌ في الخُلعِ، وهو فُرقةٌ بعِوَضٍ مَقصودٍ راجِعٍ إلى الزَّوجِ، والمَعنى فيه: أنَّه لمَّا جازَ أن يَملكَ الزَّوجُ الانتِفاعَ بالبُضعِ بعِوَضٍ جازَ أن يُزيلَ ذلك المِلكَ بعِوَضٍ، كالشِّراءِ والبَيعِ، فالنِّكاحُ كالشِّراءِ، والخُلعُ كالبَيعِ [5211] يُنظر: ((الغرر البهية)) (4/226)، ((أسنى المطالب)) (3/241) كلاهما لزكريا الأنصاري، ((فتح الرحمن)) للرملي (ص: 778)، ((الإقناع)) للخطيب الشربيني (2/434). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا تَمَّتِ الصَّفقةُ بالقَبضِ، فأحَدُ العاقِدينِ لا يَنفرِدُ بفَسخِ الصَّفقةِ بَعدَ تَمامِها؛ وهذا لأنَّ الفسخَ يَكونُ على حَسَبِ العَقدِ؛ لأنَّه يَرفعُ العَقدَ، والعَقدُ لا يَنعَقِدُ بأحَدِ العاقِدينِ، فكَذلك لا يَنفسِخُ بأحَدِهما مِن غَيرِ رِضا الآخَرِ، ومِن غَيرِ قَضاءِ القاضي [5212] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/281). .
2- إذا أوصى رَجُلٌ أحَدًا بوصيَّةٍ فقَبِلَها هذا الآخَرُ بَعدَ مَوتِه، ثُمَّ رَدَّها على الورَثةِ، فرَدُّه جائِزٌ إذا قَبِلوا ذلك؛ لأنَّ الرَّدَّ عليهم فسخٌ للوصيَّةِ، وهم قائِمونَ مَقامَ المَيِّتِ، ولو تُصُوِّرَ مِنه الرَّدُّ على المَيِّتِ كان ذلك صَحيحًا إذا قَبلَه، فكَذلك إذا رَدَّها على الورَثةِ الذينَ يَقومونَ مَقامَه، وهذا لأنَّ فسَخَ العَقدِ مُعتَبَرٌ بالعَقدِ، فإذا كان أصلُ هذا العَقدِ يَتِمُّ بالإيجابِ والقَبولِ، فكَذلك يَجوزُ فَسخُه بالتَّراضي [5213] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (28/49)، وذَكَرَ السَّرَخسيُّ في هذا الفرعِ مُخالَفةَ الوصيَّةِ للصَّدَقةِ والهبةِ في هذا، فقال: (وبهذا فارَقَ الصَّدَقةَ والهِبةَ؛ فإنَّ ذلك ابتِداءُ التَّمليكِ والشُّيوع فيما يَحتَمِلُ القِسمةَ مَعَ صِحَّتِه، وهذا فسخُ الوصيَّةِ، والشُّيوعُ لا يُؤَثِّرُ في فسخِ الوصيَّةِ كما لا يُؤَثِّرُ في أصلِ الوصيَّةِ، إن رَدَّها على بَعضِ الورَثةِ دونَ البَعضِ، ففي القياسِ هذا باطِلٌ؛ لأنَّ هذا تَمليكٌ مِنه لمَن رَدَّها عليه، فيَكونُ التَّمَلُّكُ بلَفظِ الهبةِ والإعطاءِ، ولَكِنَّا نَستَحسِنُ فنَجعَلُ ذلك كالرَّدِّ على جَماعَتِهم، وكان بَينَهم على فرائِضِ اللهِ تَعالى؛ لأنَّ أصلَ العَقدِ كان بَينَه وبَينَ الموصي، والرَّدُّ فَسخٌ لذلك العَقدِ، فيَجوزُ بَينَه وبَينَ الموصي أيضًا، وأحَدُ الورَثةِ يَقومُ مَقامَ الورَثةِ في حُقوقِهم كَجَماعَتِهم، فكان الرَّدُّ على أحَدِهم بمَنزِلةِ الرَّدِّ عليهم). .
3- إذا شارَكَ الرَّاهنُ المُرتَهِنَ في الرَّهنِ ونَقَضاه، وهو في يَدَي المُرتَهِنِ، فهو رَهنٌ على حالِه حَتَّى يَقبضَه الرَّاهِنُ؛ لأنَّ ضَمانَ الرَّهنِ انعَقدَ بالقَبضِ، والدَّينُ يَبقى شائِعًا بَينَهما، وفَسخُ العَقدِ مُعتَبَرٌ بأصلِ العَقدِ، فكَما أنَّ ضَمانَ الرَّهنِ لا يَثبُتُ بالعَقدِ قَبلَ القَبضِ، فكَذلك لا يَسقُطُ بالفسخِ قَبلَ الرَّدِّ [5214] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (21/166). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ، مِنها:
1- الطَّلاقُ؛ فإنَّ عَقدَ النِّكاحِ لا يَتِمُّ إلَّا بشُروطٍ، مِنها الشُّهودُ والمَهرُ. ولَكِنَّ الطَّلاقَ -وهو فسخٌ لعَقدِ النِّكاحِ وإبطالٌ له- يَتِمُّ بدونِ ذلك؛ إذ يَقَعُ الطَّلاقُ ويَبطُلُ النِّكاحُ بمُجَرَّدِ تَطليقِ الزَّوجِ، ولا يُشتَرَطُ الإشهادُ على ذلك [5215] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (8/51). .
2- حُدوثُ النَّماءِ بَعدَ وُرودِ العَقدِ على العَينِ في عُقودِ التَّمليكاتِ المُنَجزةِ الوارِدةِ على العَينِ والمَنفَعةِ بعِوَضٍ أو غَيرِه؛ فإنَّه يَستَلزِمُ استِتباعَ النَّماءِ المُنفصِلِ مِنَ العَينِ وغَيرِه، كالبَيعِ، والهبةِ، وعِوَضِ الخُلعِ، والإجارةِ، والصَّداقِ. فأمَّا في الفُسوخِ فلا يتبَعُ فيها النَّماءُ الحاصِلُ مِنَ الكَسبِ بغَيرِ خِلافٍ [5216] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (2/73 و87). .

انظر أيضا: