موسوعة القواعد الفقهية

المَبحَثُ الرَّابِعُ: أثَرُ الاستِثناءِ في كُلِّيَّةِ القاعِدةِ


للِاستِثناءِ تَعَلُّقٌ بماهيَّةِ القاعِدةِ وكُلِّيَّتِها، وهو شاهِدٌ على مَنزِلةِ القاعِدةِ ورُتبَتِها في الحُجِّيَّةِ والِاعتِبارِ؛ إذ كُلَّما كانَتِ القاعِدةُ عامَّةً وشامِلةً كانَ الظَّنُّ في دُخولِ الجُزئيَّاتِ المُشابِهةِ لها في الحُكمِ قَويًّا [467] يُنظر: ((الاستثناء من القواعد)) لنور الدين بوحمزة (ص: 10). .
لكِنَّ هذا الاستِثناءَ أيضًا قد يَقدَحُ في كُلِّيَّةِ القاعِدةِ ويُضعِفُها، وكُلَّما كَثُرَتِ الاستِثناءاتُ ضَعُفَ الحُكمُ الكُلِّيُّ للقاعِدةِ، بَل رُبَّما أدَّى ذلك إلى عَدَمِ قاعِديَّتِها أصلًا [468] يُنظر: ((القواعد والضوابط الفقهية القرافية)) لعادل قوتة (1/ 231)، عن: ((الاستثناء من القواعد)) لنور الدين بوحمزة (ص: 10). .
فإنَّ الخارِجَ مِنَ القاعِدةِ الفِقهيَّةِ إمَّا أن يَكونَ له اعتِبارٌ يُفرقُ به عَن عِلَّةِ القاعِدةِ، أو يَكونَ نَقضًا عليها قادِحًا فيها، وقد قال القَرافيُّ: (فإن قُلتَ: قد سَرَدتَ ثِنتَي عَشرةَ مَسألةً مِنها ثَمانيةٌ مِن هذه القاعِدةِ، ومِنها أربَعٌ تُعارِضُها، وهيَ نَقضٌ على ما ذَكَرتَه مِنَ الفَرقِ، والنَّقضُ موجِبٌ لعَدَمِ الاعتِبارِ، فيُلغى ما ذَكَرتَه مِنَ الفَرقِ ما لم تُفَرِّقْ بَينَهُما، قُلتُ: ما ذَكَرتَه سُؤالٌ حَسَنٌ مَسموعٌ) [469] ((الفروق)) (3/ 108). .
ولَكِنَّ هذا النَّقضَ أوِ الاستِثناءَ أوِ التَّخصيصَ إذا كانَ لموجِبٍ ظاهِرٍ فإنَّه لا يَقدَحُ في القاعِدةِ؛ لأنَّ صورةَ الاستِثناءِ خارِجةٌ عَنِ القاعِدةِ، أو لم تَستَكمِلْ شُروطَها ونَحو ذلك، كما قال ابنُ القَيِّمِ: (وبِالجُملةِ، فلا يَمتَنِعُ تَخصيصُ العِلَّةِ لفَواتِ شَرطٍ أو لقيامِ مانِعٍ) [470]  ((إعلام الموقعين)) (3/ 461). .
فالكَلامُ هُنا عَنِ القياسِ، ويَنسَحِبُ على القاعِدةِ الفِقهيَّةِ، فالقَولُ بتَخصيصِ العِلَّةِ في القاعِدةِ الفِقهيَّةِ أولى وأحرى رِعايةً لكُلِّيَّةِ القاعِدةِ واستِمرارِها [471]  يُنظر: ((الاستثناء من القواعد الفقهية)) لمحمود مشعل (ص: 2531). .
وعليه، فإنَّه يُنظَرُ في كُلِّ استِثناءٍ إن كانَ له موجِبٌ مُعتَبَرٌ في النَّظَرِ الشَّرعيِّ أم لا، وذلك مِن حَيثُ:
أوَّلًا: دُخولُه الابتِدائيُّ في عُمومِ القاعِدةِ.
ثانيًا: ظُهورُ سَبَبِ الموجِبِ لخُروجِه مِنَ القاعِدةِ
وهو المُعتَبَرُ بشَرطَينِ:
الشَّرطُ الأوَّلُ: أن يَكونَ مِن أحَدِ الأسبابِ المُعتَبَرةِ.
الشَّرطُ الثَّاني: أن لا يَرجِعَ إلى مَحضِ التَّقليدِ.
ولِهذا فإنَّ الخارِجَ عَنِ القاعِدةِ إن كانَ له موجِبٌ كانَ استِثناءً مُعتَبَرًا حَتَّى ولَو تَعَدَّدَتِ الاستِثناءاتُ في القاعِدةِ، وإن لم يَكُنْ له سَبَبٌ موجِبٌ لذلك كانَ نَقضًا قادِحًا في كُلِّيَّةِ القاعِدةِ [472]  ((الاستثناء من القواعد الفقهية)) لمحمود مشعل (ص: 2531- 2532). .

انظر أيضا: