موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الثَّاني: مُستَثنَياتٌ مَعقولةُ المَعنى


والمُرادُ به أنَّ المُستَثنَياتِ في هذا النَّوعِ قد ظَهَرَ للعُلَماءِ أو بَعضِهِمُ المَعنى الذي لأجلِه استُثنيَت هذه المَسائِلُ، وهذا النَّوعُ مِنَ الاستِثناءِ يُظهِرُ حِكمةَ اللهِ تَعالى وعَظَمةَ هذه الشَّريعةِ المُبارَكةِ.
ومِن أمثِلةِ ذلك:
قاعِدةُ (المِثليُّ مَضمونٌ بمِثلِهـ) [460] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/ 303)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/ 457).
يُستَثنى مِنها مَسألةُ لبَنِ المُصَرَّاةِ [461] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/ 303)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/ 457). ، يُضمَنُ اللَّبَنُ بصاعِ تَمرٍ، ووجهُ هذا الاستِثناءِ قَطعُ النِّزاعِ؛ وذلك لأنَّ التَّضمينَ بالمِثلِ يَحصُلُ فيه خِلافٌ كَبيرٌ لامتِناعِ الوُقوفِ على المِثلِ، وذلك مِمَّا قد يُفضي إلى النِّزاعِ، فقَطَعَ الشَّارِعُ هذا النِّزاعَ بإيجابِ قدرٍ مُحَدَّدٍ مِن غَيرِ نَظَرٍ لقدرِ اللَّبَنِ المُستَهلَكِ [462] يُنظر: ((التمهيد)) لابن عبد البر (11/ 463)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/ 329- 330). .
قال الطُّوفيُّ: (وكَذلك الكَلامُ في المُصَرَّاةِ، لمَّا كانَ اللَّبَنُ المُحتَلَبُ مِنها مَجهولًا، فلَو وجَبَ ضَمانُه بمِثلِه لأفضى إلى النِّزاعِ لجَهالةِ القدرِ المَضمونِ، فقَطَعَ الشَّارِعُ النِّزاعَ بَينَهُم بإيجابِ صاعِ تَمرٍ باجتِهادِه؛ لأنَّه مَضبوطٌ مَعلومٌ، وكانَ ذلك مِن بابِ العَدلِ العامِّ؛ لأنَّ الشَّخصَ تارةً يَكونُ آخِذًا للصَّاعِ بتَقديرِ كَونِه بائِعًا للمُصَرَّاةِ، وتارةً مَأخوذًا مِنه بتَقديرِ كَونِه مُشتَريًا لها، فما يَقَعُ مِنَ التَّفاوُتِ بَينَ قيمةِ التَّمرِ وقيمةِ اللَّبَنِ مُغتَفَرٌ في تَحصيلِ هذا العَدلِ العامِّ. وقد حَقَّقتُ هذا في «القَواعِدِ الكُبرى» والغَرَضُ أنَّ كُلَّ خارِجٍ عَنِ القياسِ في الشَّرعِ في غَيرِ التَّعَبُّداتِ فهو لمَصلَحةٍ أكمَلَ وأخَصَّ، وهو استِحسانٌ شَرعيٌّ) [463] ((شرح مختصر الروضة)) (3/ 329- 330). .
ومِثلُه أيضًا: قاعِدةُ (الأصلُ بَقاءُ ما كانَ على ما كانَ) [464] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (1/ 109)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/ 13)، ((القواعد)) للحصني (1/ 269)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 51)، ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/ 386). ، والمُرادُ بها النَّظَرُ للشَّيءِ على أيِّ حالٍ كانَ فيُحكَمُ بدَوامِه على ذلك الحالِ ما لم يَقُمْ دَليلٌ على خِلافِه [465] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/ 23). .
وبِالنَّظَرِ في مَسألةِ ما لو ادَّعى المودَعُ رَدَّ الوديعةِ إلى صاحِبِها، وأنكَرَ المودِعُ ذلك؛ فإنَّ تَخريجَ المَسألةِ على القاعِدةِ يَقتَضي أن يُحكَمَ ببَقاءِ الوديعةِ؛ لأنَّ الحالةَ السَّابِقةَ هيَ ثُبوتُ الوديعةِ عِندَه، والأصلُ بَقاءُ هذه الحالةِ، فيَنبَغي ألَّا يُترَكَ مُقتَضى هذه القاعِدةِ إلَّا ببَيِّنةٍ يُقيمُها المودَعُ على الرَّدِّ، إلَّا أنَّ هذه المَسألةَ مِنَ المَسائِلِ التي استَثناها بَعضُ العُلَماءِ مِن هذه القاعِدةِ؛ حَيثُ قالوا: إنَّ المودَعَ يُصَدَّقُ في الرَّدِّ بيَمينِه، وهذا الاستِثناءُ مَعقولُ المَعنى؛ حَيثُ عَلَّلَه كَثيرٌ مِنَ الفُقَهاءِ بأنَّ المودِعَ اعتَرَفَ بأنَّ المودَعَ أمينٌ عِندَه، فلَزِمَه تَصديقُه [466] يُنظر: ((المبسوط)) (20/ 140)، ((شرح السير الكبير)) (ص: 1905) كلاهما للسرخسي، ((الوسيط)) للغزالي (7/ 404)، ((المغني)) لابن قدامة (14/ 131)، ((الفروق)) للقرافي (4/ 88). .

انظر أيضا: