موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: مِنَ القَواعِدِ المُندَرِجةِ تَحتَ قاعِدةِ: مُطلَقُ العَقدِ يَقتَضي تَسليمَ المَعقودِ عليه في الحالِ: التَّراخي اليَسيرُ مُغتَفَرٌ في العُقودِ التي تُطلَبُ فيها الفَوريَّةُ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "التَّراخي اليَسيرُ مُغتَفَرٌ في العُقودِ التي تُطلَبُ فيها الفَوريَّةُ" [4975] يُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/214). ، وصيغةِ: "التَّراخي اليَسيرُ لا يَضُرُّ، بخِلافِ الكَثيرِ" [4976] يُنظر: ((حاشية العدوي على كفاية الطالب)) (1/379). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
التَّراخي اليَسيرُ: هو ما لا يُعَدُّ به الشَّخصُ مُتَوانيًا عُرفًا.
واشتَهرَ استِعمالُ هذه القاعِدةِ عِندَ المالكيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّ التَّراخيَ اليَسيرَ مُغتَفَرٌ في العُقودِ التي يَجِبُ فيها الفَورُ بارتِباطِ الإيجابِ بالقَبولِ؛ حَيثُ إنَّ التَّراخيَ اليَسيرَ في حُكمِ التَّعجيلِ؛ لأنَّ اليَسيرَ مَعفوٌّ عنه، فأشبَهَ المَقبوضَ في مَجلِسِ العَقدِ، وما قارَبَ الشَّيءَ يَكونُ له حُكمُه، ولا يَضُرُّ فيه التَّأخيرُ بالزَّمَنِ اليَسيرِ [4977] يُنظر: ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/170)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/214)، ((شرح المنهج المنتخب)) للمنجور (1/162)، ((ضوء الشموع)) للمالكي (1/669)، ((بغية المقتصد)) للوائلي (9/5551)، ((المعاملات المالية)) للدبيان (8/96). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (مُطلَقُ العَقدِ يَقتَضي تَسليمَ المَعقودِ عليه في الحالِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّها تَقتَضي أنَّ التَّراخيَ اليَسيرَ في تَسليمِ المَعقودِ عليه مُغتَفَرٌ، فيَكونُ التَّراخي الكَبيرُ غَيرَ مُغتَفَرٍ، وهو ما تَحكُمُ به القاعِدةُ الأُمُّ؛ حَيثُ تَشتَرِطُ تَسليمَ المَعقودِ عليه في الحالِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ الكَريمِ، والقَواعِدِ:
1- مِنَ القُرآنِ:
قال اللهُ تَعالى: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق: 2] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ ظاهرَ الآيةِ يَقتَضي أنَّ الإمساكَ بمَعروفٍ إذا بَلَغنَ أجلَهنَّ، مَعَ أنَّهنَّ إذا بَلَغنَ إلى ذلك الحَدِّ خَرَجنَ مِنَ العِدَّةِ، وانتَهى وجهُ المُراجَعةِ، ولَكِنَّ المُرادَ هنا: إذا قارَبنَ أجلَهنَّ ولَم يَتَجاوَزنَه أو يَصِلنَ إليه بالفِعلِ، والقاعِدةُ: أنَّ ما قارَبَ الشَّيءَ يُعطى حُكمَه [4978] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (8/212)، ((المعاملات المالية)) للدبيان (8/96). .
2- مِنَ القَواعِدِ:
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (مُطلَقُ العَقدِ يَقتَضي تَسليمَ المَعقودِ عليه في الحالِ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- مَنِ اشتَرى سوارَينِ مِن ذَهَبٍ بنُقودٍ على أن يُريَهما لأهلِه فإن أعجَبَهم وإلَّا رَدَّها، فأجازَه مالِكٌ بَعدَ أن كَرِهَه، فإن كان ذلك بَعدَ التَّفرُّقِ فلا يَجوزُ [4979] يُنظر: ((مناهج التحصيل)) للرجراجي (6/26). .
2- يُشتَرَطُ في السَّلَمِ تَعجيلُ رَأسِ المالِ، ويَجوزُ تَأخيرُه المُدَّةَ اليَسيرةَ؛ للتَّوسِعةِ، كاليَومَينِ والثَّلاثةِ؛ لأنَّه زَمَنٌ يَسيرٌ [4980] يُنظر: ((التبصرة)) للخمي (7/3056)، ((شرح زروق على متن الرسالة)) (2/759)، ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/173)، ((شرح المنهج المنتخب)) للمنجور (1/162). .
3- إذا أنكَح الوليُّ امرَأةً بغَيرِ إذنِها، فبَلَغَها النِّكاحُ فأجازَته، فهو جائِزٌ؛ لأنَّ التَّراخيَ اليَسيرَ للقَبولِ مِن أحَدِ الطَّرَفينِ عنِ العَقدِ جائِز، ولا يَضُرُّ التَّأخيرُ اليَسيرُ، كما يَجوزُ تَقدُّمُ العَقدِ على الإذنِ بالزَّمَنِ اليَسيرِ [4981] يُنظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (3/36)، ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/170)، ((البهجة)) للتسولي (1/380). .
4- يَجوزُ التَّحويلُ المَصرِفيُّ عِندَ اختِلافِ الجِنسِ أو بعُملةٍ مُغايِرةٍ، عن طَريقِ طَلَبِ انتِقالِ نُقودٍ مِن حِسابٍ لآخَرَ، بعُملةٍ مُغايِرةٍ، فيَجوزُ الجَمعُ بَينَ الصَّرفِ والتَّحويلِ؛ على اعتِبارِ أنَّ قَيدَ المَبلَغِ بالعُملةِ المُرادِ التَّحويلُ بها في حِسابِ العَميلِ هو قَبضٌ حُكميٌّ يَأخُذُ حُكمَ القَبضِ الحَقيقيِّ. ويُغتَفرُ التَّأخيرُ اليَسيرُ الخارِجُ عن إرادةِ المَصرِفِ، نَظَرًا لاختِلافِ التَّوقيتِ بَينَ دُوَلِ العالَمِ المُختَلفةِ، وكَذلك اختِلافُ الإجازاتِ الأُسبوعيَّةِ والأعيادِ، وعلى هذا الأساسِ فالتَّقابُضُ لا يَتِمُّ في الحالِ، إلَّا أنَّ هذا التَّأخيرَ مُغتَفَرٌ هنا؛ إذ تُعَدُّ المُدَّةُ المُستَغرَقةُ لتَنفيذِ الحَوالةِ امتِدادًا لمَجلِسِ العَقدِ للحاجةِ؛ لأنَّه مِنَ المُتَعَذِّرِ ضَبطُ وُقوعِ القَيدَينِ في وقتٍ واحِدٍ [4982] يُنظر: ((أنظمة الدفع الإلكتروني)) لصلاح عامر (ص: 280). .

انظر أيضا: