المَطلَبُ الأوَّلُ: عُقودُ المُعاوَضاتِ لا تَصِحُّ مَعَ الجَهالةِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذا المَعنى في الصِّيَغِ الآتيةِ:
صيغةِ: "الجَهالةُ تَمنَعُ مِن صِحَّةِ المُعاوَضةِ"
[4983] يُنظر: ((شرح التلقين)) للمازري (2/1119). ، وصيغةِ: "الجَهالةُ مانِعةٌ مِنَ الصِّحَّةِ كما في سائِرِ عُقودِ الإجاراتِ والمُعاوَضاتِ"
[4984] يُنظر: ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (5/127). ، وصيغةِ: "لا تُتَحَمَّلُ الجَهالةُ في المُعاوَضاتِ"
[4985] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/60). ، وصيغةِ: "المَجهولُ لا يَصِحُّ عِوضًا"
[4986] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (4/448). ، وصيغةِ: "المَجهولُ لا يَصِحُّ تَمَلُّكُه"
[4987] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/505)، ((بحر المذهب)) للروياني (7/310). ، وصيغةِ: "جَهالةُ المَعقودِ عليه تَمنَعُ صِحَّةَ العَقدِ"
[4988] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/183). ، وصيغةِ: "تَمليكُ المَجهولِ لا يَصِحُّ"
[4989] يُنظر: ((الفروق)) للكرابيسي (2/250)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/172)، ((الهداية)) للمرغيناني (3/42)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/43). ، وصيغةِ: "التَّمليكُ مِنَ المَجهولِ لا يَصِحُّ"
[4990] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (2/418)، ((التوضيح)) لابن الملقن (15/533)، ((عمدة القاري)) للعيني (2/111)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/165)، ((فتح باب العناية)) للقاري (3/96)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/708). ، وصيغةِ: "إيجابُ الحَقِّ على المَجهولِ لا يَصِحُّ"
[4991] يُنظر: ((الفروق)) للكرابيسي (1/231). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ عُقودَ المُعاوَضاتِ كالبَيعِ والإجارةِ لا تَصِحُّ مَعَ الجَهالةِ الفاحِشةِ؛ لأنَّ المَجهولَ لا يَصحُّ، والجَهالةُ تُفضي إلى المُنازَعةِ، فلا بُدَّ مِنَ العِلمِ بالمَعقودِ عليه حَتَّى تَصِحَّ العُقودُ؛ إذِ العِلمُ بالمَعقودِ عليه أصلًا ووصفًا شَرطُ صِحَّةِ العَقدِ
[4992] يُنظر: ((شرح التلقين)) للمازري (2/1119)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/180)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (7/416)، ((تقويم النظر)) لابن الدهان (2/192)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/4)، ((الفقه الإسلامي وأدلتهـ)) لوهبة الزحيلي (5/3809). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ والإجماعِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه قال:
((نَهى رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم عن بَيعِ الحَصاةِ، وعَن بَيعِ الغَرَرِ )) [4993] أخرجه مسلم (1513). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم نَهى عن بَيعِ الحَصاةِ وعَن بَيعِ الغَرَرِ، وكِلاهما مانِعٌ مِن صِحَّةِ العَقدِ. وبيعُ الحَصاةِ أن يَقولَ البائِعُ للمُشتَري في العَقدِ: إذا نَبَذتُ إليك الحَصاةَ فقد أوجَبَ البَيعَ. والخَلَلُ فيه إثباتُ الخيارِ وشَرطُه إلى أجَلٍ مَجهولٍ أو بأن يَرميَ حَصاةً في قَطيعِ غَنَمٍ فأيُّ شاةٍ أصابَتها فهيَ المَبيعةُ، والخَلَلُ فيه جَهالةُ المَعقودِ عليه أو أنَّه يَجعَلُ الرَّميَ بَيعًا والخَلَلُ في نَفسِ العَقدِ.
وبَيعُ الغَرَرِ هو ما خَفِيَ عليك أمرُه، وبَيعُ الغَرَرِ كُلُّ بَيعٍ كان المَعقودُ عليه فيه مَجهولًا أو مَعجوزًا عنه. وقيلَ: هو ما احتَمَلَ أمرَينِ أغلَبُهما أخوَفُها، أو ما انطَوت عنَّا عاقِبَتُه، وهذا يَشمَلُ جَميعَ البُيوعِ الباطِلةِ، وإنَّما نَصَّ عليها ولَم يَكتَفِ به لأنَّها مِن بُيوعِ الجاهليَّةِ
[4994] يُنظر: ((المقدمات الممهدات)) لابن رشد (2/73)، ((الكافي)) لابن قدامة (2/12)، ((فيض القدير)) للمناوي (6/331). .
2- مِنَ الإجماعِ:وقد نَقَلَه شَمسُ الدِّينِ ابنُ قُدامةَ على صورةٍ مِن صورِ المَسألةِ، وهيَ الإجماعُ على عَدَمِ صِحَّةِ بَيعِ المَجهولِ
[4995] قال: (بيع المجهول لا يصح إجماعًا). ((الشرح الكبير)) (14/266). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا قال أحَدٌ: إنَّني ابتَعتُ مِن فُلانٍ شَيئًا، أو بِعتُه سَهمًا غَيرَ مُعَيَّنٍ أو غَيرَ مَعلومِ المِقدارِ، أو قال: اشتَرَيتُ دارَ فُلانٍ بشَيءٍ، أوِ استَأجَرتُها، أو أجَرتُ فُلانًا شَيئًا أوِ استَأجَرَ مِنه شَيئًا، فلا يَصِحُّ إقرارُه؛ لكَونِ تلك العُقودِ لا تَصِحُّ مَعَ الجَهالةِ، ولا يُجبَرُ المُقِرُّ على تَسليمِ شَيءٍ ما
[4996] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (4/100). .
2- يَجِبُ أن يَكونَ المَعقودُ عليه في الإجارةِ -وهو المَنفعةُ- مَعلومًا عِلمًا يَمنَعُ مِنَ المُنازَعةِ، فإن كان مَجهولًا يُنظَرُ: إن كانت تلك الجَهالةُ مُفضيةً إلى المُنازَعةِ تَمنَعُ صِحَّةَ العَقدِ، وإلَّا فلا؛ لأنَّ الجَهالةَ المُفضيةَ إلى المُنازَعةِ تَمنَعُ مِنَ التَّسليمِ والتَّسَلُّمِ، فلا يَحصُلُ المَقصودُ مِنَ العَقدِ، فكان العَقدُ عَبَثًا؛ لخُلوِّه عنِ العاقِبةِ الحَميدةِ، وإذا لم تَكُنْ مُفضيةً إلى المُنازَعةِ يوجَدُ التَّسليمُ والتَّسَلُّمُ، فيَحصُلُ المَقصودُ، ثُمَّ العِلمُ بالمَعقودِ عليه وهو المَنفعةُ يَكونُ ببَيانِ أشياءَ، مِنها: بَيانُ مَحَلِّ المَنفعةِ حَتَّى لو قال: أجَرتُك إحدى هاتَينِ الدَّارَينِ، أو قال: استَأجَرتُ أحَدَ هذين الصَّانِعَينِ، لم يَصِحَّ العَقدُ؛ لأنَّ المَعقودَ عليه مَجهولٌ لجَهالةِ مَحَلِّه جَهالةً مُفضيةً إلى المُنازَعةِ، فتَمنَعُ صِحَّةَ العَقدِ
[4997] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/179). .
3- الوَكالةُ الخاصَّةُ لا تَصِحُّ مَعَ الجَهالةِ، كَأن يَقولَ الموكِّلُ: اشتَرِ لي ثَوبًا أو بَيتًا أو جَوهَرًا أو شاةً ونَحوَها، فلا بُدَّ مِن بَيانِ الجِنسِ والنَّوعِ والصِّفةِ ومِقدارِ الثَّمَنِ؛ لأنَّ البَيعَ والشِّراءَ لا يَصِحَّانِ مَعَ الجَهالةِ، فلا يَصِحُّ التَّوكيلُ بهما أيضًا؛ لأنَّ التَّوكيلَ بالبَيعِ كالبَيعِ، فلا يَصِحُّ مَعَ جَهالةِ المَبيعِ
[4998] يُنظر: ((فصول البدائع)) للفناري (1/152)، ((الفقه الإسلامي وأدلتهـ)) لوهبة الزحيلي (5/4078). .