موسوعة القواعد الفقهية

المبحثُ الثَّاني: القَولُ الرَّاجِحُ في الاحتِجاجِ بالقَواعِدِ الفِقهيَّةِ


لا يُطلَقُ القَولُ بالِاحتِجاجِ أو عَدَمِه، فالقَواعِدُ المَبنيَّةُ على أدِلَّةِ الكِتابِ والسُّنَّةِ والواضِحةُ الأخذِ مِنهما، كاليَقينِ لا يَزولُ بالشَّكِّ، والضَّرَرُ يُزالُ، فلا مانِعَ مِنَ الاحتِكامِ إليها، والِاستِنباطِ مِنها، فهيَ بمَثابةِ الأدِلَّةِ أو تُشبِهُ الأدِلَّةَ [410] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لعلي الندوي (ص: 294). .
وأيضًا فإنَّ الاحتِجاجَ بالقَواعِدِ الفِقهيَّةِ يَتَأثَّرُ بأمرَينِ:
الأوَّلُ: المَصدَرُ والدَّليلُ الذي استُنبِطَتِ القاعِدةُ من طَريقِه: فإذا كانَتِ القاعِدةُ مُستَنبَطةً مِنَ النُّصوصِ الشَّرعيَّةِ فيَختَلِفُ أمرُها تَبَعًا لاتِّفاقِ العُلَماءِ أوِ اختِلافِهم بهذا الشَّأنِ، فإنِ اتَّفَقوا على ذلك كانَتِ القاعِدةُ حُجَّةً ودَليلًا صالِحًا للِاستِنباطِ؛ لأنَّ اتِّفاقَهم على ذلك يَعني إقرارَهم بصِحَّةِ القاعِدةِ، وبِصِحَّةِ رَدِّها إلى النَّصِّ الشَّرعيِّ، وصَلاحيَّتَها لأن تُبنى عليها الأحكامُ كالنَّصِّ.
وإنِ اختَلَفوا في ذلك فالقاعِدةُ حُجَّةٌ صالِحةٌ للتَّرجيحِ، ولِتَفريعِ الأحكامِ عليها، عِندَ مَنِ استَنبَطَها؛ لأنَّها مَردودةٌ إلى النَّصِّ عِندَه، وحُجِّيَّتُها راجِعةٌ إلى حُجِّيَّةِ النَّصِّ، لكِنَّها لا تَكونُ كَذلك عِندَ مَن لم يُصَحِّحِ الاستِنباطَ.
وإذا كانَت مُستَنبَطةً مِنَ الاستِقراءِ فهيَ حُجَّةٌ في التَّرجيحِ، وفي التَّخريجِ والِاستِنباطِ وتَفريعِ الجُزئيَّاتِ.
وإذا قامَ دَليلٌ على إخراجِ بَعضِ جُزئيَّاتِها عُمِلَ بما يَقتَضيه الدَّليلُ في تلك الجُزئيَّاتِ، وبَقيَتِ القاعِدةُ على حالِها فيما عَدا ذلك.
وأمَّا القَواعِدُ المُستَنبَطةُ أوِ المُخَرَّجةُ مِنَ الطُّرُقِ الأُخرى: كالقياسِ والِاستِصحابِ والِاستِدلالِ العَقليِّ، أوِ المُستَنبَطةُ بطُرُقِ الاجتِهادِ في تَحقيقِ المَناطِ أو تَنقيحِه أوِ التَّرجيحِ عِندَ التَّعارُضِ- فهيَ تابِعةٌ لنَوعِ الدَّليلِ، ومَدى الأخذِ بما يَتَرَتَّبُ عليه مِنَ الأحكامِ، ولِصِحَّةِ وسَلامةِ التَّخريجِ أوِ الاستِنباطِ عليه، وهيَ تَختَلِفُ قوةً وضَعفًا تَبَعًا للِاتِّفاقِ أوِ الاختِلافِ في ذلك.
الثَّاني: الاتِّفاقُ والِاختِلافُ في القاعِدةِ المُستَنبَطةِ: فالِاتِّفاقُ والِاختِلافُ في القاعِدةِ المُستَنبَطةِ لا يُؤَثِّرُ في حُجِّيَّةِ القاعِدةِ على مَنِ استَنبَطَها أو خَرَّجَها، ووُجودُ الاختِلافِ يُضَيِّقُ دائِرةَ مَن يَعمَلُ بها ليس غَيرُ، ولَكِنَّها حُجَّةٌ تَتَفَرَّعُ عليها الأحكامُ عِندَ مَن خَرَّجَها، شَأنُها شَأنُ الأدِلَّةِ المُختَلَفِ فيها [411] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) ليعقوب الباحسين (ص: 279- 280). .

انظر أيضا: