الفَرعُ الثَّاني: المُؤَجَّلُ لا يُتَعَجَّلُ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "المُؤَجَّلُ لا يُتَعَجَّلُ"
[3217] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (10/54). ، وصيغةِ: "المُؤَجَّلُ لا يَصيرُ حالًّا"
[3218] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسبكي (1/269)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/398). ، وصيغةِ: "المُؤَجَّلُ لا يُطالَبُ به"
[3219] يُنظر: ((عجالة المحتاج)) لابن الملقن (2/782)، ((النجم الوهاج)) للدميري (4/384)، ((بداية المحتاج)) لابن قاضي شهبة (2/174). ، وصيغةِ: "الحَقُّ المُؤَجَّلُ لا يَلزَمُ تَعجيلُه إلَّا برِضا مَن عليه الحَقُّ"
[3220] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/70). ، وصيغةِ: "المُؤَجَّلُ لا يُتَعَجَّلُ إلَّا بمَوتِ مَن عليه الحَقُّ دونَ مُستَوفيه"
[3221] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (10/54). ، وصيغةِ: تَأثيرُ الأجَلِ في المَنعِ في المُطالَبةِ لا في نَفيِ أصلِ الوُجوبِ"
[3222] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (25/143). ، وصيغةِ: "ما استَحَقَّ تَأجيلُه لَم يَلزَمْه تَعجيلُه"
[3223] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/254). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الحُقوقَ المُؤَجَّلةَ لا يَجِبُ تَعجيلُها قَبلَ حُلولِ أوقاتِها وإن جازَ تَعجيلُها؛ لأنَّ الأجَلَ حَقٌّ مَقصودٌ لَها فلا يَفوتُ، والمُؤَجَّلُ لا يُتَعَجَّلُ إلَّا بمَوتِ مَن عليه الحَقُّ دونَ مُستَوفيه، فكَما أنَّ الأجَلَ لا يَتَأخَّرُ، كذلك لا يُتَعَجَّلُ، ولا يَجِبُ أن يَصيرَ المُؤَجَّلُ حالًّا
[3224] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (10/54)، ((المغني)) لابن قدامة (14/558)، ((التوضيح)) لابن الملقن (15/442). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفَرِّعةٌ عن القاعِدةِ الأُمِّ: (كُلُّ حَقٍّ ماليٍّ وجَبَ بسَبَبَينِ يَختَصَّانِ به، أو وجَبَ بسَبَبٍ وشَرطٍ، فإنَّه جائِزٌ تَعجيلُه بَعدَ وُجودِ أحَدِ السَّبَبَينِ)؛ لأنَّ الحُقوقَ المُؤَجَّلةَ وإن جازَ تَعجيلُها برِضا مَن عليه الحَقُّ، إلَّا أنَّ التَّعجيلَ غَيرُ واجِبٍ، وإنَّما يَجِبُ بمَوتِ مَن عليه الحَقُّ دونَ مُستَوفيه.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ الكَريمِ:
قال اللهُ تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة: 282] .
وَجهُ الدَّلالةِ:تَشمَلُ الآيةُ كُلَّ دَينٍ ثابِتٍ مُؤَجَّلٍ إلى أجَلٍ مُعَيَّنٍ، سَواءٌ كان بَدَلُه عَينًا أو دَينًا، نَحوُ الأُجرةِ المُؤَجَّلةِ في عُقودِ الإيجاراتِ، والمَهرِ إذا كان مُؤَجَّلًا
[3225] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/586)، ((البناية)) للعيني (8/328). ، واللهُ تَعالى قد أمَرَ بكِتابةِ وقتِ سَدادِ الدَّينِ؛ مِمَّا يَدُلُّ على اعتِبارِ هذا الوقتِ
[3226] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 118)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/ 99). ، فتَعجيلُ هذا الحَقِّ أو غَيرِه مِن الحُقوقِ عن وقتِها ليس بواجِبٍ.
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- الدَّعوى بالدَّينِ المُؤَجَّلِ لا تُقبَلُ؛ إذ لا لُزومَ في الحالِ؛ لأنَّ المُؤَجَّلَ لا تَصِحُّ الدَّعوى بالمُطالَبةِ به قَبلَ حُلولِه، فالدَّينُ المُؤَجَّلُ لا يَستَحِقُّ صاحِبُه المُطالَبةَ به إلَّا بَعدَ تَمامِ الأجَلِ، ولا يَجِبُ أداؤُه في الحالِ
[3227] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (7/444)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (17/293)، ((الاستذكار)) لابن عبد البر (6/46)، ((الوسيط)) للغزالي (7/500)، ((العزيز)) للرافعي (13/158). .
2- الطَّلاقُ قد يَقَعُ إلى أجَلٍ، كَقَولِ الزَّوجِ: أنتِ طالِقٌ إلى بَعدِ شَهرٍ، أو إلى سَنةٍ، أو رَأسِ الشَّهرِ. فلا يَقَعُ الطَّلاقُ عليها قَبلَ حُلولِ الأجَلِ؛ لأنَّ الطَّلاقَ المُؤَجَّلَ لا يتَعَجَّلُ
[3228] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (10/192). .
3- الدَّينُ المُؤَجَّلُ لا يَحِلُّ بالحَجرِ؛ لأنَّ المُؤَجَّلَ لا مُطالَبةَ به في الحالِ، فإذا اشتَرى رَجُلٌ أعيانًا بأثمانٍ مُؤَجَّلةٍ، فحُجِرَ على المُشتَري لدُيونٍ حالَّةٍ عليه، وكانت الأعيانُ التي اشتَراها بالمُؤَجَّلِ باقيةً في يَدِه، لَم يَتَعَلَّقْ بها حَقُّ غَيرِه
[3229] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (10/192)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (2/184). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءاتٌ:يُستَثنى مِن هذه القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ التي يُتَعَجَّلُ فيها المُؤَجَّلُ، ومِنها: مَوتُ مَن عليه الحَقُّ، كالدَّينِ المُؤَجَّلِ؛ فإنَّه يَحِلُّ بمَوتِ مَن عليه الدَّينُ، ولا يَحِلُّ بمَوتِ مَن له الدَّينُ؛ لأنَّ المُؤَجَّلَ لا يُتَعَجَّلُ إلَّا بمَوتِ مَن عليه الحَقُّ دونَ مُستَوفيه
[3230] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (10/54)، ((المجموع)) للنووي (9/210). .