موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: الأصلُ في المُتَّهَمِ البَراءةُ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الأصلُ في المُتَّهَمِ البَراءةُ" [2913] يُنظر: ((الفقه الإسلامي وأدلتهـ)) لوهبة الزحيلي (7/5318). ، وصيغةِ: "الأصلُ في الإنسانِ البَراءةُ، حتَّى تَثبُتَ إدانَتُه بدَليلٍ قَطعيٍّ" [2914] يُنظر: ((الشبهات وأثرها في العقوبة الجنائية)) لمنصور الحفناوي (ص: 262). ، وصيغةِ: "المُدَّعى عليه بَريءٌ حتَّى تَثبُتَ إدانَتُه" [2915] يُنظر: ((شرح الأربعين النووية)) لعطية سالم (7/5318). ، وصيغةِ: "الإنسانُ بَريءٌ حتَّى تَثبُتَ إدانَتُه بدَليلٍ" [2916] يُنظر: ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (1/14). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
مِن قَواعِدِ الإسلامِ أنَّه لا تَسَلُّطَ فيه على أحَدٍ بجُرمٍ لم يَصدُرْ عنه، فالأصلُ في المُتَّهَمِ البَراءةُ حتَّى تَثبُتَ إدانَتُه بدَليلٍ صَحيحٍ لا يَتَطَرَّقُ إليه الظَّنُّ والاحتِمالُ، ومُقتَضاها ألَّا يُؤاخَذَ أحَدٌ إلَّا بدَليلٍ، ولا يُعاقَبَ إلَّا ببُرهانٍ، فلا يُحبَسَ أو يوقَفَ إلَّا بمُقتَضى حَقيقةٍ تَستَوجِبُ ذلك بمُحاكَمةٍ عادِلةٍ تَتَوافرُ له فيها كُلُّ ضَماناتِ الدِّفاعِ، والشُّبهةُ تُفسَّرُ لصالِحِه [2917] يُنظر: ((الفقه الإسلامي وأدلتهـ)) لوهبة الزحيلي (7/5318) و(8/6453)، ((منحة العلام)) لعبدالله الفوزان (8/434)، ((تيسير علم أصول الفقهـ)) للجديع (ص: 221)، ((موسوعة محاسن الإسلام)) لأحمد أيوب وآخرين (10/92). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ، والسُّنَّةِ، والقَواعِدِ:
1- مِنَ القُرآنِ:
قال اللهُ تعالى: لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ [النور: 12] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الآيةِ دَلالةٌ على أنَّ الأصلَ في المُؤمِنِ أن يَكونَ مُبرَّأً مِنَ التُّهَمِ، وأنَّه أبَدًا على هذه البَراءةِ حتَّى تَثبُتَ إدانَتُه، أمَّا قَبلَ إدانَتِه فإنَّ كُلَّ كَلِمةِ سوءٍ تُقالُ فيه هيَ إثمٌ كَبيرٌ، وبُهتانٌ عَظيمٌ يَستَحِقُّ قائِلُ السُّوءِ فيه أن يُساقَ إلى مَوقِفِ الاتِّهامِ، وأن يُطالَبَ بالدَّليلِ القاطِعِ على صِدقِ ما يَقولُ، وإلَّا فالعُقوبةُ عليه؛ تَأديبًا له، وقِصاصًا لحُرمةِ هذا المُؤمِنِ أوِ المُؤمِنةِ [2918] يُنظر: ((التفسير القرآني للقرآن)) لعبد الكريم الخطيب (9/1240). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لَو يُعطى النَّاسُ بدَعواهم لادَّعى ناسٌ دِماءَ رِجالٍ وأموالَهم، ولَكِنَّ اليَمينَ على المُدَّعى عليهـ)) [2919] أخرجه البخاري (4552)، ومسلم (1711) واللفظ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
يَدُلُّ الحَديثُ على أنَّ مُجَرَّدَ الدَّعوى بدونِ بُرهانٍ لا يُلتَفتُ إليها، فلَوِ ادَّعى إنسانٌ أنَّ شَخصًا اعتَدى عليه، فالأصلُ أنَّ الشَّخصَ المُدَّعى عليه بَريءٌ مِن ذلك الادِّعاءِ، حتَّى يُبَرهنَ المُدَّعي على صِحَّةِ دَعواه [2920] يُنظر: ((تيسير علم أصول الفقهـ)) للجديع (ص: 221). .
3- مِنَ القَواعِدِ:
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدةِ: (المُتَّهَمُ بَريءٌ حتَّى تَثبُتَ إدانَتُهـ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ:
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- الدَّعاوى التي يُشتَرَطُ في تَوجُّهِ اليَمينِ بها الظِّنَّةُ والتُّهمةُ، كالغَصبِ والتَّعَدِّي والسَّرِقةِ ونَحوِها، لا يَجوزُ تَوجُّهُها إليهم بدونِ ثُبوتِ التُّهمةِ [2921] يُنظر: ((البهجة)) للتسولي (1/55). .
2- لا يَجوزُ للصَّحَفيِّ نَشرُ الاتِّهامِ لأحَدِ الأشخاصِ بدونِ مُحاكَمةٍ؛ حتَّى لا تَتَورَّطَ الصُّحُفُ في اتِّهامِ الأشخاصِ الذينَ لم تَثبُتْ إدانَتُهم؛ لأنَّ المُتَّهَمَ بَريءٌ حتَّى تَثبُتَ إدانَتُه [2922] يُنظر: ((المدخل في فن التحرير الصحفي)) لعبد اللطيف حمزة (ص: 504). .

انظر أيضا: