الفَرعُ الرَّابِعُ: ما كان أكثَرَ فِعلًا كان أكثَرَ فَضلًا
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ما كان أكثَرَ فِعلًا كان أكثَرَ فضلًا"
[2895] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 143)، ((التيسير)) للمناوي (1/ 339). ، وصيغةِ: "ما كان أربى فِعلًا ... فإنَّه يَكونُ أزكى فَضلًا"
[2896] يُنظر: ((الفرائد البهية)) للأهدل (ص: 38)، وشرحها: ((نسائم الحرم الندية)) لأنور أبوزيد (ص: 257). ، وصيغةِ: "ما كان أكثَرَ عَمَلًا كان أكثَرَ أجرًا"
[2897] يُنظر: ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (4/ 136). ، وصيغةِ: "ما كان أكثَرَ عَمَلًا أو أشَقَّ كان أفضَلَ"
[2898] يُنظر ((المطالع البدرية)) للغزي (ص: 194). ، وصيغةِ: "كُلُّ ما كان أكثَرَ عَمَلًا أو أشَقَّ فهو أكثَرُ في الثَّوابِ"
[2899] يُنظر: ((خلاصة الأثر)) للمحبي (4/ 193). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تَتَفاوتُ الأعمالُ في مَراتِبِها ودَرَجاتِها، وتُبَيِّنُ القاعِدةُ أحَدَ المُرَجِّحاتِ التي تُرَجِّحُ عَمَلًا على عَمَلٍ وتُفضِّلُ تَصَرُّفًا على آخَرَ، وهو أن يَكونَ أحَدُ العَمَلَينِ أكثَرَ فِعلًا، وإنَّما يَكونُ ذلك إذا اتَّحَدَتِ الأعمالُ، فيَكونُ التَّفاوُتُ بَينَها في الغالِبِ بكَثرةِ الأفعالِ، فما كان مِنها أكثَرَ فِعلًا مِنَ الآخَرِ فإنَّه يُرَجَّحُ عليه، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ مُكملةً لقاعِدةِ (ما يَكونُ أكثَرَ نَفعًا فهو أفضَلُ)
[2900] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/413)، ((عمدة القاري)) للعيني (5/169)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 143)، ((البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف)) لابن حمزة الحسيني (1/121). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. دَلَّ على هذه القاعِدةِ السُّنَّةُ، ومِن ذلك:
1- عن عائِشةَ أُمِّ المُؤمِنينَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، يَصدُرُ النَّاسُ بنُسُكَينِ وأصدُرُ بنُسُكٍ واحِدٍ؟! قال:
((انتَظِري، فإذا طَهُرتِ فاخرُجي إلى التَّنعيمِ. فأهِلِّي مِنه، ثُمَّ القَينا عِندَ كَذا وكَذا -قال الرَّاوي: أظُنُّه قال: غَدًا- ولَكِنَّها على قَدرِ نَصَبِك -أو قال:- نَفقَتِكِ )) [2901] أخرجه البخاري (1787)، ومسلم (1211) واللفظ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ الحَديثَ دَلَّ على أنَّ الأجرَ يَعظُمُ بقَدرِ التَّعَبِ؛ فكُلَّما كَثُرَ العَمَلُ وشَقَّ كان أفضَلَ مِمَّا ليس كذلك، وهو مَعنى القاعِدةِ
[2902] يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (4/249)، ((المنثور)) للزركشي (2/413)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 143)، ((البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف)) لابن حمزة الحسيني (1/121). .
2- عن أبي موسى الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أعظَمُ النَّاسِ أجرًا في الصَّلاةِ أبعَدُهم فأبعَدُهم مَمشًى، والذي يَنتَظِرُ الصَّلاةَ حتَّى يُصَلِّيَها مَعَ الإمامِ أعظَمُ أجرًا مِنَ الذي يُصَلِّي ثُمَّ يَنامُ )) [2903] أخرجه البخاري (651) واللفظ له، ومسلم (662). .
وَجهُ الدَّلالةِ:بَيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ سَبَبَ أعَظميَّةِ الأجرِ في الصَّلاةِ هو: بُعدُ المَمشى، وهو المَسافةُ؛ وذلك لوُجودِ المَشَقَّةِ فيه، فكُلُّ صَلاةٍ توجَدُ فيها المَشَقَّةُ مِن حَيثُ بُعدُ المَمشى فهيَ أعظَمُ أجرًا وأفضَلُ مِنَ الصَّلاةِ التي لا يوجَدُ فيها ذلك، وما كان أكثَرَ فِعلًا فهو أكثَرُ مَشَقَّةً، فكان أفضَلَ مِن هذه الحَيثيَّةِ
[2904] يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (5/169). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- فَصلُ الوِترِ أفضَلُ مِن وَصلِه؛ لِما في الفصلِ مِن كَثرةِ الأفعالِ؛ لزيادةِ النِّيَّةِ، والتَّكبيرِ، والسَّلامِ، وما كان أكثَرَ فِعلًا فهو أفضَلُ
[2905] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/413)، ((فتح الباري)) لابن حجر (2/481)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 143). .
2- صَلاةُ النَّفلِ قائِمًا للقادِرِ عليه أفضَلُ مِن صَلاتِه قاعِدًا وأكثَرُ ثَوابًا؛ فصَلاةُ النَّفلِ قاعِدًا على النِّصفِ مِن صَلاةِ القائِمِ، ومُضطَجِعًا على النِّصفِ مِنَ القاعِدِ
[2906] لَفظُه: عن عِمرانَ، قال: ((سَألتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صَلاةِ الرَّجُلِ وهو قاعِدٌ، فقال: مَن صَلَّى قائِمًا فهو أفضَلُ، ومَن صَلَّى قاعِدًا فلَه نِصفُ أجرِ القائِمِ، ومَن صَلَّى نائِمًا فلَه نِصفُ أجرِ القاعِدِ)). قال أبو عَبدِ اللَّه: نائِمًا عِندي مُضطَجِعًا هاهنا. أخرجه البخاري (1116). ؛ لأنَّ في القيامِ كَثرةَ الأفعالِ
[2907] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 143). .
3- إفرادُ النُّسُكَينِ أفضَلُ مِنَ القِرانِ؛ لِما في الإفرادِ مِن كَثرةِ الأعمالِ
[2908] يُنظر: ((شرح الرسالة)) لعبد الوهاب (2/258)، ((المهذب)) للشيرازي (1/393)، ((المغني)) لابن قدامة (3/425)، ((المنثور)) للزركشي (2/413)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 143). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ. استِثناءاتٌ:استُثنيَ مِن هذه القاعِدةِ فُروعٌ:
ذَكَرَها السُّيوطيُّ، فقال: (الأولى: القَصرُ أفضَلُ مِنَ الإتمامِ بشَرطِه.
الثَّانيةُ: الضُّحى أفضَلُها ثَمانٍ، وأكثَرُها: اثنَتا عَشرةَ. والأوَّلُ أفضَلُ؛ تَأسِّيًا بفِعلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
[2909] لَفظُه: عن ابنِ أبي لَيلى قال: ما أخبَرَنا أحَدٌ أنَّه رَأى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَلَّى الضُّحى غَيرُ أُمِّ هانِئٍ ذَكَرَت: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَومَ فتحِ مَكَّةَ اغتَسَلَ في بَيتِها، فصَلَّى ثَمانيَ رَكَعاتٍ، فما رَأيتُه صَلَّى صَلاةً أخَفَّ مِنها غَيرَ أنَّه يُتِمُّ الرُّكوعَ والسُّجودَ. أخرجه البخاري (1103) واللَّفظُ له، ومسلم (336). .
الثَّالِثةُ: الوِترُ بثَلاثٍ أفضَلُ مِنه بخَمسٍ أو سَبعٍ أو تِسعٍ، على ما قاله في البَسيطِ تَبَعًا لشَيخِه إمامِ الحَرَمَينِ، وهو ضَعيفٌ، والمَجزومُ به في شَرحِ المُهَذَّبِ خِلافُه، وإن كان الأكثَرُ أفضَلَ مِنه، ونَقله ابنُ الرفعةِ عنِ الرُّويانيِّ، وأبي الطَّيِّبِ. وقال ابنُ الأُستاذِ: يَنبَغي القَطعُ به.
الرَّابِعةُ: قِراءةُ سورةٍ قَصيرةٍ في الصَّلاةِ أفضَلُ مِن بَعضِ سورةٍ وإن طالَ، كما قاله المُتَولِّي؛ لأنَّه المَعهودُ مِن فِعلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غالِبًا.
الخامِسةُ: الصَّلاةُ مَرَّةً في الجَماعةِ أفضَلُ مِن فِعلِها وحدَه خَمسًا وعِشرينَ مَرَّةً.
السَّادِسةُ: صَلاةُ الصُّبحِ أفضَلُ مِن سائِرِ الصَّلَواتِ، مَعَ أنَّها أقصَرُ مِن غَيرِها.
السَّابِعةُ: رَكعةُ الوِترِ أفضَلُ مِن رَكعَتي الفَجرِ، على الجَديدِ، بَل مِنَ التَّهَجُّدِ في اللَّيلِ، وإن كَثُرَت رَكَعاتُه. ذَكَرَه في المَطلَبِ. قال: ولَعَلَّ سَبَبَه انسِحابُ حُكمِها على ما تَقَدَّمها.
الثَّامِنةُ: تَخفيفُ رَكعَتي الفَجرِ أفضَلُ مِن تَطويلِهما.
التَّاسِعةُ: صَلاةُ العيدِ أفضَلُ مِن صَلاةِ الكُسوفِ، مَعَ كَونِها أشَقَّ وأكثَرَ عَمَلًا.
العاشِرةُ: الجَمعُ بَينَ المَضمَضةِ والاستِنشاقِ بثَلاثِ غَرَفاتٍ، والفَصلُ بغَرفتَينِ أفضَلُ مِنه بسِتٍّ.
الحاديةَ عَشرةَ: التَّصَدُّقُ بالأُضحيَّةِ بَعدَ أكلِ لُقَمٍ يَتَبَرَّكُ بها أفضَلُ مِنَ التَّصَدُّقِ بجَميعِها.
الثَّانيةَ عَشرةَ: الإحرامُ مِنَ الميقاتِ أفضَلُ مِنه مِن دُوَيرةِ أهلِه في الأظهَرِ.
الثَّالِثةَ عَشرةَ: الحَجُّ والوُقوفُ راكِبًا أفضَلُ مِنه ماشيًا؛ تَأسِّيًا بفِعلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الصُّورَتَينِ
[2910] لَفظُه: عن ابنِ عبَّاسٍ، قال: طاف رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على بَعيرِه، وكان كُلَّما أتى على الرُّكنِ أشارَ إليه وكَبَّرَ. أخرجه البخاري (5293) واللَّفظُ له، ومسلم (1272). عن ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: رَأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَركَبُ راحِلَتَه بذي الحُلَيفةِ، ثُمَّ يُهِلُّ حتَّى تَستَويَ به قائِمةً. أخرجه البخاري (1514) واللَّفظُ له، ومسلم (1187). [2911] ((الأشباه والنظائر)) (ص: 144،143). ويُنظر أيضًا: ((المنثور)) للزركشي (2/414). .
وقد نَظَمَ سِراجُ الدِّينِ أبو بَكرِ بنُ أبي القاسِمِ الأهدَلُ هذه القاعِدةَ واستِثناءاتِها
[2912] يُنظر: ((الفرائد البهية)) للأهدل (ص: 38-40)، وشرحها: ((نسائم الحرم الندية)) لأنور أبوزيد (ص: 260-272). ويُنظر أيضًا: ((منتهى السؤل)) للحجي (3/ 257- 258). .