موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: عِندَ تَعارُضِ فضيلَتَينِ يُقدَّمُ أفضَلُهما


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "عِندَ تَعارُضِ فضيلَتَينِ يُقدَّمُ أفضَلُهما" [2849] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/345). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
الفَضيلةُ هيَ السُّنَنُ والنَّوافِلُ وكُلُّ ما ليس واجِبًا، وتُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الفضائِلَ حينَما تَتَعارَضُ ويَتَعَذَّرُ الجَمعُ بَينَها فإنَّ المُكَلَّفَ يَفعَلُ أفضَلَها تَحصيلًا للأعلى، ويُعرَفُ الأفضَلُ بشِدَّةِ اهتِمامِ الشَّارِعِ به، أو بعِظَمِ ثَوابِه عن ثَوابِ الآخَرِ، أو كَثرةِ نَفعِه وتَعَدِّيه، أوِ اختِلافِ العُلَماءِ في وُجوبِه، وغَيرِ ذلك مِمَّا يُفيدُ تَفضيلَ أحَدِ الأمرَينِ على الآخَرِ، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ تَطبيقًا لقاعِدةِ (ما كان أكثَرَ نَفعًا فهو أفضَلُ) [2850] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/345)، ((معلمة زايد)) (11/156-158). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ ما تَقدَّمَ مِن أدِلَّةٍ في قاعِدةِ (ما كان أكثَرَ نَفعًا فهو أفضَلُ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- لو تَعارَضَ البُكورُ إلى الجُمُعةِ بلا غُسلٍ، وتَأخيرُه مَعَ الغُسلِ، فالظَّاهِرُ أنَّ تَحصيلَ الغُسلِ أَولى؛ للخِلافِ في وُجوبِه [2851] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/345). .
2- لو تَعارَضَ فضيلةُ سَماعِ القُرآنِ مِنَ الإمامِ مَعَ قِلَّةِ الجَماعةِ، وعَدَمُ سَماعِه مَعَ كَثرَتِها، فالظَّاهِرُ تَفضيلُ الأوَّلِ [2852] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/345). .
3- لو مَلَكَ عَقارًا وأرادَ الخُروجَ عنه لوَجهِ اللهِ تعالى، فهَلِ الأَولى الصَّدَقةُ به حالًا أم وَقفُه؟ قال الزَّركَشيُّ: (قال ابنُ عَبد السَّلامِ: "إن كان ذلك في وقتِ شِدَّةٍ وحاجةٍ فتَعجيلُ الصَّدَقةِ أفضَلُ، وإن لم يَكُنْ كذلك وَقَفَه، ولَعَلَّ الوَقفَ أَولى لكَثرةِ جَدواه"، وأطلَقَ ابنُ الرفعةِ في بابِ الوَكالةِ مِنَ المَطلَبِ تَقديمَ صَدَقةِ التَّطَوُّعِ به؛ لِما فيه مِن قَطعِ حَظِّ النَّفسِ في الحالِ بخِلافِ الوَقفِ) [2853] ((المنثور)) (1/345). .
4- لو كان مُسافِرًا ورَأى جَماعةً يُصَلُّونَ إتمامًا فهَلِ الأفضَلُ في حَقِّه أن يُصَلِّيَ قَصرًا مُنفرِدًا أو يُصَلِّيَ جَماعةً إتمامًا؟ فقيلَ: الأفضَلُ أن يُصَلِّيَ جَماعةً إتمامًا [2854] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/345). .
5- لو تَعارَضَ الإتيانُ بالصَّلاةِ في أوَّلِ الوَقتِ مُنفرِدًا، والإتيانُ بها آخِرَه جَماعةً، فقيلَ بأفضَليَّةِ التَّأخيرِ، وقيلَ بأفضَليَّةِ التَّقديمِ، وتَوسَّط البَعضُ فقال: إن فحُشَ التَّأخيرُ فالتَّقديمُ أفضَلُ، وإن خَفَّ فالتَّأخيرُ أفضَلُ. أمَّا لو تحَقَّقها آخِرَ الوقتِ فالتَّأخيرُ أفضَلُ؛ لأنَّها فَرضُ كِفايةٍ، أو ليَخرُجَ مِنَ الخِلافِ، ويَجري مِثلُ هذا الخِلافِ كذلك في المَريضِ العاجِزِ عنِ القيامِ إذا رَجا القُدرةَ عليه آخِرَ الوقتِ، والعاري إذا رَجا السُّترةَ آخِرَ الوَقتِ [2855] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/346). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
تَنبيهٌ:
مِنَ القَواعِدِ ذاتِ الصِّلةِ بهذه القاعِدةِ فتَشمَلُها وتَشمَلُ غَيرَها مِنَ المَسائِلِ؛ لكَونِها أوسَعَ مِنها: قاعِدةُ: "إذا تَزاحَمَتِ المَصالِحُ قُدِّمَ الأعلى مِنها"، و"إذا تَزاحَمَتِ المَصالِحُ أوِ المَفاسِدُ رُوعيَ أعلاها". وقد سَبَقَت قاعِدةُ: "إذا تَعارَضَتِ المَصالِحُ قُدِّمَ أولاها وأقواها" المُندَرِجةُ تَحتَ قاعِدةِ (اليَقينُ لا يَزولُ بالشَّكِّ). ومِن ذلك: تَقديمُ بَعضِ السُّنَنِ على بَعضٍ بحَسَبِ الأفضَلِ [2856] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (1/62، 64)، ((القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير)) لعبد الرحمن آل عبد اللطيف (1/ 89، 93). .

انظر أيضا: