الفَرعُ الأوَّلُ: في كُلِّ مَوضِعٍ لا تَتَحَقَّقُ التُّهمةُ تَكونُ الشَّهادةُ مَقبولةً
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "في كُلِّ مَوضِعٍ لا تَتَحَقَّقُ التُّهمةُ تَكونُ الشَّهادةُ مَقبولةً"
[2923] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (5/35). ، وصيغةِ: "إذا انتَفتِ التُّهمةُ فالثَّابِتُ بالشَّهادةِ كالثَّابِتِ مُعايَنةً"
[2924] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (10/64). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. تَتَعَلَّقُ هذه القاعِدةُ بتَأثيرِ التُّهمةِ في قَبولِ الشَّهادةِ، فتُفيدُ أنَّ شَهادةَ الشَّاهدِ مَقبولةٌ إذا لم تَتَطَرَّقْ إليها التُّهمةُ؛ إذِ المانِعُ مِن قَبولِ الشَّهادةِ هو التُّهمةُ، فإذا عَلِمنا أنَّ التُّهمةَ مَعدومةٌ قَبِلنا شَهادةَ الشُّهودِ
[2925] يُنظر: ((المدونة)) لسحنون (4/21)، ((المبسوط)) للسرخسي (5/35)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/223)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (15/436). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (الأصلُ في المُتَّهَمِ البَراءةُ)؛ لأنَّه إذا لم تَتَحَقَّقِ التُّهمةُ في الشَّاهدِ فإنَّ شَهادَتَه تَكونُ مَقبولةً؛ إذِ الأصلُ في العَدلِ قَبولُ شَهادَتِه حتَّى يَثبُتَ عَدَمُه بدَليلٍ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (الأصلُ في المُتَّهَمِ البَراءةُ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- تُقبَلُ شَهادةُ الرَّجُلِ لعَمِّه، وأبَوَيه رَضاعًا، وأُمِّ امرَأتِه؛ لأنَّ القَرابةَ الرَّضاعيَّةَ لا تَشتَرِكُ مَعَ القَرابةِ النَّسَبيَّةِ في حُكمِ رَدِّ الشَّهادةِ؛ فإنَّ مَحرَميَّةَ الرَّضاعِ لا تَمنَعُ قَبولَ الشَّهادةِ؛ لأنَّه لا جُزئيَّةَ بَينَهما فانتَفتِ التُّهمةُ، كما أنَّ الأملاكَ بَينَهم مُتَمَيِّزةٌ، والأيدي مُتَحَيِّزةٌ، ولا سَطوةَ لبَعضِهم في مالِ البَعضِ، فلا تَتَحَقَّقُ التُّهمةُ، بخِلافِ شَهادَتِه لقَرابَتِه، أو أحَدِ الزَّوجَينِ للآخَرِ
[2926] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/223)، ((الاختيار)) للموصلي (2/147)، ((النوازل في الرضاع)) لعبدالله الأحمد (ص: 571). .
2- تَجوزُ شَهادةُ القابِلةِ على الوِلادةِ عِندَ شَرطِها، وهو العَدالةُ؛ لانتِفاءِ التُّهمةِ؛ لأنَّ الشَّاهدَ إذا لم يَستَوجِبْ بشَهادَتِه أجرًا انتَفتِ التُّهمةُ عن شَهادَتِه
[2927] يُنظر: ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (4/220). .
3- تُقبَلُ شَهادةُ البائِعِ له للمُشتَري إذا كان عَدلًا؛ لأنَّه لا يَجُرُّ إلى نَفسِه نَفعًا، ولا يَدفعُ عنها ضَرَرًا؛ لأنَّه إذا ثَبَتَ أنَّ شَريكَه قَبَضَ الثَّمَنَ لم يَملِكْ مُطالَبَتَه بشَيءٍ
[2928] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (7/189)، ((شرح منتهى الإرادات)) لابن النجار (5/486). .
4- شَهادةُ الشَّاهدِ على فِعلٍ تَولَّاه لنَفسِه أو لغَيرِه مِمَّا يَكونُ فيه خَصمًا، ومِمَّا لا يَكونُ خَصمًا: ساقِطةٌ بالاتِّفاقِ، ومِن ذلك شَهادتُه لأبيه؛ فإنَّ الابنَ جُزءٌ مِن أبيه، فشَهادَتُه كَشَهادةِ الأبِ لنَفسِه، فكَما أنَّ شَهادةَ الأبِ فيما باشَرَه لا تَكونُ مَقبولةً، وإن لم يَكُنْ له فيه مَنفعةٌ، فكذلك شَهادةُ الابنِ للأبِ، والمانِعُ مِن قَبولِ الشَّهادةِ هو التُّهمةُ، وفي كُلِّ مَوضِعٍ لا تَتَحَقَّقُ التُّهمةُ تَكونُ الشَّهادةُ مَقبولةً
[2929] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (5/35). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ. استِثناءاتٌ: يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ: كُلُّ شَهادةٍ رُدَّت لأجلِ التُّهمةِ فإذا انتَفتِ التُّهمةُ فإنَّها لا تُقبَلُ، ومِن أمثِلَتِه
[2930] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/620)، ((النتف في الفتاوى)) للسغدي (2/801). :
1- شَهادةُ الفاسِقِ إذا شَهدَ فرُدَّت شَهادَتُه لفِسقِه، ثُمَّ تابَ وشَهدَ بتلك الشَّهادةِ، فإنَّها لا تُقبَلُ.
2- شَهادةُ أحَدِ الزَّوجَينِ للآخَرِ إذا رُدَّت ثُمَّ شَهدَ بها بَعدَ زَوالِ الزَّوجيَّةِ لم تُقبَلْ أبَدًا.
انظر أيضا:
عرض الهوامش