المَطلَبُ الأوَّلُ: قاعِدةُ: الشَّريعةُ مَبنيَّةٌ على الاحتياطِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الشَّريعةُ مَبنيَّةٌ على الاحتياطِ"
[2287] يُنظر: ((الموافقات)) للشاطبي (3/85). ، وصيغةِ: "الأخذُ بالاحتياطِ أصلٌ في الشَّرعِ"
[2288] يُنظر: ((أصول السرخسي)) (2/21)، ((نخب الأفكار)) (13/47). ، وصيغةِ: "الاحتياطُ للدِّينِ ثابِتٌ مِنَ الشَّريعةِ"
[2289] يُنظر: ((الموافقات)) للشاطبي (1/294). ، وصيغةِ: "الاحتياطُ هو الأصلُ في أُمورِ الدِّينِ"
[2290] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/143). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تَحُثُّ الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ في تَشريعاتِها المُكَلَّفَ على الاحتياطِ، وذلك بأن يَحفَظَ نَفسَه عنِ الوُقوعِ في المَأثَمِ بالأخذِ بأوثَقِ الوُجوهِ، وفِعلِ ما يَتَمَكَّنُ به مِن إزالةِ الشَّكِّ، والأخذِ بالحَزمِ، والتَّحَرُّزِ مِمَّا عَسى أن يَكونَ طَريقًا لمَفسَدةٍ؛ حَذَرًا مِن أن يَترُكَ شَيئًا مَطلوبًا، أو يَتَعَدَّى فيَفعَلَ شَيئًا غَيرَ مَطلوبٍ، فإذا شَكَّ في فِعلِ الشَّيءِ أو لا فإنَّه يَأخُذُ باليَقينِ احتياطًا حتَّى تَبرَأَ ذِمَّتُه بيَقينٍ، وفَرَضَتِ الشَّريعةُ على المُكَلَّفِ الاحتياطَ في بَعضِ تَشريعاتِها، كالأحكامِ المُتَعَلِّقةِ بالأبضاعِ والنِّكاحِ والأنسابِ، فيحتاطُ لها وُجوبًا وكَذا الحُدودُ يُحتاطُ لدَرئِها، ومِنها ما حَثَّتِ الشَّريعةُ عليه استِحبابًا، كَما في العِباداتِ ونَحوِها، ومِنها ما لا تُجري فيه الشَّريعةُ الاحتياطَ، كَحُقوقِ العِبادِ، مِمَّا سَيَتَبَيَّنُ مِن خِلالِ القَواعِدِ المَذكورةِ في هذا الفَصلِ
[2291] يُنظر: ((الإحكام)) لابن حزم (1/51،50)، ((المبسوط)) للسرخسي (6/39)، ((تقويم النظر)) لابن الدهان (1/180)، ((المغني)) لابن قدامة (7/324)، ((العدة شرح العمدة)) لبهاء الدين المقدسي (ص:683)، ((الموافقات)) للشاطبي (3/85)، ((البناية)) للعيني (4/390)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (1/341). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ والسُّنَّةِ:
1- مِنَ القُرآنِ:- قال اللهُ تعالى:
فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى [البقرة: 282] .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ اللَّهَ سُبحانَه وتعالى أخبَرَ أنَّ المَقصَدَ مِن شَهادةِ المَرأتَينِ مَعَ الرَّجُلِ الاحتياطُ، والتَّوثُّقُ لصاحِبِ الحَقِّ، والاستِظهارُ بالكِتابِ والشُّهودِ لنَفي الرِّيبةِ
[2292] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (2/ 252). .
- وقال اللهُ تعالى:
اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات: 12] .
وَجهُ الدَّلالةِ:قال السُّبكيُّ: (فلا يَخفى أنَّه أمرَ باجتِنابِ بَعضِ ما ليسَ بإثمٍ خَشيةً مِنَ الوُقوعِ فيما هو إثمٌ، وذلك هو الاحتياطُ، وهو استِنباطٌ جَيِّدٌ)
[2293] ((الأشباه والنظائر)) (1/ 110). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:- عنِ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ:
((الحَلالُ بَيِّنٌ، والحَرامُ بَيِّنٌ، وبَينَهما مُشَبَّهاتٌ لا يَعلمُها كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ، فمَنِ اتَّقى المُشَبَّهاتِ استَبرَأ لدينِه وعِرضِه، ومَن وقَعَ في الشُّبُهاتِ كَراعٍ يَرعى حَول الحِمى، يوشِكُ أن يواقِعَه، ألَا وإنَّ لكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألا إنَّ حِمى اللهِ في أرضِه مَحارِمُه، ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضغةً إذا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّه، وإذا فسَدَت فسَدَ الجَسَدُ كُلُّه، ألا وهيَ القَلبُ )) [2294] أخرجه البخاري (52) واللفظ له، ومسلم (1599). .
وَجهُ الدَّلالةِ:بَيَّنَ الحَديثُ أنَّه حينَما يَشتَبِهُ على الإنسانِ مُحَرَّمٌ ومُبيحٌ يقُدَّمُ المُحَرَّمُ، ويُحكَمُ به احتياطًا لدينِه، فكُلُّ ما تَتَنازَعُه الأدِلَّةُ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ وتَتَجاذَبُه المَعاني فالإمساكُ عنه وَرَعٌ
[2295] يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (2/300)، ((تحفة الأبرار)) للبيضاوي (2/211)، ((شرح الأربعين النووية)) لابن دقيق العيد (ص:44). .
- وعنِ الحَسَنِ بنِ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((دَعْ ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك )) [2296] أخرجه الترمذي (2518)، والنسائي (5711)، وأحمد (1723). صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحهـ)) (722)، والنووي في ((بستان العارفين)) (32)، وابن الملقن في ((شرح البخاري)) (14/42)، وقال الترمذيُّ: حَسَنٌ صَحيحٌ. .
وَجهُ الدَّلالةِ:دَلَّ الحَديثُ على تَركِ ما فيه ريبةٌ وشَكٌّ، والمُكَلَّفُ إذا تَرَكَ الأحوَطَ فإنَّه لا يَأمَنُ أن يَكونَ ذلك الأحوطُ هو الواجِبَ عليه الأخذُ به في حَقيقةِ الأمرِ، فيَقَعُ في الرِّيبةِ
[2297] يُنظَرُ: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (6/196)، ((الميسر في شرح مصابيح السنة)) للتوربشتي (2/659)، ((تحفة الأبرار)) للبيضاوي (2/216،215). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- لوِ اشتَبَهَت مَحرَمٌ بأجنَبيَّاتٍ مَحصوراتٍ فإنَّه لا يَنكِحُ مِنهنَّ؛ احتياطًا للأبضاعِ، مَعَ انتِفاءِ المَشَقَّةِ باجتنابِهنَّ، بخِلافِ ما لو كُنَّ غَيرَ مَحصوراتٍ، فيَحِلُّ له النِّكاحُ مِنهنَّ دَفعًا للمَشَقَّةِ عنه
[2298] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص:106)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/293). .
2- لو خُلِقَ لشَخصٍ كَفَّانِ في ذِراعٍ يَلزَمُه غَسلُهما في الوُضوءِ، وتُقطَعُ في السَّرِقةِ إحداهما فقَط؛ وفرَّقوا بَينَ حَدِّ السَّرِقةِ وبَينَ الوُضوءِ بأنَّ الوُضوءَ عِبادةٌ مَبنيَّةٌ على الاحتياطِ، وأمَّا الحَدُّ فمَبنيٌّ على الدَّرءِ والإسقاطِ
[2299] يُنظر: ((بحر المذهب)) للروياني (1/92)، ((المجموع)) للنووي (1/389). .
3- يَنبَغي للطَّائِفِ أن يَحتاطَ عِندَ ابتِدائِه الطَّوافَ بأن يَقِفَ قَبلَ الرُّكنِ اليَماني بقَليلٍ حَيثُ يَصيرُ الحَجَرُ الأسوَدُ ليَستَوعِبَ جُملَتَه بذلك، وذلك أنَّ الطَّائِفَ في أوَّلِ أمرِه يَستَقبِلُ بوَجهِه البِنيةَ فيَكونُ إلى جِهةِ الرُّكنِ اليَماني، وفي هذه الحالةِ يَصيرُ الحَجَرُ الأسودُ يَمينَه، ثُمَّ يَقرُبُ مِن جِهةِ الحَجَرِ حتَّى يَستَوعِبَ استِقبالَه، ثُمَّ يَنفَتِلُ ليُصبِحَ عن يَسارِه، ويَشرَعُ في الطَّوافِ
[2300] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (8/32)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/67)، ((الفواكه الدواني)) للقيرواني (1/357). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.ضَوابِطُ العَمَلِ بقاعِدةِ الاحتياطِ:
هذه القاعِدةُ مُقَيَّدةٌ بعِدَّةِ ضَوابِطَ، وهيَ
[2301] يُنظر: ((ضوابط العمل بمبدأ الاحتياط)) لإسرار خان (74- 78)، ((معلمة زايد)) (9/ 185- 186). :
1- أن لا يَصِلَ العَمَلُ بالاحتياطِ حَدَّ المُبالَغةِ والتَّنَطُّعِ والوَسواسِ
[2302] يُنظر: ((الفتح المبين)) للهيثمي (ص:244)، ((أحكام الاشتباه الشرعية)) ليوسف بدوي (ص: 63). .
2- لا احتياطَ فيما يُخالِفُ النَّصَّ: وذلك بأن لا يُخالِفَ المُكَلَّفُ نَصًّا شَرعيًّا يَستَبينُ مِنه الحُكمُ بوُضوحٍ؛ لأنَّ الاحتياطَ إنَّما يُشرَعُ إذا لم تَتَبَيَّنِ النُّصوصُ، فإذا تَبَيَّنَت فالاحتياطُ هو اتِّباعُها وتَركُ ما خالَفَها
[2303] يُنظر: ((أصول الفقه على منهج أهل الحديث)) لغلام قادر (ص: 46)، ((معلمة زايد)) (9/ 185). .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (فإنَّ الاحتياطَ إنَّما يُشرَعُ إذا لمَ تَتَبَيَّنْ سُنَّةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا تَبَيَّنَتِ السُّنَّةُ فاتِّباعُها أَولى)
[2304] ((مجموع الفتاوى)) (26/ 54). .
3- أن لا يَتَرَتَّبَ على العَمَلِ بالاحتياطِ حُصولُ ضَرَرٍ؛ فالاحتياطُ إنَّما يُصارُ إليه إذا خَلا عنِ الضَّرَرِ
[2305] يُنظر: ((المحصول)) للرازي (3/244). .
4- عَدَمُ الوُقوعِ في الحَرَجِ لأجلِ الاحتياطِ المُستَحَبِّ.
5- عَدَمُ تَناقُضِ العَمَلِ بمَبدَأِ الاحتياطِ مَعَ ضابِطٍ آخَرَ.
6- عَدَمُ بناءِ العَمَلِ بمَبدَأِ الاحتياطِ على أصلٍ غَيرِ صَحيحٍ.
7- أن يَكونَ العَمَلُ بقاعِدةِ الاحتياطِ بَعدَ ظُهورِ السَّبَبِ. وسَيَتَبَيَّنُ ذلك في قاعِدةِ: "الاحتياطُ إنَّما يَكونُ بَعدَ ظُهورِ السَّبَبِ" وفُروعِها الثَّلاثةِ.
أنواعُ الاحتياطِ:يَنقَسِمُ الاحتياطُ بحَسَبِ حُكمِه إلى قِسمَينِ:
1ـ الاحتياطُ الواجِبُ:وهذا أكثَرُ مَجالِ عَمَلِه في الحُدودِ والقِصاصِ والمُناكَحاتِ والدِّماءِ والفُروجِ ونَحوِها مِمَّا الأصلُ فيه الحَظرُ، وهذا ما أفادَته عِدَّةُ ضَوابِطَ، مِنها: "النِّكاحُ يُحتاطُ له"
[2306] يُنظر: ((التاج والإكليل)) للمواق (5/233)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (2/4). ، و"الأبضاعُ مِمَّا يُحتاطُ لها "
[2307] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/209). ، و"العُقوبةُ يُحتاطُ لدَرئِها"
[2308] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (12/229). ، و"الحُدودُ والقِصاصُ مِمَّا يُحتاطُ لها وتَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ"
[2309] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (10/108). .
وذَكَرَ العِزُّ بنُ عَبدِ السَّلامِ الاحتياطَ الواجِبَ، وذَكَر أمثِلةً مِنَ العِباداتِ، فقال: (ما يَجِبُ مِنَ الاحتياطِ لكَونِه وسيلةً إلى تَحصيلِ ما تَحَقَّقَ تَحريمُه، فإذا دارَتِ المَصلَحةُ بَينَ الإيجابِ والنَّدبِ والاحتياطِ، حَمَلَها على الإيجابِ؛ لِما في ذلك مِن تَحَقُّقِ بَراءةِ الذِّمَّةِ، فإن كانت عِندَ اللهِ واجِبةً فقد حَصَّلَ مَصلَحَتَها، وإن كانت مَندوبةً فقد حَصَلَ على مَصلَحةِ النَّدبِ وعلى ثَوابِ نيَّةِ الجَوابِ، فإنَّ مَن هَمَّ بحَسَنةٍ ولَم يَعمَلْها كُتِبَت له حَسَنةً، وإذا دارَتِ المَفسَدةُ بَينَ الكَراهةِ والتَّحريمِ فالاحتياطُ حَمْلُها على التَّحريمِ، فإن كانت مَفسَدةُ التَّحريمِ مُحَقَّقةً فقد فازَ باجتِنابِها، وإن كانت مَنفيَّةً فقدِ اندَفعَت مَفسَدةُ المَكروهةِ، وأُثيبَ على قَصدِ اجتِنابِ المُحَرَّمِ، فإنَّ اجتِنابَ المُحرَّمِ أفضَلُ مِنِ اجتِنابِ المَكروهِ، كَما أنَّ فِعلَ الواجِبِ أفضَلُ مِن فِعلِ المَندوبِ. والاحتياطُ لتَحصيلِ مَصلَحةِ الواجِبِ له أمثِلةٌ، أحَدُها: أنَّ مَن نَسيَ صَلاةً مِن خَمسٍ لا يَعرِفُ عَينَها، فإنَّه يَلزَمُه الخَمسُ؛ ليَتَوسَّلَ بالأربَعِ إلى تَحصيلِ الواجِبةِ. المِثالُ الثَّاني: أنَّ مَن نَسيَ رُكوعًا أو سُجودًا أو رُكنًا مِن أركانِ الصَّلاةِ، ولَم يَعرِفْ مَحَلَّه، فإنَّه يَلزَمُه البِناءُ على اليَقينِ احتياطًا لتَحصيلِ مَصلَحةِ الواجِبِ، والبِناءُ على اليَقينِ تَقديرُ أشَقِّ الأمرَينِ، والإتيانُ بالأشَقِّ مِنهما، فإذا شَكَّ أترَكَ الرُّكنَ مِنَ الرَّكعةِ الأولى أم مِنَ الثَّانيةِ بَنى على أنَّه مِنَ الأولى؛ لأنَّه الأشَقُّ...)، وذَكَرَ عِدَّةَ أمثِلةٍ
[2310] ((قواعد الأحكام)) (2/ 19- 20). .
وسَتَأتي بَعضُ القَواعِدِ المُتَعَلِّقةِ بالاحتياطِ الواجِبِ كَقاعِدةِ: "عِندَ تَحَقُّقِ المُعارَضةِ وانعِدامِ التَّرجيحِ يَجِبُ الأخذُ بالاحتياطِ"، ويُعَبَّرُ عنها أيضًا بلَفظِ: "الاحتياطُ في بابِ الحُرمةِ واجِبٌ".
2ـ الاحتياطُ المُستَحَبُّ أوِ المَندوبُ إليه:مِنَ الاحتياطِ ما يَكونُ مُستَحَبًّا؛ فليس كُلُّ احتياطٍ واجِبًا
[2311] يُنظر: ((الواضح)) لابن عقيل (1/ 295). ، ومِنَ الاحتياطِ المُستَحَبِّ على سَبيلِ المِثالِ: أنَّه يُستَحَبُّ لمَن نَوى الصِّيامَ بلَيلٍ أن يُمسِكَ قَبلَ الفجرِ جَريًا على الاحتياطِ في العِبادةِ وسَدًّا للذَّريعةِ
[2312] يُنظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (2/ 52). ، ومِن ذلك قَولُ بَعضِ الحَنَفيَّةِ: "أن يَنويَ المُصَلِّي مُقارِنًا للتَّكبيرِ": فهذا الاحتياطُ مُستَحَبٌّ، وليس بشَرطٍ
[2313] يُنظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/ 85). .
وذَكَرَ ابنُ عَبدِ السَّلامِ الاحتياطَ المَندوبَ، فقال: (ما يُندَبُ إليه، ويُعَبَّرُ عنه بالورَعِ، كَغَسلِ اليَدَينِ ثَلاثًا إذا قامَ مِنَ النَّومِ قَبلَ إدخالِهما الإناءَ، وكالخُروجِ مِن خِلافِ العُلَماءِ عِندَ تَقارُبِ المَأخَذِ، وكَإصلاحِ الحُكَّامِ بَينَ الخُصومِ في مَسائِلِ الخِلافِ، وكاجتِنابِ كُلِّ مَفسَدةٍ مُوهِمةٍ، وفِعلِ كُلِّ مَصلَحةٍ مُوهِمةٍ؛ فمَن شَكَّ في عَقدٍ مِنَ العُقودِ، أو في شَرطٍ مِن شُروطِه، أو في رُكنٍ مِن أركانِه، فليُعِدْه بشُروطِه وأركانِه، وكذلك مَن فرَغَ مِن عِبادةٍ، ثُمَّ شَكَّ في شَيءٍ مِن أركانِها، أو شَرائِطِها بَعدَ زَمَنٍ طَويلٍ، فالورَعُ أن يُعيدَها...)
[2314] ((قواعد الأحكام)) (2/ 18). .