الفَرعُ السَّادِسُ: المَعدومُ ليسَ بمَحَلٍّ للعَقدِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "المَعدومُ ليسَ بمَحَلٍّ للعَقدِ"
[2118] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (15/74)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (4/190)، ((لسان الحكام)) لابن الشحنة (ص: 360)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/444). . وصيغةِ: "المَعدومُ ليسَ بمَحَلِّ العَقدِ كَما أنَّه ليسَ بمَحَلٍّ للمِلكِ"
[2119] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (4/190). . وصيغةِ: "المَعدومُ ليسَ بمَحَلٍّ للمِلكِ"
[2120] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (3/224)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/94)، ((التقرير والتحبير)) لابن أمير الحاج (3/163)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (2/356). . وصيغةِ: "المَعدومُ لا يَكونُ مَحَلًّا لإضافةِ العَقدِ إليه"
[2121] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (20/161). . وصيغةِ: "المَعدومُ لا يَكونُ مَحلًّا للوُجودِ"
[2122] يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 348). . وصيغةِ: "المَعدومُ لا يَدخُلُ تَحتَ العَقدِ"
[2123] يُنظر: ((الفروق)) للكرابيسي (2/86). . وصيغةِ: "العَقدُ على المَعدومِ لا يَنعَقِدُ أصلًا"
[2124] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/143). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.اشتَهَرَ استِعمالُ هذه القاعِدةِ عِندَ الحَنَفيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّ المَعدومَ ليسَ بمَحَلٍّ للعَقدِ؛ لأنَّ الفِعلَ لا يُتَصَوَّرُ إلَّا في المَحَلِّ، والمَعدومُ ليسَ بشَيءٍ، فيَستَحيلُ وصفُه بأنَّه مَعقودٌ عليه، ولأنَّ مِلكَ المَعقودِ عليه بَعدَ الوُجودِ لا بُدَّ مِنه لانعِقادِ العَقدِ، والمَعدومُ لا يُوصَفُ بأنَّه مَملوكٌ، ولا يُمكِنُ جَعلُ العَقدِ مُضافًا؛ لأنَّ المُعاوَضاتِ لا تَحتَمِلُ الإضافةَ كالبَيعِ والنِّكاحِ. والمَحَلُّ إذا كان مَعدومًا حالةَ العَقدِ لم يَنعَقِدْ إلَّا بالتَّجديدِ
[2125] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (10/172) و(15/74)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (7/394)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/94)، ((العناية)) للبابرتي (9/31). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (المَعدومُ شَرعًا كالمَعدومِ حِسًّا)؛ لأنَّ المَعدومَ لا وُجودَ له وليس بشَيءٍ، فلَم يَكُنْ مَحَلًّا للعَقدِ شَرعًا؛ إذِ المَعدومُ شَرعًا كالمَعدومِ حِسًّا.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ:يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:- عن حَكيمِ بنِ حِزامٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَألتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، يَأتيني الرَّجُلُ فيَسألُني البَيعَ ليسَ عِندي، أبيعُه مِنه ثُمَّ أبتاعُه له مِنَ السُّوقِ؟ قال:
((لا تَبِعْ ما ليسَ عِندَك)) [2126] أخرجه أبو داود (3503)، والترمذي (1232)، والنسائي (4613) واللَّفظُ له. صَحَّحه ابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/193)، والنووي في ((المجموع)) (9/259)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (99)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/448). .
وَجهُ الدَّلالةِ:يَدُلُّ الحَديثُ على عَدَمِ جَوازِ بَيعِ المَعدومِ؛ فإنَّ مَعناه: لا تَبِعِ المَعدومَ
[2127] يُنظر: ((إيثار الإنصاف)) لسبط ابن الجوزي (ص: 308)، ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (9/36). .
- وعن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه نَهى عن بَيعِ حَبَلِ الحَبَلةِ
[2128] أخرجه البخاري (2143)، ومسلم (1514). .
وَجهُ الدَّلالةِ:مَعنى حَبَلِ الحَبَلةِ: نِتاجُ النِّتاجِ، بمَعنى أن تُنتَجَ النَّاقةُ، ثُمَّ تَحمِلَ التي نُتِجَت، فنَهاهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو بَيعٌ فاسِدٌ؛ لأنَّه بيعُ مَعدومٍ، وإذا لم يَجُزِ بَيعُ الحَملِ فبيعُ حَملِه أَولى
[2129] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/139)، ((المغني)) لابن قدامة (6/300)، ((المجموع)) للنووي (9/340). .
2- مِنَ القَواعِدِ:يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (المَعدومُ شَرعًا كالمَعدومِ حِسًّا).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ:تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- لا يَجوزُ بَيعُ حَبَلِ الحَبَلةِ -وهو نِتاجُ الجَنينِ- ولا بَيعُ الملاقيحِ -وهو بَيعُ ما في بُطونِ الأنعامِ- ولا بَيعُ المَضامينِ -وهو بَيعُ ما في ظُهورِها-؛ لأنَّ هذا كُلَّه مَعدومٌ
[2130] يُنظر: ((الهداية)) للكلوذاني (ص: 230)، ((المغني)) لابن قدامة (6/300)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (5/53). .
2- استِعمالُ لَفظِ البَيعِ في الإجارةِ لا يَجوزُ عِندَ الحَنَفيَّةِ؛ لانعِدامِ المَحَلِّ؛ لأنَّ لفظَ البَيعِ إن أُضيفَ إلى الدَّارِ فهو تَمليكٌ لعَينِها، وإن أُضيفَ إلى المَنفَعةِ فالمَعدومُ لا يَكونُ مَحَلًّا لإضافةِ العَقدِ إليه، سَواءٌ كانتِ الإضافةُ بلَفظِ الإجارةِ أو بلَفظِ البَيعِ
[2131] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (20/161)، ((أصول السرخسي)) (1/183). .
3- إذا وهَبَ دَقيقًا في حِنطةٍ، أو دُهنًا في سِمسِمٍ، فلا يَجوزُ، والهبةُ فاسِدةٌ، فإن طَحَن وسَلَّم لا تَعودُ صَحيحةً، وكَذا السَّمنُ في اللَّبَنِ؛ لأنَّ المَوهوبَ مَعدومٌ، والمَعدومَ ليسَ بمَحَلٍّ للمِلكِ، فلا يُمكِنُ تَمليكُه بالعَقدِ، فوقَعَ العَقدُ باطِلًا، فلا يُملَكُ إلَّا بعَقدٍ جَديدٍ؛ لأنَّ الحِنطةَ استَحالَت وصارَت دَقيقًا، وكَذا غَيرُها
[2132] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (3/223)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/94)، ((الجوهرة النيرة)) للحداد (1/326). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءاتٌ:يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّوَرِ، مِنها:
1- عَقدُ السَّلَمِ
[2133] السَّلَمُ هو: بَيعُ مَوصوفٍ في الذِّمَّةِ ببَدَلٍ يُعطى عاجِلًا. يُنظَرُ: ((فقه المعاملات المالية)) إعداد الدرر السنية (1/523). ؛ فإنَّه عَقدٌ على مَعدومٍ، ولَكِنْ تُقامُ الذِّمَّةُ -التي هيَ مَحَلُّ المُسَلَّمِ- فيه مَقامَ مِلكِ المَعقودِ عليه في حُكمِ جَوازِ السَّلَمِ؛ لحاجةِ النَّاسِ إليه
[2134] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (15/74)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (4/190). .
2- عَقدُ الإجارةِ؛ فإنَّه يَرِدُ على المَعدومِ، وهيَ المَنفَعةُ التي توجَدُ في مُدَّةِ الإجارةِ، ولَكِن تُقامُ العَينُ المُنتَفَعُ بها المَوجودةُ في مِلكِ العاقِدِ مَقامَ المَنفَعةِ في حُكمِ جَوازِ العَقدِ ولُزومِه؛ لحاجةِ النَّاسِ إليها، كَما تُقامُ المَرأةُ مَقامَ ما هو المَقصودُ بالنِّكاحِ في حُكمِ العَقدِ
[2135] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (15/74)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين لبخاري (4/190)، ((التقرير والتحبير)) لابن أمير الحاج (3/163)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/444). .