الفَرعُ الأوَّلُ: ما امتَنَعَ شَرعًا فهو كالمَعدومِ حِسًّا
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ما امتَنَعَ شَرعًا فهو كالمَعدومِ حِسًّا"
[2053] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (3/62)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/279). . وصيغةِ: "المَمنوعُ شَرعًا كالمَعدومِ حِسًّا"
[2054] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/110)، ((جواهر الدرر)) للتتائي (2/518)، ((شرح الخرشي على مختصر خليل)) (1/295). . وصيغةِ: "هَلِ المَمنوعُ شَرعًا كالمَعدومِ حِسًّا أم لا؟"
[2055] يُنظر: ((التوضيح)) لخليل (3/339)، ((تحبير المختصر)) للدميري (2/420). وصيغةِ: "المَمنوعُ مِنه شَرعًا كالمَعدومِ حَقيقةً"
[2056] يُنظر: ((الممتع)) لابن المنجى (1/111). . وصيغةِ: "المَحظورُ شَرعًا كالمَعدومِ حِسًّا"
[2057] يُنظر: ((عقد الجواهر الثمينة)) لابن شاس (1/224)، ((العزيز)) للرافعي (3/93)، ((التوضيح)) لخليل (2/178). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ المَمنوعَ مِنه شَرعًا كالمَعدومِ حَقيقةً وإن كان له وُجودٌ في الواقِعِ؛ إذ لا فرقَ بَينَ المَعدومِ حِسًّا والمَمنوعِ شَرعًا، فالمَمنوعُ باطِلٌ، والحُكمُ أوِ الأثَرُ لا يَتَرَتَّبُ على الباطِلِ، فهو كالمَعدومِ سَواءً
[2058] يُنظر: ((عقد الجواهر الثمينة)) لابن شاس (2/620)، ((الفروق)) للقرافي (3/62)، ((الممتع)) لابن المنجى (1/111)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (6/445)، ((الفقه الإسلامي وأدلتهـ)) لوهبة الزحيلي (4/3139). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (المَعدومُ شَرعًا كالمَعدومِ حِسًّا)؛ لأنَّ ما امتَنَعَ شَرعًا فهو كالمَعدومِ بالنِّسبةِ إلى الشَّرعِ، فلا يَصِحُّ فِعلُه ولا أثَرَ له؛ لأنَّه في حُكمِ المَعدومِ حِسًّا.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمرُنا فهو رَدٌّ)) [2059] أخرجه البخاريُّ مُعَلَّقًا بصيغةِ الجَزمِ قَبلَ حَديث (2142)، وأخرجه مَوصولًا مُسلِمٌ (1718). .
وَجهُ الدَّلالةِ:يَدُلُّ الحَديثُ على أنَّ المَمنوعَ مِنه شَرعًا مَردودٌ، فهو كالمَعدومِ حِسًّا
[2060] يُنظَرُ: ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/46). .
- وعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه
((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَخلَ المَسجِدَ فدَخل رَجُلٌ فصَلَّى، فسَلَّمَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فرَدَّ وقال: ارجِعْ فصَلِّ فإنَّك لم تُصَلِّ، فرَجَعَ يُصَلِّي كَما صَلَّى، ثُمَّ جاءَ فسَلَّمَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ارجِعْ فصَلِّ فإنَّك لم تُصَلِّ، ثَلاثًا، فقال: والذي بَعَثَك بالحَقِّ ما أُحسِنُ غَيرَه، فعَلِّمْني، فقال: إذا قُمتَ إلى الصَّلاةِ فكَبِّرْ، ثُمَّ اقرَأْ ما تَيَسَّرَ مَعَك مِنَ القُرآنِ، ثُمَّ اركَعْ حتَّى تَطمَئِنَّ راكِعًا، ثُمَّ ارفَعْ حتَّى تَعتَدِلَ قائِمًا، ثُمَّ اسجُدْ حتَّى تَطمَئِنَّ ساجِدًا، ثُمَّ ارفَعْ حتَّى تَطمَئِنَّ جالِسًا، وافعَلْ ذلك في صَلاتِك كُلِّها )) [2061] أخرجه البخاري (757) واللفظ له، ومسلم (397). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ قَولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((فإنَّك لم تُصَلِّ)) يَدُلُّ على أنَّ المُسيءَ صَلاتَه بفِعلٍ مَمنوعٍ، كَمَن تَرَكَ رُكنًا مِن أركانِ الصَّلاةِ عامِدًا، بَطَلَت، وكان وُجودُ باقي الأركانِ كالمَعدومِ
[2062] يُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (27/113). .
2- مِنَ القَواعِدِ:يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (المَعدومُ شَرعًا كالمَعدومِ حِسًّا).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- لا يُباحُ الماءُ المَغصوبُ، ولا تَصِحُّ الطَّهارةُ به، فيُتَيَمَّمُ مَعَه؛ لعَدَمِ غَيرِه مِنَ المُباحِ، ولا يَستَعمِلُه لأنَّه مَمنوعٌ مِنه شَرعًا، فهو كالمَعدومِ حِسًّا
[2063] يُنظر: ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (1/41)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/4)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/46)، ((كشف المخدرات)) للبعلي (1/43). .
2- لا يُعتَدُّ بالأذانِ قَبلَ دُخولِ الوَقتِ لغَيرِ الفجرِ؛ لفواتِ المَقصودِ مِنه، وهو الإعلامُ بدُخولِ الوقتِ، ولِما في ذلك مِنَ التَّغريرِ المَمنوعِ مِنه شَرعًا، ومُخالَفتِه لأمرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وما كان عليه
[2064] يُنظر: ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (1/508). .
3- الصَّائِمُ إذا حَضَرَ أمامَه طَعامٌ فالصَّلاةُ لا تُكرَهُ في حَقِّه؛ لأنَّه مَمنوعٌ مِنه شَرعًا، فمَن كان صائِمًا وحَضَر طَعامُ الإفطارِ، وأُذِّن لصَلاةِ العَصرِ وهو بحاجةٍ إلى الأكلِ، فليس له أن يُؤَخِّرَ صَلاةَ العَصرِ حتَّى يُفطِرَ ويَأكُلَ؛ لأنَّ هذا الطَّعامَ مَمنوعٌ مِنه شَرعًا، حتَّى لوِ اشتَهى الطَّعامَ شَهوةً قَويَّةً
[2065] يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/313)، ((الفقه الميسر)) لعبدالله الطيار وآخرين (1/303). .
4- لا يَصحُّ بَيعُ ما لا مَنفعةَ فيه؛ لأنَّه مِن أكلِ المالِ بالباطِلِ، بَل لا يَصِحُّ تَمَلُّكُه. وفي مَعناه ما كانت فيه مَنافِعُ، إلَّا أنَّها كُلَّها مُحَرَّمةٌ؛ إذ لا فرقَ بَينَ المَعدومِ حِسًّا والمَمنوعِ شَرعًا
[2066] يُنظر: ((عقد الجواهر الثمينة)) لابن شاس (2/620). .