موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الرَّابعُ: حُكمُ الاستِدلالِ بسَدِّ الذَّرائِعِ


أصلُ الاستِدلالِ بسَدِّ الذَّرائِعِ مَحَلُّ اتِّفاقٍ بَينَ العُلَماءِ فيما لو ورَدَ نَصٌّ في شَأنِ الوسيلةِ، أو أدَّت إلى المَفسَدةِ قَطعًا ولم تَكُن مَصلَحَتُها أرجَحَ مِن مَفسَدَتِها، ومِمَّن ذَكَرَ هذا الاتِّفاقَ: القَرافيُّ ، والشَّاطِبيُّ .
وقال الزَّركَشيُّ: (قال القُرطُبيُّ: وسَدُّ الذَّرائِعِ ذَهَبَ إليه مالِكٌ وأصحابُه، وخالفه أكثَرُ النَّاسِ تَأصيلًا، وعَمِلوا عليه في أكثَرِ فُروعِهم تَفصيلًا) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (بابُ سَدِّ الذَّرائِعِ أحَدُ أرباعِ التَّكليفِ؛ فإنَّه أمرٌ ونَهيٌ، والأمرُ نَوعانِ؛ أحَدُهما: مَقصودٌ لنَفسِه، والثَّاني: وسيلةٌ إلى المَقصودِ، والنَّهيُ نَوعانِ؛ أحَدُهما: ما يَكونُ المَنهيُّ عنه مَفسَدةً في نَفسِه، والثَّاني: ما يَكونُ وسيلةً إلى المَفسَدةِ؛ فصارَ سَدُ الذَّرائِعِ المُفضيةِ إلى المُحَرَّمِ أحَدَ أرباع الدِّينِ) .
والمُختارُ: القَولُ بسَدِّ الذَّرائِعِ وأنَّه حُجَّةٌ ودَليلٌ شَرعيٌّ مُعتَبَرٌ ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ ، والحَنابِلةِ ، وهو اختيارُ الطُّوفيِّ ، وابنِ القَيِّمِ ، والشَّاطِبيِّ .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ القُرآنِ الكَريمِ
ورَدَت عِدَّةُ آياتٍ تَدُلُّ على تَحريمِ أشياءَ مُباحةٍ؛ لكَونِها ذَريعةً إلى مَفسَدةٍ ومُؤَدِّيةً إلى حَرامٍ، ومِن تلك الآياتِ :
1- قَولُ اللهِ تعالى: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام: 108] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه مَعَ كَونِ السَّبِّ غَيظًا للكُفَّارِ وإهانةً لآلهَتِهم إلَّا أنَّ اللَّهَ حَرَّمَه لكَونِه ذَريعةً إلى سَبِّهمُ اللَّهَ تعالى، وكانت مَصلحةُ تَركِ مَسَبَّتِه تعالى أرجَحَ مِن مَصلَحةِ سَبِّنا لآلهَتِهم، وهذا كالتَّنبيهِ أوِ التَّصريحِ على المَنعِ مِنَ الجائِزِ؛ لئَلَّا يَكونَ سَبَبًا في فِعلِ ما لا يَجوزُ .
2- قَولُ اللهِ تعالى: وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور: 31] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللَّهَ تعالى مَنعَهنَّ مِنَ الضَّربِ بالأرجُلِ وإن كان جائِزًا في نَفسِه؛ لئَلَّا يَكونَ سَبَبًا إلى سَمعِ الرِّجالِ صَوتَ الخَلخالِ؛ فيُثيرَ ذلك دَواعيَ الشَّهوةِ مِنهم إليهنَّ .
3- قَولُ اللهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا [البقرة: 104] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللَّهَ تعالى نَهاهم أن يَقولوا هذه الكَلِمةَ -مَعَ قَصدِهم بها الخَيرَ- لئَلَّا يَكونَ قَولُهم ذَريعةً إلى التَّشَبُّهِ باليَهودِ في أقوالِهم وخِطابِهم؛ فإنَّهم كانوا يُخاطَبونَ بها النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويَقصِدونَ بها السَّبَّ، فنُهيَ المُسلِمونَ عن قَولِها؛ سَدًّا لذَريعةِ المُشابَهةِ، ولئَلَّا يَكونَ ذلك ذَريعةً إلى أن يَقولَها اليَهودُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَشَبُّهًا بالمُسلِمينَ، فيَقصِدونَ بها غَيرَ ما يَقصِدُه المُسلِمونَ .
4- قَولُ اللهِ تعالى: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إلى قَولِه: يَفْسُقُونَ [الأعراف: 163] ، وقَولُه تعالى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ [البقرة: 65] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللَّهَ تعالى ذَمَّهم بكَونِهم تَذَرَّعوا للصَّيدِ يَومَ السَّبتِ المُحَرَّمِ عليهم بحَبسِ الصَّيدِ يَومَ الجُمُعةِ .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
ورَدَت أحاديثُ عَديدةٌ تَدُلُّ على سَدِّ بابِ الذَّريعةِ المُفضيةِ إلى الحَرامِ، ومِن تلك الأحاديثِ :
1- قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لعنَ اللهُ اليَهودَ؛ حُرِّمَت عليهمُ الشُّحومُ، فباعوها وأكَلوا أثمانَها)) .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ تَوعَّدَ بالعِقابِ مَن يَحتالُ إلى المَمنوعِ بفِعلٍ جائِزٍ، فدَلَّ ذلك على تَحريمِ الفِعلِ الجائِزِ إذا كان يُتَوسَّلُ به إلى مَمنوعٍ، وهذا هو عَينُ سَدِّ الذَّرائِعِ .
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مِنَ الكَبائِرِ شَتمُ الرَّجُلِ والِدَيه، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وهَل يَشتُمُ الرَّجُلُ والدَيه؟! قال: نَعَم، يَسُبُّ أبا الرَّجُلِ فيَسُبُّ أباه، ويَسُبُّ أُمَّه فيَسُبُّ أُمَّهـ)) .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَعَل الرَّجُلَ سابًّا لاعِنًا لأبَوَيه بتسبُّبِه إلى ذلك وتَوسُّلِه إليه وإن لم يَقصِدْه .
3- لمَّا قال عَبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ: واللهِ لئِن رَجَعْنا إلى المَدينةِ ليُخرِجَنَّ الأعَزُّ مِنها الأذَلَّ، فقال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه: دَعْني يا رَسولَ اللهِ أضرِبْ عُنُقَ هذا المُنافِقِ! قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((دَعْه، لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أنَّ مُحَمَّدًا يَقتُلُ أصحابَهـ)) .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَكُفُّ عن قَتلِ المُنافِقينَ -مَعَ كَونِه مَصلَحةً- لئَلَّا يَكونَ ذَريعةً إلى تَنفيرِ النَّاسِ عنه، وقَولِهم: إنَّ مُحَمَّدًا يَقتُلُ أصحابَه؛ فإنَّ هذا القَولَ يوجِبُ النُّفورَ عنِ الإسلامِ مِمَّن دَخَل فيه ومِمَّن لم يَدخُلْ فيه، ومَفسَدةُ التَّنفيرِ أكبَرُ مِن مَفسَدةِ تَركِ قَتلِهم، ومَصلَحةُ التَّأليفِ أعظَمُ مِن مَصلَحةِ القَتلِ .
4- قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((لولا قَومُكِ حَديثو عَهدٍ بكُفرٍ لنَقَضتُ الكَعبةَ فجَعَلتُ لها بابَينِ: بابٌ يَدخُلُ مِنه النَّاسُ، وبابٌ يَخرُجونَ)) .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبَرَ أنَّ نَقضَ الكَعبة ورَدَّها إلى ما كانت عليه مِن قَواعِدِ إبراهيمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَصلَحةٌ، ولكِن تُعارِضُه مَفسَدةٌ أعظَمُ مِنه، وهيَ خَوفُ فِتنةِ بَعضِ مَن أسلَمَ قَريبًا، وذلك لِما كانوا يَعتَقِدونَه مِن فَضلِ الكَعبةِ، فيَرَونَ تَغييرَها عَظيمًا؛ فتَرَكَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .
ثالثًا: أنَّه ثَبَتَ في عِدَّةِ وقائِعَ أنَّ الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهمُ استَدَلُّوا بسَدِّ الذَّرائِعِ؛ مِن ذلك: قول أبي مسعودٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه: (إني لأدعُ الأضحى، وإني لموسِر مخافةَ أنْ يرى جيراني أنَّه حتمٌ عليَّ)
والصَّحابةُ اتَّفَقوا على قَتلِ الجَميعِ بالواحِدِ وإن كان أصلُ القِصاصِ يَمنَعُ ذلك؛ لئَلَّا يَكونَ عَدَمُ القِصاصِ ذَريعةً إلى التَّعاوُنِ على سَفكِ الدِّماءِ .
قال الشَّاطبيُّ: (قاعِدةُ سَدِّ الذَّرائِعِ إنَّما عَمِلَ ‌السَّلَفُ ‌بها ‌بناءً ‌على ‌هذا ‌المعنى؛ ‌كعَمَلِهم في تَركِ الأُضحيَّةِ مع القُدرةِ عليها، وكإتمامِ عُثمانَ الصَّلاةَ في حَجِّه بالنَّاسِ، وتسليمِ الصَّحابةِ له في عُذرِه الذي اعتذَر به مِن سَدِّ الذَّريعةِ، إلى غيرِ ذلك من أفرادِها التي عَمِلوا بها) .
رابعًا: مِنَ المَعقولِ
أنَّ الشَّارِعَ لو أباحَ الوسائِلَ والذَّرائِعَ المُفضيةَ إلى الحَرامِ لكان ذلك نَقضًا للتَّحريمِ، وإغراءً للنُّفوسِ به، وحِكمَتُه تعالى تَأبى ذلك، بَل سياسةُ مُلوكِ الدُّنيا تَأبى ذلك؛ فإنَّ أحَدَهم إذا مَنَعَ جُندَه أو رَعيَّتَه أو أهلَ بَيتِه مِن شَيءٍ، ثُمَّ أباحَ لهمُ الطُّرُقَ والأسبابَ والذَّرائِعَ الموصِلةَ إليه، لعُدَّ مُتَناقِضًا، ويَحصُلُ مِن جُندِه ورَعيَّتِه ضدُّ مَقصودِه، وكذلك الأطِبَّاءُ إذا أرادوا حَسمَ الدَّاءِ مَنَعوا صاحِبَه مِنَ الطُّرُقِ والذَّرائِعِ الموصِلةِ إليه، وإلَّا فسَدَ عليهم ما يَرومونَ إصلاحَه، والظَّنُّ بهذه الشَّريعةِ الكامِلةِ التي هيَ في أعلى دَرَجاتِ الحِكمةِ والمَصلَحةِ والكَمالِ مُراعاةُ ذلك .
وقيل: إنَّ سَدَّ الذَّرائِعِ ليس بحُجَّةٍ، وهو قَولٌ مَنسوبٌ إلى الشَّافِعيِّ ، واختارَه ابنُ حَزمِ الظَّاهِريِّ .

انظر أيضا:

  1. (1) قال: (فليسَ سَدُّ الذَّرائِعِ خاصًّا بمالِكٍ رَحِمَه اللهُ، بَل قال بها: هو أكثَرُ مِن غَيرِه، وأصلُ سَدِّها مُجمَعٌ عليهـ). ((الفروق)) (2/33). وقال أيضًا: (اعتِبارُ الشَّرعِ سَدَّ الذَّرائِعِ في الجُملةِ، هذا مُجمَعٌ عليه، وإنَّما النِّزاعُ في الذَّرائِعِ خاصَّةً، وهيَ بُيوعُ الآجالِ ونَحوِها). ((الفروق)) (3/266).
  2. (2) قال عن سَدِّ الذَّرائِعِ: (أصلٌ مُتَّفَقٌ عليه في الجُملةِ، وإنِ اختَلف العُلَماءُ في تَفاصيلِه؛ فليسَ الخِلافُ في بَعضِ الفُروعِ مِمَّا يُبطِلُ دَعوى الإجماعِ في الجُملةِ). ((الموافقات)) (3/509).
  3. (3) ((البحر المحيط)) (8/90).
  4. (4) ((إعلام الموقعين)) (4/43).
  5. (5) وذلك فيما إذا كانت وسيلةً مَوضوعةً للإفضاءِ إلى المُباحِ، ولكِن قُصِد بها التَّوسُّلُ إلى المَفسَدةِ، وأيضًا إذا كانت تُؤَدِّي إلى المَفسَدةِ غالبًا، ومَفسَدَتُها أرجَحُ مِن مَصلحَتِها، وإن لم يُقصَدْ بها التَّوسُّلُ إلى المَفسَدةِ. يُنظر: ((أصول الفقهـ)) لعياض السلمي (ص: 211). ويُنظر أيضًا: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (4/5).
  6. (6) يُنظر: ((الإشارة)) للباجي (ص:80)، ((الفروق)) (2/32)، ((شرح تنقيح الفصول)) (ص:448) كلاهما للقرافي.
  7. (7) يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/214)، ((إيضاح الدلائل)) للزريراني (ص:211)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (4/5).
  8. (8) يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) (3/214).
  9. (9) يُنظر: ((إعلام الموقعين)) (4/5،4).
  10. (10) يُنظر: ((الموافقات)) (3/75).
  11. (11) يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (3/266).
  12. (12) يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (4/5، 6)، ((الموافقات)) للشاطبي (3/75، 76).
  13. (13) يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (4/6).
  14. (14) يُنظر: ((الإشارة)) للباجي (ص:80)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (4/6، 7)، ((الموافقات)) للشاطبي (3/76)، ((البحر المحيط)) للزركشي (8/89).
  15. (15) يُنظر: ((الإشارة)) للباجي (ص:80).
  16. (16) يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (3/266)، ((البحر المحيط)) للزركشي (8/89).
  17. (17)   أخرجه البخاري (2224)، ومسلم (1583) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُ البخاريِّ: عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ الله عنه ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: قاتَل اللهُ يَهودَ؛ حُرِّمَت عليهمُ الشُّحومُ، فباعوها وأكَلوا أثمانَها)).
  18. (18) يُنظر: ((الاجتهاد في مناط الحكم الشرعي)) لبلقاسم الزبيدي (ص: 463).
  19. (19)   أخرجه البخاري (5973)، ومسلم (90)، واللَّفظُ له.
  20. (20) يُنظر: ((إعلام الموقعين)) (4/7، 8)، ((الموافقات)) للشاطبي (3/76). قال ابنُ بَطَّال: (هذا الحَديثُ أصلٌ في قَطعِ الذَّرائِعِ، وأنَّ مَن آل فِعلُه إلى مُحرَّمٍ -وإن لم يَقصِدْه- فهو كَمَن قَصَدَه وتَعَمَّدَه في الإثمِ، ألا تَرى أنَّه عليه السَّلامُ نَهى أن يَلعنَ الرَّجُلُ والدَيه؟ فكان ظاهِرُ هذا أن يَتَولَّى الابنُ لَعْنَهما بنَفسِه، فلمَّا أخبَرَ النَّبيُّ عليه السَّلامُ أنَّه إذا سَبَّ أبا الرَّجُلِ وسَبَّ الرَّجُلُ أباه وأُمَّه [لفظُه: عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مِنَ الكَبائِرِ شَتمُ الرَّجُلِ والِدَيه، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وهَل يَشتُمُ الرَّجُلُ والِدَيه؟ قال: نَعَم، يَسُبُّ أبا الرَّجُلِ فيَسُبُّ أباه، ويَسُبُّ أُمَّه فيَسُبُّ أُمَّهـ)) أخرجه البخاري (5973)، ومسلم (90)، واللَّفظُ له]، كان كَمَن تولَّى ذلك بنَفسِه، وكان ما آل إليه فِعلُ ابنِه كلعنِه في المَعنى؛ لأنَّه كان سَبَبَهـ). ((شرح صحيح البخاري)) (9/192).
  21. (21)   أخرجه البخاري (4907)، واللَّفظُ له، ومسلم (2584) من حديثِ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ الله عنهما.
  22. (22) يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (5/7).
  23. (23)   أخرجه البخاري (126)، ومسلم (1333) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ عائِشةَ رَضِيَ الله عنها، ولفظُ البخاريِّ: قال لي ابنُ الزُّبَيرِ: كانت عائِشةُ تُسِرُّ إليكَ كَثيرًا، فما حَدَّثَتكَ في الكَعبةِ؟ قُلتُ: قالت لي: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا عائِشةُ، لولا قَومُكِ حَديثٌ عَهدُهم -قال ابنُ الزُّبَيرِ- بكُفرٍ، لنَقَضتُ الكَعبةَ فجَعَلتُ لها بابَينِ: بابٌ يَدخُلُ النَّاسُ، وبابٌ يَخرُجونَ، ففعَله ابنُ الزُّبَيرِ.
  24. (24) يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (9/89).
  25. (25) أخرجه عبدالرزاق (8149)، والبيهقي (19070) صحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/355)
  26. (26) يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (4/16).
  27. (27) ((الموافقات)) (4/ 59- 60).
  28. (28) يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (4/3). وقد ذَكَرَ ابنُ القَيِّمِ تِسعةً وتِسعينَ دَليلًا للاحتِجاجِ بسَدِّ الذَّرائِعِ. يُنظر: ((إعلام الموقعين)) (4/5) فما بَعدَها.
  29. (29) يُنظر: ((إحكام الفصول)) للباجي (2/696)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/119، 120)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (4/434). قال القَرافيُّ في أقسامِ الذَّرائِعِ: (وثالِثُها: مُختَلَفٌ فيه، كَبُيوعِ الآجالِ، اعتَبَرنا نَحنُ الذَّريعةَ فيها وخالفَنا غَيرُنا، فحاصِلُ القَضيَّةِ أنَّا قُلنا بسَدِّ الذَّرائِعِ أكثَرَ مِن غَيرِنا، لا أنَّها خاصَّةٌ بنا). ((الذخيرة)) (1/ 152). وقال تاجُ الدِّينِ السُّبكيُّ (اشتَهَرَ عنِ المالكيَّةِ "سَدُّ الذَّرائِعِ". وزَعَمَ القَرافيُّ أنَّ كُلَّ أحَدٍ يَقولُ بها، ولا خُصوصيَّةَ للمالكيَّةِ إلَّا مِن حَيثُ زيادَتُهم فيها. قال: فإنَّ مِنَ الذَّرائِعِ ما يُعتَبَرُ إجماعًا، كحَفرِ الآبارِ في طُرُقِ المُسلمينَ، وإلقاءِ السُّمِّ في طَعامِهم، وسَبِّ الأصنامِ عِندَ مَن يُعلَمُ من حالِه أنَّه يَسُبُّ اللَّهَ عِندَ سَبِّها. ومُلغًى إجماعًا، كزِراعةِ العِنَبِ؛ فإنَّها لا تُمنَعُ خَشيةَ الخَمرِ، وما يُختَلفُ فيه كبُيوعِ الآجالِ، قُلتُ: وقد أطلقَ هذه القاعِدةَ على أعَمَّ مِنها، ثُمَّ زَعَمَ أنَّ كُلَّ أحَدٍ يَقولُ ببَعضِها، وسَنوضِّحُ لك أنَّ الشَّافِعيَّ لا يَقولُ بشَيءٍ مِنها، وأنَّ ما ذُكِرَ أنَّ الأُمَّةَ أجمَعَت عليه ليسَ مِن مُسَمَّى سَدِّ الذَّرائِعِ في شَيءٍ. نَعَم، حاول ابنُ الرِّفعةِ تَخريجَ قَولِ الشَّافِعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه بسَدِّ الذَّرائِعِ -مِن نَصِّه- رَضِيَ الله عنه في بابِ "إحياءِ المَواتِ" مِنَ الأُمِّ؛ إذ قال رَضِيَ اللهُ عنه بَعدَ ما ذَكَرَ النَّهيَ عن بَيعِ الماءِ ليَمنَعَ به الكَلأَ، وأنَّه يُحتَمَلُ أنَّ ما كان ذَريعةً إلى مَنعِ ما أحَلَّ اللَّهُ لم يَحِلَّ، وكَذا ما كان ذَريعةً إلى إحلالِ ما حَرَّمَ اللهُ، ما نَصُّه: وإذا كان هذا هَكَذا ففي هذا ما يُثبتُ أنَّ الذَّرائِعَ إلى الحَلالِ والحَرامِ تُشبِهُ مَعانيَ الحَلالِ والحَرامِ. انتَهى. ونازَعَه الشَّيخُ الإمامُ الوالِدُ رَحِمَه اللهُ، وقال: إنَّما أرادَ الشَّافِعيُّ رَحِمَه اللهُ تَحريمَ المَسائِلِ لا سَدَّ الذَّرائِعِ، والوسائِلُ تَستَلزِمُ المُتَوسَّلَ إليه، ومِن هذا النَّوعِ مَنعُ الماءِ؛ فإنَّه مُستَلزِمٌ عادةً لمَنعِ الكَلأِ الذي هو حَرامٌ، ونَحنُ لا نُنازِعُ فيما يُستَلزَمُ مِنَ الوسائِلِ؛ ولذلك نَقولُ: مَن حَبَسَ شَخصًا ومَنَعَه الطَّعامَ والشَّرابَ فهو قاتِلٌ له. وما هذا مِن سَدِّ الذَّرائِعِ في شَيءٍ. قال الشَّيخُ الإمامُ: وكَلامُ الشَّافِعيِّ في نَفسِ الذَّرائِعِ لا في سَدِّها، والنِّزاعُ بَينَنا وبَينَ المالكيَّةِ إنَّما هو في سَدِّها) ((الأشباه والنظائر)) (1/ 119-120). ثُمَّ أخَذَ يُفَصِّلُ القَولَ في بَيانِ صُوَرٍ رُبَّما يُظَنُّ فيها أنَّ الشَّافِعيَّ يَقولُ ببَعضِ القِسمِ الثَّالثِ الذي ذَكَرَه القَرافيُّ.
  30. (30) يُنظر: ((الإحكام)) (6/2) فما بعدَها.