الموسوعة الحديثية


- أين أَيُّها الناسُ ؟ هَلُمُّوا إلَيَّ ، أنا رسولُ اللهِ ، أنا مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ . . فلا يَرِدُ عليه شيءٌ ، ورَكِبَتِ الإبِلُ بعضُها بعضًا وهي مُولِيَةٌ بأصحابِها .
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : الألباني | المصدر : فقه السيرة | الصفحة أو الرقم : 389 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
كانتْ حَياةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جِهادًا في كُلِّ ضُروبِها، وهذا الحديثُ مِثالٌ من أمثِلَةٍ قَليلةٍ على هذا الأمْرِ، حيثُ يقُصُّ علينا خَبَرَ يَومِ حُنَينٍ، الذي كادتْ تَنقَلِبُ فيه الموازينُ؛ حتى تَعلَّمَ أصحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الدَّرْسَ كما يَنبَغي، وكان هذا بابتِلائِهم أوَّلَ الأمْرِ، فاللهُ مُرَبٍّ يُرَبِّي النَّاسَ بنِعْمَتِه ويُرَبِّيهم بابتِلائِه.
ولَمَّا كادتِ الكَرَّةُ تكونُ على المُسلِمينَ، وفَرَّ الكثيرُ من المُسلِمينَ، كما قال اللهُ: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 25]؛ وَقَفَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قائلًا: "أين أيُّها النَّاسُ؟" والمعنى أين أنتُم وأين إيمانُكم؟ "هَلُمُّوا إليَّ"، أي: تَجمَّعوا حولي واقْتَرِبوا، "أنا رسولُ اللهِ، أنا مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ" وهذه شَجاعةٌ من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانتْ مَعْهودةً عنه؛ حتى كان في أحلَكِ الظُّروفِ وأصعَبِها واقفًا لا يَتَراجَعُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ حتى إنَّ الصَّحابَةَ كانوا إذا حَمِيَ الوَطيسُ يَلوذونَ بظَهرِه ويَختَبِؤون خَلْفَه، ولم يَبْقَ معه في مَوقِفِه إلَّا عددٌ قليلٌ من المُهاجِرينَ والأنصارِ‏، ثم قال: "أنا النَّبيُّ لا كَذِبْ" في نُبوءَتي بل حَقٌّ، فلا أَفِرُّ عن الكُفَّارِ، وفيه أنَّ صِفَةَ النُّبوَّةِ تُنافي الكَذِبَ؛ لأنَّه يقولُ: أنا النَّبيُّ فلا كَذِبَ، وأنَّ اللهَ وَعَدَني بنَصرِه فلا أَفِرُّ، "أنا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ" وعبدُ المُطَّلِبِ هو جَدُّه، وانتَسَبَ إلى جَدِّه لشُهرَتِه به، "ورَكِبتُ الإبِلَ بَعضَها، وهي مُولِّيَةٌ بأصحابِها" ودلَّ هذا على سُرعَةِ الفِرارِ، ثم قام العبَّاسُ بنُ عبدِ المُطَّلِبِ، وكان جَهورَ الصَّوتِ، فاستَطاعَ بصَوتِه أنْ يَرُدَّ النَّاسَ ويَجمَعَهم مرَّةً ثانيَةً حَولَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحديثِ: بيانُ عَظيمِ شَجاعَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وثَباتِه وإيمانِه ودِفاعِه عن الدِّينِ.
وفيه: أنَّ النَّصْرَ من عندِ اللهِ وبالتَّوكُّلِ عليه، وليس بكَثرَةِ العَدَدِ والسِّلاحِ( ).