- مَن شربَ منَ الخمرِ شَربةً لم تُقبَلْ لَهُ صلاةٌ أربعينَ صباحًا ، فإن تابَ تابَ اللَّهُ عليهِ ، فإن عادَ لم تُقبَلْ لَهُ صلاةٌ أربعينَ صباحًا ، فإن تابَ تابَ اللَّهُ عليهِ ، فإن عادَ قالَ : فلا أدري في الثَّالثةِ أو في الرَّابعةِ - فإن عادَ كانَ حقًّا على اللَّهِ أن يُسقيَهُ من رَدغةِ الخبالِ يومَ القيامةِ قالَ وسَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ : إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ خلقَ خلقَهُ في ظلمةٍ ، ثمَّ ألقَى عليهِم من نورِهِ يومئذٍ ، فمَن أصابَهُ من نورِهِ يومئذٍ ، اهتَدى ، ومَن أخطأَهُ ، ضلَّ فلذلِكَ أقولُ : جفَّ القلمُ على علمِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ وسَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ : إنَّ سُلَيْمانَ بنَ داودَ عليهِ السَّلامُ سألَ اللَّهَ ثلاثًا ، فأعطاهُ اثنتَينِ ، ونحنُ نرجو أن تَكونَ لَهُ الثَّالثةُ : فسألَهُ حُكْمًا يصادِفُ حُكْمَهُ ، فأعطاهُ اللَّهُ إيَّاهُ ، وسألَهُ مُلكًا لا ينبَغي لأحَدٍ من بَعدِهِ ، فأعطاهُ إيَّاهُ ، وسألَهُ أيُّما رجلٍ خَرجَ من بيتِهِ لا يريدُ إلَّا الصَّلاةَ في هذا المسجدِ خرجَ من خَطيئتِهِ مثلَ يومِ ولدتهُ أمُّهُ ، فَنحنُ نرجو أن يَكونَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ قد أَعطاهُ إيَّاهُ
الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : أحمد شاكر | المصدر : مسند أحمد
الصفحة أو الرقم: 10/128 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
التخريج : أخرجه ابن ماجه (3377) مختصراً، وأحمد (6644) واللفظ له.
وقال عبدُ اللهِ بنُ عمْرٍو رضِيَ اللهُ عنهما: وسمِعْتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: "إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ خلَقَ خَلْقَه في ظُلمَةٍ"، والمرادُ بالظُّلْمةِ ظَلامُ بِدايةِ الخَلقِ، أو المرادُ بها: ما جُبِل عليه الخَلقُ مِنَ الأهواءِ المضِلَّة كأنَّها ظَلامٌ في النُّفوسِ، "ثمَّ ألْقَى عليهم مِن نُورِه يومئذٍ"، أي: أعْطاهُم مِن نُورِ هِدايتِه وكأنَّ الإنسانَ بفِطرتِه مُتهيِّئٌ لإصابةِ الهُدَى إنْ تأمَّل في آياتِ القُدرةِ، "فمَن أصابَهُ"، أي: وقَعَ عليه، "مِن نُورِه يومئذٍ اهْتَدى"، أي: كان ذلك النُّورُ سببًا في هِدايَتِه مِن تِلك الظُّلمةِ الَّتي خُلِقَ فيها، "ومَن أخطَأَهُ"، أي: ومَن لم يُصِبْه ذلك النُّورُ، "ضلَّ"، أي: بَقِيَ في ظُلمتِه وشَهواتِه الَّتي تُبعِدُه عن طَريقِ الهِدايةِ. وقيل: المُرادُ بالنُّورِ ما نَصَبَ اللهُ للخلْقِ مِن الشَّواهدِ والحُججِ، وما أنزَلَ إليهم مِن الآياتِ والنُّذرِ لهِدايتِهم؛ إذ لولا ذلك لَبَقُوا في ظُلماتِ الضَّلالةِ والجَهالةِ، والمُرادُ بإصابةِ النُّورِ الاعتبارُ بالحُججِ والشَّواهدِ والانتفاعُ بها؛ فمَن شاءَ اللهُ هِدايتَه وشاهَدَ حُجَجَه، واعتبَرَ بآياتِه، واستدلَّ بشَواهدِه بالنَّظرِ الصَّحيحِ؛ فهو الَّذي أصابَه ذلك النورُ، فخَلَصَ مِن تلك الظُّلمةِ واهتدَى، ومَن لم يشَأْ هِدايتَه، فعَمِيَ عن آياتِه؛ فهو الَّذي حُرِمَ مِن ذلك النُّورِ، وبقِيَ في الظُّلماتِ مُتحيِّرًا، كما قال تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: 22]؛ ويَنبغي التنبُّهُ إلى أنَّ مَن أصابَه مِن نُورِ اللهِ الذي ألْقاهُ لم يُصبْه على سَبيلِ المصادَفةِ، وإنَّما أصابَه النورُ؛ لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ كان يَعلَمُ بعِلمِه الأزليِّ أنَّ هذه النَّسَمةَ والنَّفْسَ ستَكونُ صالحةً تَقيةً في الدُّنيا، فقَدَّرَ لها أنْ يُصيَبها مِن نُورِ اللهِ في ذلك الموقفِ، وكذلك بالنِّسبةِ لغَيرِ المتقينَ الذين لم يُصبْهم نورُ اللهِ .
قال عبدُ اللهِ بنُ عَمرِو بنِ العاصِ: "فلِذلك أقولُ"، أي: بسَببِ عدَمِ تغيُّرِ ما جَرى تَقديرُه مِن الإيمانِ والطَّاعةِ، والكُفرِ والمعصيةِ: "جفَّ القلَمُ"، أي: فرَغَ مِن الكِتابةِ الَّتي أُمِرَ بها حينَ خَلَقهُ اللهُ عَزَّ وجلَّ وأمَرَهُ أنْ يَكتُبَ ما هو كائنٌ إلى يومِ القيامةِ، "على عِلْمِ اللهِ"، أي: على ما حَكَمَ اللهُ عزَّ وجلَّ به في الأزَلِ على عِبادِه.
وقال عبدُ اللهِ بنُ عمْرٍو رضِيَ اللهُ عنهما: "وسمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إنَّ سُليمانَ بنَ داودَ عليه السَّلامُ سأَلَ اللهَ ثلاثًا"، أي: دعا وطلَبَ مِن اللهِ ثلاثةَ أُمورٍ، "فأعطاهُ اثنتينِ"، أي: استجابَ اللهُ عزَّ وجلَّ له في اثنتينِ، "ونحنُ نَرْجو أنْ تكونَ له الثَّالثةُ"، أي: نَسأَلُ اللهَ أنْ يَستجيبَ له الدَّعوةَ الثَّالثةَ؛ الأُولى: "فسأَلَهُ حُكْمًا يُصادِفُ حُكْمَه"، أي: يُوافِقُ حُكْمَ اللهِ، والمُرادُ: التَّوفيقُ للصَّوابِ في الاجتِهادِ وفصْلِ الخُصوماتِ بيْن النَّاسِ، "فأعطاهُ اللهُ إيَّاهُ"، أي: أجابَهَ.
والثَّانيةُ: "وسألَهُ مُلْكًا لا يَنْبغي لأحدٍ مِن بَعدِه، فأعطاهُ إيَّاهُ"، أي: طلَبَ مُلْكًا لا يكونُ مِثْلُه لغَيرِه مِن البشَرِ بعدَه، ولعلَّ مُرادَه: أنْ يكونَ هذا المُلْكُ لِعَظَمتِه مُعجزةً له؛ فيكونَ سببًا للإيمانِ والهِدايةِ، ولكونِه مَلِكًا أراد أنْ تكونَ مُعجزتُه على ما يُناسِبُ حالَه، أو كأنَّه سأَلَ اللهَ منْعَ الخلْقِ مِن سُؤالِ وطلَبِ هذا المُلْكِ مِن بعدِه؛ حتَّى لا يَتعلَّقَ به أمَلُ أحَدٍ، ولم يَسأَلْ مَنْعَ الإجابةِ. وقيل: طلَبَ ذلك؛ لِيَكونَ مَحَلُّه وكرامتُه مِن اللهِ ظاهرًا في خلْقِ السَّمواتِ والأرضِ؛ فإنَّ الأنبياءَ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ لهم تَنافُسٌ في المَحَلِّ عنده؛ فكلٌّ يُحِبُّ أنْ تكونَ له خُصوصيَّةٌ يُسْتَدَلُّ بها على مَحَلِّه عنده، فلو أُعْطِيَ أحدٌ بعدَه مِثْلَه ذهَبَتِ الخُصوصيَّةُ؛ فاستجاب اللهُ تعالى له فسخَّرَ له الرِّيحَ تَحمِلُه بعسكَرِه وجُنودِه إلى حيثُ أراد، وسخَّرَ له الشَّياطينَ يَعمَلون له ما يَشاءُ مِن مَحاريبَ وتَماثيلَ وجِفانٍ كالجَوابِ، وقُدورٍ راسياتٍ، وسخَّرَ له آخَرينَ مُتمرِّدينَ، يَقرُنُهم في السَّلاسِلِ وقُيودِ الحديدِ؛ تَعذيبًا لهم حتَّى يَرْجِعوا عن تمرُّدِهم، ثمَّ امْتَنَّ اللهُ تعالى عليه، حيث قال: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [ص: 39]، أي: هذا المُلْكُ عطاؤُنا، فأعْطِ مَن شئْتَ، وامنَعْ مَن شئْتَ؛ فلا حِسابَ عليك.
والثَّالثةُ: "وسأَلَهُ أيُّما رجُلٍ خرَجَ مِن بَيتِه لا يُرِيدُ إلَّا الصَّلاةَ في هذا المسجِدِ"، أي: يَخرُجُ ذاهِبًا إلى الصَّلاةِ في المسجِدِ الأقْصى، لا يَقصِدُه إلَّا للصَّلاةِ، "خرَجَ مِن خَطيئتِه مِثْلَ يومِ وَلَدَتْه أُمُّه"، أي: تُغْفَرُ له كلُّ ذُنوبِه ويُطَهَّرُ منها، لا يَشوبُه منها شَيءٌ، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "فنحنُ نَرْجو أنْ يكونَ اللهُ عزَّ وجلَّ قد أعطاهُ إيَّاهُ"، أي: نَرْجو أنْ يَستجيبَ اللهُ لِسُليمانَ في طلَبِ المغفرةِ لمَن قصَدَ المسجِدَ الأقصى بالصَّلاةِ، كما استجابَ اللهُ دُعاءَه في أمْرِ الدُّنيا.
وفي الحديثِ: ضَرورةُ الإيمانِ بالقَدرِ مع العَملِ بما يَسَّرهُ اللهُ.
وفيه: بيانُ قُدرةِ اللهِ سُبحانَه وعِلمِه.
وفيه: بيانُ عُلوِّ منزلةِ بيتِ المقدسِ وأنَّ الصلاةَ فيه تغفِرُ الذنوبَ.