لقد نظَّمَ الإسلامُ حَياةَ الإنسانِ؛ فهو دِينُ الأخلاقِ والآدابِ، ومِن هذه الآدابِ: الاستئذانُ عندَ دُخولِ البُيوتِ، وهو مِن الآدابِ المُهمَّةِ في الإسلامِ؛ وذلك للتَّحرُّزِ مِنَ الاطِّلاعِ على العَوْراتِ وما لا يَنبَغي رُؤيتُه، معَ حِفظِ هيْئاتِ النَّاسِ، وللتَّعريفِ بالدَّاخلِ، ومنْحِ الإذنِ بالدُّخولِ أو عدَمِه.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ التَّابعيُّ عطاءُ بنُ أبي رَباحٍ: "سألْتُ ابنَ عبَّاسٍ، فقلْتُ: أستأذِنُ على أُخْتي؟ فقال: نَعَمْ، فأعدْتُ، فقلْتُ: أُختانِ في حِجْري"، أي: تحتَ تَصرُّفي ورِعايتي، "وأنا أَمُونُهما وأُنفِقُ عليهما"، أي: آتِي لهم بمُؤْنةِ الحَياةِ مِن الطَّعامِ والشَّرابِ، ويَشمَلُ ذلك النَّفقةَ عليهما، "أستأذِنُ عليهما؟!" وكأنَّ عطاءً تعجَّبَ مِن ضَرورةِ الاستئذانِ وهما أُختاهُ، وفي بَيتِه وحِجْرِه، فقال ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "نعمْ؛ أتُحِبُّ أنْ تَراهما عُريانتينِ؟! ثمَّ قرَأَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، أي: عَبيدُكم وإماؤُكم، {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ}
[النور: 58] ، أيِ: الصِّغارُ مِن الأطفالِ الَّذين لم يَبلُغوا مَبلَغَ النُّضوجِ والفَهمِ والإدراكِ، {ثَلَاثَ مَرَّاتٍ}، أيْ: في ثَلاثةِ أوقاتٍ، وهذه الأوقاتُ هي: {مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ}، أي: وقْتَ القيلولةِ، {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ}، أي: ثَلاثةُ أوقاتٍ لكُم، تتَخفَّفون فيها مِن ثِيابِكم، ولا يَدخُلُ عليكم فيها أحَدٌ، فيَكشِفَ عَوْراتِكم، والعَورةُ: هي ما لا يُستحَبُّ كَشْفُه مِن الإنسانِ، قال ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "فلمْ يُؤمَرْ هؤلاء بالإذنِ إلَّا في هذه العَوراتِ الثَّلاثِ، ثمَّ قال: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}
[النور: 59] .
قال ابنُ عبَّاسٍ: فالإذْنُ واجبٌ على النَّاسِ كلِّهم"، أي: إنَّ تَرْكَ الإذنِ إنَّما يكونُ لِمَن هم دونَ الاحتِلامِ في أوقاتٍ بعَينِها حدَّدَها الشَّرعُ، أمَّا البالِغونَ فالإذْنُ واجبٌ عليهم في كلِّ حالٍ، وفي كلِّ وقْتٍ.
وفي الحَديثِ: الأمرُ بالاستِئذانِ عندَ الدُّخولِ على البُيوتِ، وخاصَّةً في أوقاتِ الحرَجِ وعندَ التَّخفُّفِ مِن الثِّيابِ.
وفيه: سُؤالُ أهلِ العِلمِ فيما يُشكِلُ مِن أحكامِ الشَّرعِ.