- كان ليهوديٍّ على أبي تمرٌ ، فقُتِلَ يومَ أحدٍ ، وترك حديقتيْنِ ، وتمرُ اليهوديِّ يستوعبُ ما في الحديقتيْنِ ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ : هل لك أن تأخذَ العامَ نصفَه وتُؤخِّرَ نصفَه . فأَبَى اليهودىُّ ، فقال النبيُّ : هل لك أن تأخذَ الجِدادَ فآذني . فآذنتُه ، فجاء هو وأبو بكرٍ ، فجعل يجدُّ ويكالُ من أسفلِ النخلِ ورسولُ اللهِ يدعو بالبركةِ ، حتى وفَّيْنَاهُ جميعَ حقِّهِ ، من أصغرِ الحديقتيْنِ – فيما يحسبُ عمارٌ – ثم أتيتُهم برطبٍ وماءٍ ، فأكلوا وشربوا ، ثم قال : هذا من النعيمِ الذي تسألونَ عنهُ
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي
الصفحة أو الرقم: 3641 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
وفي هذا الحديثِ يقولُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما: "كان ليهوديٍّ على أبي تمْرٌ"، أي: دَينٌ من تمْرٍ، "فقُتِلَ يومَ أُحدٍ"، أي: قُتِلَ عبدُ اللهِ بنُ حَرامٍ والدُ جابرٍ يومَ غَزوةِ أُحدٍ، "وترَكَ حديقتَينِ، وتمْرُ اليهوديِّ يَستوعِبُ ما في الحديقتَين"، أي: أنَّ دَينَ اليهوديِّ يَستغرِقُ كلَّ إنتاجِ الحديقتَينِ من تمْرٍ، "فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لليهوديِّ: "هلْ لك أنْ تأخُذَ العامَ نصْفَه وتُؤخِّرَ نصْفَه؟"، أي: أنْ يُعَجَّلَ له بنِصْفِ الدَّينِ، ويُؤجَّلَ له النِّصفُ الباقي، وكان جابرٌ قدِ استعانَ برسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على غُرمائِه كما ثبَتَ في الرِّواياتِ، "فأبَى اليهوديُّ"، أي: رفَضَ طلَبَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لجابرٍ: "هلْ لك أنْ تأخُذَ الجِدادَ، فآذِنِّي"، وفي روايةِ أحمدَ: "إذا حضَرَ الجِدادُ فآذِنِّي"، أي: أعلِمْني إذا جاء وقْتُ قطْعِ ثِمارِ النَّخلِ وجمْعِه.
قال جابرٌ رضِيَ اللهُ عنه: "فآذَنْتُه"، أي: أعلَمْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فجاء هو وأبو بكرٍ، فجَعَلَ يُجَدُّ ويُكالُ من أسفلِ النَّخلِ"، أي: فبدَأَ النَّاسُ في قطْعِه وجمْعِه وكَيلِه لليهوديِّ، "ورسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدْعو بالبركةِ"، أي: يَدْعو اللهَ أنْ يَزيدَ في بركةِ هذا التَّمْرِ، "حتَّى وفَّيْناه جميعَ حَقِّه من أصغرِ الحديقتَينِ- فيما يحسِبُ عمَّارٌ-"، أي: أعطى لليهوديِّ دَيْنَه بما نتَجَ من أصغرِ الحديقتَينِ بعدَ أنْ كان دَيْنُ اليهوديِّ يشمَلُ إنتاجَ الحديقتَينِ، وهذا ببركةِ دُعاءِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقولُ الرَّاوي: "فيما يحسِبُ عمَّارٌ"، يقصِدُ: أنَّ اعتبارَ أصغرِ الحَديقتَينِ هي الَّتي شمَلَت دَينَ اليهوديِّ من ظَنِّ عمَّارِ بنِ أبي عمَّارٍ الرَّاوي عن جابرٍ رضِيَ اللهُ عنه.
قال جابرٌ رضِيَ اللهُ عنه: "ثمَّ أتيْتُهم"، أي: أتيتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومَن معه من أصحابِه رضِيَ اللهُ عنهم، "برُطَبٍ وماءٍ، فأكَلوا وشَرِبوا"، والرُّطَبُ: ثمَرُ النَّخلِ قبْلَ أنْ يُصبِحَ تمْرًا، وهو أجودُ وأطعَمُ من التَّمْرِ، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "هذا من النَّعيمِ الَّذي تُسْأَلون عنه"، أي: هذا الأكْلُ الهنيءُ والشَّرابُ الطَّيِّبُ يُعتبَرُ من نَعيمِ الدُّنيا الَّذي سيُحاسِبُ عليه اللهُ عِبادَه؛ هل شَكروا اللهَ وحَمِدوه وأدَّوا حَقَّ هذه النِّعمةِ؟ وهذا إشارةٌ إلى قولِه تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8].
وفي الحديثِ: بَيانُ بَركةِ دُعاءِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: مَشروعيَّةُ التَّوسُّطِ لتأجيلِ الدُّيونِ عن النَّاسِ.
وفيه: قضاءُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حاجةَ أصحابِه، وحُسنُ عِنايتِه بهم.