الموسوعة الحديثية


- عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: لَمَّا افْتُتِحَتْ خَيبرُ سألَتْ يهودُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُقِرَّهُمْ على أنْ يعمَلوا على النِّصفِ ممَّا خرَجَ منها، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أُقِرُّكم فيها على ذلك ما شِئْنا، فكانوا على ذلكَ، وكان التَّمرُ يُقْسَمُ على السَّهمانِ مِن نصفِ خَيبرِ، ويأخُذُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الخُمُسَ، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أطعَمَ كلَّ امرأةٍ مِن أزواجِهِ مِنَ الخُمُسِ مِئةَ وَسْقٍ تَمْرًا، وعشرينَ وَسْقًا شَعيرًا، فلمَّا أرادَ عمرُ رَضِيَ اللهُ عنه إخراجَ اليهودِ، أرسَلَ إلى أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال لَهُنَّ: مَن أَحَبَّ مِنكُنَّ أنْ أَقْسِمَ لها نخْلًا بِخَرْصِها مِئةَ وَسْقِ؛ فيكونَ لها أصْلُها وأرضُها وماؤُها، ومِنَ الزَّرْعِ مَزْرَعَةَ خَرْصٍ عشرينَ وَسْقًا، فَعَلْنَا، ومَن أَحَبَّ أنْ نَعزِلَ الذي لها في الخُمُسِ كما هو، فَعَلْنَا.
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود | الصفحة أو الرقم : 3008 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن | التخريج : أخرجه أبو داود (3008) واللفظ له، وأخرجه البخاري (2328) مختصراً باختلاف يسير، ومسلم (1551) باختلاف يسير
اليَهودُ قومٌ بُهتٌ كَثيرو الغَدرِ والخِيانةِ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُعْطيهم العُهودَ والمواثيقَ ولا يَغدِرُ أبدًا، فإذا غدَروا بهِ حارَبهم وقاتَلَهم وأخرَجَهم مِن الأرضِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهما: "لَمَّا افتُتِحَت خيبَرُ"، أي: لَمَّا فتَحَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم خيبَرَ، وكان ذلك في السَّنةِ السَّابعةِ مِن الهِجرةِ، "سألَت يهودُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: طلبَت يَهودُ خيبرَ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "أنْ يُقِرَّهم"، أي: أنْ يَترُكَهم بخيبَرَ ولا يُخرِجَهم منها؛ "على أنْ يَعمَلوا"، أي: بِشَرْطِ أنْ يَعمَلوا، "على النِّصفِ ممَّا خرَجَ منها"، أي: على أنْ يَأخُذوا نِصْفَ ما يَخرُجُ مِن أرضِ خيبَرَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أُقِرُّكم فيها"، أي: أَترُكُكم في خيبَرَ، "على ذلك"، أي: على ذلك الشَّرطِ؛ بأنْ تَعمَلوا في الأرضِ ولكم نِصْفُ ما يَخرُجُ منها ولنا النِّصفُ الآخَرُ، "ما شِئنا"، أي: المدَّةَ الَّتي نَراها ونَرتَضِيها، "فكانوا على ذلك"، أي: فقَعَدوا بخيبَرَ على ذلك الشَّرْطِ، "وكان التَّمرُ يُقسَمُ"، أي: وكانت الثِّمارُ تُوزَّعُ، "على السُّهْمانِ"، السُّهْمانُ: جمْعُ سَهْمٍ؛ وهو النَّصيبُ، والمَقصودُ أنَّ كلَّ مَن له سهْمٌ يأخُذُ سهْمَه نصيبًا مِن التَّمرِ، "مِن نصْفِ خيبَرَ"، أي: مِن نصْفِ الثَّمَرِ الَّذي اتَّفقوا معَ اليَهودِ عليه، ويأخُذُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "الخُمُسَ"، أي: خمُسَ النِّصْفِ، وكان صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يأخُذُ خمُسَ المغنَمِ لصَرْفِه لِمَن أمرَه اللهُ بإعْطائِه لهم؛ كما في قولِه تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41]، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "أطعَمَ كلَّ امرأةٍ مِن أزواجِه"، أي: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أعْطى كلَّ زوجَةٍ مِن زوجاتِه، "مِن الخُمُسِ"، أي: مِن خمُسِ الخمُسِ مِن الغنيمَةِ؛ كما في الآيةِ، "مائةَ وسْقٍ تمْرًا"، الوسْقُ: مِكيالٌ كبيرٌ يسَعُ سِتِّين صاعًا، ويعادِلُ 130 كيلو جرامًا تقريبًا؛ والمَقْصودُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كان يُعطي كلَّ زوجةٍ مِن زوجاتِه مِائةَ مِكيالٍ مِن التَّمْرِ، "وعِشْرين وَسْقًا شَعيرًا"، أي: وعِشْرين مِكيالًا مِن الشَّعيرِ أو الدَّقيقِ.
قال: "فلمَّا أراد عمَرُ إخراجَ اليَهودِ"، أي: فلمَّا أرادَ أميرُ المؤمِنين عُمَرُ بنُ الخطَّابِ أنْ يُخرِجَ اليهودَ مِن خيبَرَ، "أرسَلَ إلى أزواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: سألَهنَّ واستَشارهنَّ، "فقال لهنَّ: مَن أحَبَّ مِنكنَّ أنْ أَقْسِمَ لها نخلًا بِخَرْصِها مائةَ وسْقٍ"، أي: مَن أحبَّت مِنكنَّ أنْ أُعطيَها بدَلَ الثَّمَرِ نخلًا بمِقدارِ الثَّمَرِ الَّذي كانت تَأخذُه؛ بمعنى أنْ تَأخُذَ نخلًا يُثمِرُ لها نفسَ مِقدارِ الثَّمرِ الَّتي كانت تأخُذُه، "فيكونَ لها أصْلُها وأرْضُها وماؤُها"، أي: وتكونَ الأرضُ الَّتي فيها النَّخلُ مِلْكَها بما فيها مِن نخلٍ وماءٍ، "ومِن الزَّرعِ مَزرعةً خَرْصَ عِشرينَ وسْقًا"، أي: وكذلك نجعَلُ لها بدَلَ نَصيبِها مِن الشَّعيرِ أرضًا مَزروعةً بمِقدارِ ما تأخُذُ مِن الشَّعيرِ، "فعَلْنا"، أي: جعَلْنا لها ذلك إنْ رضِيَتْ، "ومَن أحَبَّ أنْ نَعزِلَ الَّذي لها في الخمُسِ كما هو فعَلْنا"، أي: ومَن أرادَت أنْ تَبقى على نصيبِها كما هو، مائةُ مِكيالِ تمرٍ وعِشرون مِكْيالَ دقيقٍ، بدونِ تغيِيرٍ فسَوْف نُعطِيها ذلك.
وفي روايةٍ أُخرى أنَّ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه قال: "أيُّها النَّاسُ، إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كان عامَلَ يهودَ خيبَرَ على أنَّا نُخرِجُهم إذا شِئْنا، فمَن كان له مالٌ فلْيَلْحَقْ بهِ؛ فإنِّي مُخرِجٌ يهودَ، فأخرَجَهم".