الموسوعة الحديثية


- لمَّا حَضَرتْ أبا بَكرٍ الصِّدِّيقَ الوَفاةُ دَعا عُثمانَ بنَ عَفَّانَ فأَمْلى عليه عَهْدَه: هذا ما عَهِدَ أبو بَكرِ بنُ أبي قُحافةَ عِندَ آخِرِ عَهْدِه بالدُّنيا خارجًا منها، وأوَّلِ عَهْدِه بالآخِرةِ داخِلًا فيها، حين يُؤمِنُ الكافِرُ ويَتوبُ الفاجِرُ، إنِّي استَخلَفتُ مِن بَعدي عُمرَ بنَ الخطَّابِ؛ فإنْ عدَلَ فذلكَ رَأْيي فيه، وظَنِّي به، وإنْ جارَ وبدَّلَ فالحَقَّ أرَدتُ، ولا أعلَمُ الغَيبَ: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} [هود: 88]، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]. قال: ولمَّا أَمْلى عليه عَهدَه هذا -على عُثمانَ- أُغمِيَ على أبي بَكرٍ قبلَ أنْ يُسَمِّيَ أحَدًا، فكتَبَ عُثمانُ: عُمرَ بنَ الخطَّابِ، فأفاقَ أبو بَكرٍ فقال لعُثمانَ: لَعَلَّكَ كَتَبتَ أحَدًا. قال: ظَنَنتُكَ لمَا بكَ، وخَشيتُ الفُرقةَ، فكَتَبتُ عُمرَ بنَ الخطَّابِ. فقال: يَرحَمُكَ اللهُ، أمَا لو كتَبتَ نَفْسَكَ لَكُنتَ لها أهْلًا. فدخَلَ عليه طَلحةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ، فقال لهم: أنا رسولُ مَن وَرائي إليكَ، يقولونَ: قد عَلِمتَ غِلْظةَ عُمرَ علينا في حَياتِكَ، فكيفَ بعدَ وَفاتِكَ إذا أفَضْتَ إليه أُمورَنا؟! واللهُ سائلٌ عنه، فانظُرْ ما أنتَ قائلٌ له. قال: أَجلِسوني، أباللهِ تُخَوِّفونَني؟! قد خابَ مَن وَطِئَ مِن أمرِكم وَهمًا، إذا سأَلَني قلتُ: استَخلَفتُ على أهلِكَ خَيرَهم لهم، فأبلِغْهم هذا عَنِّي.
خلاصة حكم المحدث : هذا هو المحفوظ
الراوي : عثمان بن عبيدالله | المحدث : ابن عساكر | المصدر : تاريخ دمشق | الصفحة أو الرقم : 44/252
| التخريج : أخرجه اللالكائي في ((شرح أصول الاعتقاد)) (2522) بنحوه.
التصنيف الموضوعي: إمامة وخلافة - الاستخلاف إمامة وخلافة - الخلفاء توبة - الحض على التوبة مناقب وفضائل - عمر بن الخطاب وصايا - كتابة الوصية
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث
لمَّا توفِّي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يَنُصَّ بالخِلافةِ على أحَدٍ بَعدَه، فاختارَ النَّاسُ وأجمَعوا على أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وذلك أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان قد قدَّمَه لإمامةِ النَّاسِ بالصَّلاةِ، فهو أحَقُّهم بالخِلافةِ، ولمَّا توُفِّيَ أبو بَكرٍ عَهِدَ بالخِلافةِ بَعدَه لعُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه، وكان عُمَرُ مِن أحَقِّ الصَّحابةِ بها وأولاهم لها، ولم يَستَخلِفْه أبو بَكرٍ إلَّا لعِلمِه بأنَّه خَيرُهم لهم، وفي هذا الحَديثِ يُخبرُ عُثمانُ بنُ عُبَيدِ اللهِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -وهو أحَدُ التَّابِعينَ- أنَّه لمَّا حَضَرَت أبا بَكرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عنه الوفاةُ، أي: قَرُبَ أجَلُه ودَنا، دَعا عُثمانَ بنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه، فأملى عليه عَهدَه، أي: الوصيَّةَ لمَن تَكونُ الخِلافةُ بَعدَه، فقال: هذا ما عَهِدَ أبو بَكرِ بنُ أبي قُحافةَ عِند آخِرِ عَهدِه بالدُّنيا خارِجًا مِنها، أي: عِندَ نِهايةِ صِلتِه بالدُّنيا وقُربِ أجَلِه، وأوَّلِ عَهدِه بالآخِرةِ داخِلًا فيها، أي: قُربِه مِنَ الآخِرةِ وقتَ بُلوغِ الرُّوحِ الحُلقومَ، ومَن ماتَ فقد قامَت قيامَتُه، حينَ يُؤمِنُ الكافِرُ ويَتوبُ الفاجِرُ، أي: وذلك الوقتُ وقتُ الغَرغَرةِ يُريدُ الكافِرُ أن يُؤمِنَ، والفاجِرُ أن يَتوبَ، ولكِنَّ ذلك الوقتَ لا يَنفعُ فيه التَّوبةُ، ثُمَّ قال: إنِّي استَخلفتُ، أي: أجعَلُ الخِلافةَ وأمرَ المُسلمينَ مِن بَعدي، عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، أي: يَكونُ هو الخَليفةَ، فإن عَدلَ فذلك رَأيي فيه، وظَنِّي به، أي: فإن قامَ عُمَرُ بالعَدلِ بَينَ النَّاسِ فهذا هو ما كُنتُ أظُنُّه فيه، وإن جار وبَدَّل فالحَقَّ أرَدتُ، أي: إن ظَلمَ وغَيَّر الأُمورَ فإنِّي لم أكُنْ أُريدُ إلَّا الحَقَّ حينَ اختَرتُه، ولا أعلمُ الغَيبَ، أي: وأنا لا أعلمُ بالغَيبِ بما يَكونُ، فما أفعَلُه هو اجتِهادٌ مِنِّي حَسَبَ ما أرى {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} [هود: 88] ، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] ، أي: إلى أيِّ حالٍ يَصيرونَ ويَرجِعونَ، يَقولُ عُثمانُ بنُ عُبَيدِ اللهِ: ولمَّا أملى أبو بَكرٍ على عُثمانَ عَهدَه هذا أُغميَ على أبي بَكرٍ قَبلَ أن يُسَمِّيَ أحَدًا، أي: كَتَبَ الكِتابَ ولمَّا وصَل إلى ذِكرِ الشَّخصِ الذي يَكونُ بَعدَه حَصَل لأبي بَكرٍ إغماءٌ، فظَنَّ عُثمانُ أنَّ أبا بَكرٍ قد توُفِّيَ، فكَتَبَ: عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، أي: كَتَبَ عُثمانُ مَكانَ الشَّخصِ الذي في الكِتابِ وجَعَل فيه اسمَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فأفاقَ أبو بَكرٍ فقال لعُثمانَ: لعَلَّك كَتَبتَ أحَدًا، أي: أظُنُّك تَوقَّعتَ مَوتي فكَتَبتَ أحَدًا في الكِتابِ، فقال عُثمانُ: ظَنَنتُك لما بك، أي: أُخِذَ بنَفسِك ومُتَّ، وخَشيتُ الفُرقةَ، أي: خِفتُ تَفرُّقَ النَّاسِ واختِلافَهم فيمَن يَكونُ الخَليفةَ بَعدَك، فكَتَبتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ. فقال أبو بَكرٍ: يَرحَمُك اللهُ، أمَا لو كَتَبتَ نَفسَك لكُنتَ لها أهلًا، أي: أنتَ يا عُثمانُ كَنتَ أيضًا جَديرًا بالخِلافةِ لو كَتَبتَ نَفسَك. ثُمَّ دَخَل طَلحةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ على أبي بَكرٍ، فقال لهم: أنا رَسولُ مَن ورائي إليك، أي: رَسولُ القَومِ مِن خَلفي، أرسَلوني أخبِرُك بقَولِهم: قد عَلِمتَ غِلظةَ عُمَرَ علينا في حَياتِك، فكَيف بَعدَ وفاتِك إذا أفضتَ إليه أُمورَنا؟! واللهُ سائِلٌ عنه، فانظُرْ ما أنتَ قائِلٌ له، أي: أنَّك يا أبا بَكرٍ تَعرِفُ شِدَّةَ عُمَرَ علينا وأنت حَيٌّ وليسَ هو الخَليفةَ، فكَيف سَيَكونُ الحالُ عِندَما يُصبِحُ هو الخَليفةَ، واللَّهُ تعالى سَوف يَسألُك عن سَبَبِ اختيارِك لعُمَرَ وأنتَ تَعرِفُ شِدَّتَه، فبماذا سَتُجيبُ اللَّهَ تعالى؟ وفي رِوايةٍ: تَستَخلفُ علينا عُمَرَ فظًّا غَليظًا، فلو قد وَلِيَنا كان أفظَّ وأغلظَ، فقال أبو بَكرٍ لمَن عِندَه: أجلِسوني، أي: كان مُضطَجِعًا، فأمَرَهم أن يُجلِسوه ليَتَكَلَّم بكَلامٍ فَصلٍ في ذلك، فقال لهم: أباللهِ تُخَوِّفونَني؟! أي: هَل تُخَوِّفونَني باللهِ، فأنا مِن أشَدِّكُم خَوفًا له وما اختَرتُ عُمَرَ إلَّا وأنا أعلمُ بما سَأُجيبُ اللَّهَ تعالى به، وفي رِوايةٍ أنَّه قال: باللهِ تُعَرِّفاني؟! لأنا أعلمُ باللهِ وبعُمَرَ مِنكُما، قد خابَ مَن وطِئَ مِن أمرِكُم وهما، أي: خَسِرَ مَن وليَ مِن أمرِكُم فقَصَّر فيه أو جارَ ولم يَعدِلْ، واللَّهُ أعلمُ. ثُمَّ قال: إذا سَألني، أي: اللهُ تعالى يَومَ القيامةِ، فسَأقولُ له: استَخلفتُ على أهلِك، أي: عِبادِك، خَيرَهم لهم، أي: مَن أعلمُه خَيرًا لهم يَقومُ عليهم بأمرِ اللَّهِ، فأبلِغْهم هذا عنِّي، أي: أبلِغْ يا طَلحةُ مَن أرسَلك بما قُلتُه لك.
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ تَعيينِ الخَليفةِ لمَن يَكونُ أمرُ الخِلافةِ بَعدَه.
وفيه بَيانُ أنَّ الخَليفةَ بَعدَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان أبا بَكرٍ ثُمَّ بَعدَه عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهما.
وفيه مَشروعيَّةُ الوصيَّةِ بالخِلافةِ.
وفيه فَضلُ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه.
وفيه فَضلُ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه.
وفيه فَضلُ عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه .
تم نسخ الصورة
أضغط على الصورة لنسخها