عن عبدِ اللَّهِ بنَ مسعودٍ قالَ إنَّ اللَّهَ قسَّمَ بينَكم أخلاقَكم كما قسَّمَ بينَكم أرزاقَكُم وإنَّ اللَّهَ يؤتي المالَ من يحبُّ ومن لا يحبُّ ولا يؤتي الإيمانَ إلَّا من أحبَّ فإذا أحبَّ اللَّهُ عبدًا أعطاهُ الإيمانَ فمن ضنَّ بالمالِ أن ينفقَهُ وَهابَ العدوَّ أن يجاهدَهُ واللَّيلَ أن يُكابدَهُ ; فليُكثر من قولِ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكبرُ والحمدُ للَّهِ وسبحانَ اللَّهِ
الراوي :
[مرة بن شراحيل الهمداني] | المحدث :
الألباني
|
المصدر :
صحيح الترغيب
الصفحة أو الرقم: 1571 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
التخريج :
أخرجه أحمد (3672)، والحاكم (94)، وابن أبي شيبة في ((المسند)) (344) بلفظه وفي آخره زيادة.
مِن أركانِ الإيمانِ الإيمانُ بالقَدَرِ؛ فقد قدَّرَ اللهُ مَقاديرَ الخَلائِقِ قَبلَ أن يَخلُقَ السَّمَواتِ والأرضَ بخَمسينَ ألفَ سَنةٍ، كما جاءَ في الأحاديثِ، فكُلُّ شَيءٍ مُقدَّرٌ ومَقسومٌ للخَلائِقِ، والنَّاسُ جَميعًا يَعمَلونَ وَفقَ تَقديرِ اللهِ تعالى لَهمُ السَّابقِ، ومِمَّا قدَّرَه اللهُ وقَضاه أنْ فاوتَ بَينَ الخَلقِ في الرِّزقِ؛ فبَعضُهم وَسَّعَ عليه، وبَعضُهم ضَيَّق عليه لحِكمةٍ بالغةٍ يَعلَمُها سُبحانَه، وكَما أنَّه فاوتَ بَينَ خَلقِه في الرِّزقِ كذلك فاوتَ بَينَهم في الأخلاقِ؛ فبَعضُ النَّاسِ تَكونُ أخلاقُه عاليةً فاضِلةً، وبَعضُهم أخلاقُه سَيِّئةٌ قَبيحةٌ؛ فالأخلاقُ مِن إعطاءِ اللهِ عِبادَه، ومِن ذلك تَفاوُتُهم بالجُبنِ والشَّجاعةِ والبُخلِ والجُودِ ونَحوِ ذلك؛ ولهذا يَقولُ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه: إنَّ اللَّهَ قَسَمَ، أي: قَدَّرَ بمِقدارٍ مُعَيَّنٍ، بَينَكُم أخلاقَكُم، أي: أعمالَكُم وأحوالَكُم كما قَسَمَ بَينَكُم أرزاقَكُم، أي: أموالَكُم، سَواءٌ حَرامُكم وحَلالُكُم، كما قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
[الزخرف: 32] ، وإنَّ اللَّهَ يُؤتي المالَ، وهو مِنَ الأرزاقِ الدُّنيَويَّةِ الدَّنيَّةِ، مَن يُحِبُّ، أي: مَن يُحِبُّه مِنَ الأنبياءِ والصَّالحينَ وغَيرِهم، ومَن لا يُحِبُّ، أي: ويُعطيه أيضًا مَن لا يُحِبُّه مِنَ الكُفَّارِ والعُصاةِ، كما قال تعالى: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}
[الإسراء: 20] ، ولا يُؤتي الإيمانَ إلَّا مَن أحَبَّ، أي: أنَّ الإيمانَ يَخُصُّه اللهُ بمَن يُحِبُّهم مِنَ المُؤمِنينَ الصَّادِقينَ، فإذا أحَبَّ اللهُ عَبدًا أعطاه الإيمانَ، فمَن ضَنَّ، أي: بَخِلَ بالمالِ أن يُنفِقَه، أي: بَخِلَ بالمالِ أن يُنفِقَه في سَبيلِ اللهِ وفي وُجوهِ الخَيرِ والطَّاعاتِ، وهابَ، أي: خاف العَدُوَّ أن يُجاهِدَه، أي: خاف الجِهادَ في سَبيلِ اللهِ، واللَّيلَ أن يُكابِدَه، أي: يوقِعَه في المُجاهَدةِ والمَشَقَّةِ بالسَّهَرِ في اللَّيلِ، فلَم يَستَطِعْ قيامَ اللَّيلِ؛ فليُكثِرْ مِن قَولِ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أكبَرُ، والحَمدُ للَّهِ، وسُبحانَ اللَّهِ، أي: أنَّ هذه الكَلِماتِ الأربَعَ، وهيَ مِن ذِكرِ اللهِ، تَقومُ مَقامَ إنفاقِ المالِ والجِهادِ في سَبيلِ اللهِ وقيامِ اللَّيلِ. وجاءَ عنه في رِوايةٍ أنَّه قال: إنَّ هذه الكَلماتِ الأربَعَ هُنَّ الباقياتُ الصَّالحاتُ.
وفي الحَديثِ بَيانُ تَفاوُتِ النَّاسِ في الأرزاقِ والأخلاقِ.
وفيه أنَّ اللَّهَ يُعطي الدُّنيا والمالَ لمَن يُحِبُّ ومَن لا يُحِبُّ.
وفيه أنَّ اللَّهَ اختَصَّ الإيمانَ بمَن يُحِبُّهم.
وفيه إثباتُ صِفةِ المَحَبَّةِ للَّهِ تعالى كما يَليقُ بجَلالِه وعَظَمَتِه.
وفيه أنَّ ذِكرَ اللهِ مِن أفضَلِ الأعمالِ.
وفيه بَيانُ فَضلِ قَولِ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أكبَرُ والحَمدُ للَّهِ وسُبحانَ اللَّهِ .