بُعِثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بتَوحيدِ اللهِ تعالى، والنَّهيِ عنِ الشِّركِ وعن كُلِّ وسيلةٍ تُوصِلُ إلى الشِّركِ، فقد حَمى جَنابَ التَّوحيدِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بكُلِّ طَريقةٍ ووسيلةٍ، وحَذَّرَ أمَّتَه منَ الشِّركِ غايةَ التَّحذير، ولمَّا استَقَرَّ هذا الأمرُ في نُفوسِ الصَّحابةِ كانوا رَضِيَ اللهُ عنهم يُحذِّرونَ منَ الشِّركِ ووسائِلِه، ومن مَواقِفِهم من ذلك تَحذيرُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه من تَتَبُّعِ آثارِ الصَّالحينَ، يَقولُ المَعرورُ بنُ سُوَيدٍ، وهو من كِبارِ التَّابعينَ: إنَّه وافى المَوسِمَ، أي: حَضَرَ مَوسِمَ الحَجِّ مَعَ أميرِ المُؤمنينَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، فلمَّا انصَرَف أميرُ المُؤمنينَ إلى المَدينةِ بَعدَ الحَجِّ وانصَرَف مَعَه المَعرورُ، صلَّى لهم عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه صَلاةَ الغَداةِ، أي: الفجرِ، وقَرَأ فيها:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}
[الفيل: 1] ، و{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ}
[قريش: 1] ، ثمَّ بَعدَ الصَّلاةِ رَأى أناسًا يَذهَبونَ مَذهَبًا، أي: مكانًا يَقصِدونَه، فسَأل أينَ يَذهَبُ هؤلاء؟ فقيل له: يَأتونَ مَسجِدًا هاهنا أي: مكانًا صَلَّى فيه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: يَأتونَه بقَصدِ البَرَكةِ فيه، فقال عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه: إنَّما أهلَكَ مَن كان قَبلَكُم بأشباهِ هذا، أي: بمِثلِ هذا العَمَلِ، يَتبَعونَ آثارَ أنبيائِهم، فاتَّخَذوها كَنائِسَ وبِيَعًا، وهي أماكِنُ صَلاةِ أهلِ الكِتابِ، مَن أدرَكَته الصَّلاةُ في شَيءٍ من هذه المَساجِدِ التي صَلَّى فيها رَسولُ اللهِ فليُصَلِّ فيها ولا يَتَعَمَّدَنَّها، أي: لا يَقصِدْ إليها قصدًا؛ فإنَّ هذا لا يُشرَعُ.
وفي الحَديثِ سُؤالُ الأميرِ عَمَّا يَراه مستغرَبًا من بَعضِ رَعيَّتِه.
وفيه التَّحذيرُ من تَتبُّعِ وتَقصُّدِ المَساجِدِ التي صَلَّى فيها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه بَيانُ أنَّ من أسبابِ هلاكِ مَن قَبْلَنا تتبُّعَ آثارَ أنبيائِهم.
وفيه المُبادَرةُ بإنكارِ المُنكَرِ بالقَولِ.
وفيه بَيانُ مَرتَبةِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه في العِلمِ .