الموسوعة الحديثية


- قلتُ لابنِ عُمَرَ: حدِّثْني عن طلاقِك امرأتَك، قال: طلَّقتُها وهي حائضٌ، قال: فذكَرتُ ذلك لعمرَ بنِ الخطَّابِ، فذكَرَه للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مُرْهُ فلْيُراجِعْها، فإذا طهُرتْ، فلْيُطلِّقْها في طُهرِها، قال: قلتُ له: هل اعْتَدَدْتَ بالتي طلَّقتَها وهي حائضٌ؟ قال: فما لي لا أعتَدُّ بها، وإن كنتُ قد عَجَزتُ واستَحمَقتُ؟
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 304 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط مسلم | التخريج : أخرجه مسلم (1471)، وأحمد (304) واللفظ له
شَرَعَ اللهُ الطَّلاقَ بَينَ الزَّوجَيْنِ حَلًّا أخيرًا بَعدَ بَذلِ الوُسعِ في الصُّلحِ بَينَ الزَّوجَيْنِ، ولا بُدَّ أنْ يَكونَ الطَّلاقُ على الحالِ التي بَيَّنَها اللهُ تَعالى، وبَيَّنَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وفي هذا الحَديثِ يَحكِي التابِعيُّ أنَسُ بْنُ سِيرِينَ: "قُلتُ لابنِ عُمَرَ: حَدِّثْني عن طَلاقِكَ امرأتَكَ" كيف وَقَعَ؟ وكيف حَكَمَ فيه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ "قال: طَلَّقتُها وهي حائِضٌ" في زَمَنِ حَيضِها، ولم تَطهُرْ بَعدُ، كان قد طَلَّقَها تَطليقةً واحِدةً "قال: فذَكَرتُ ذلك لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فذَكَرَه لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" لِيوضِّحَ حُكمَ هذا الطَّلاقِ الذي هو في حالِ الحَيضِ: هل هو جائِزٌ أم لا؟ وهل هو واقِعٌ أم لا؟ "فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مُرْه فليُراجِعْها"، أي: مُرْ وَلدَكَ عَبدَ اللهِ أنْ يُراجِعَها إلى نِكاحِهِ وعِصمَتِه، ثم يَترُكَها ويُمسِكَها عِندَه، "فإذا طَهَرتْ" مِنَ الحَيضَةِ التي طَلَّقَها فيها "فليُطلِّقْها في طُهرِها" وفي رِوايةٍ أُخرى: "ثم تَحيضُ" حَيضةً أُخرى، "ثم تَطهُرُ"، مِنَ الحَيضةِ الثَّانيةِ، "ثم إنْ شاءَ أمسَكَ بَعدُ، وإنْ شاءَ طَلَّقَ"، أي: طَلَّقَها في الطُّهرِ الثَّاني، "قَبلَ أنْ يَمَسَّ؛ فتلك العِدَّةُ التي أمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ أنْ يُطَلَّقَ لها النِّساءُ"، وذلك في قَولِهِ تَعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]. قال أنَسٌ لابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما: "هلِ اعتَدَدتَ بالتي طَلَّقتَها وهي حائِضٌ؟" وحَسَبتَها واحِدةً مِنَ التَّطليقاتِ الثَّلاثِ، "قال عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: فما لي لا أعتَدُّ بها، وإنْ كُنتُ قد عَجَزتُ واستَحمَقتُ؟"، أي: إنْ عَجَزَ عن فَرضٍ، فلم يُقِمْه، أوِ استَحمَقَ فلم يأتِ به، أيَكونُ ذلك عُذرًا له أو يُسقِطُ حُمقُهُ عنه الطَّلاقَ، أو يُبطِلُه عَجزُه؟ والسِّينُ والتاءُ في قَولِه: "واستَحمَقتُ" فيهما إشارةٌ إلى أنَّه تَكلَّفَ الحُمقَ بما فَعَلَه مِن تَطليقِ امرأتِه وهي حائِضٌ، وفَعَلَ فِعلَ الحَمْقى. وفي الحَديثِ: المَنعُ مِن طَلاقِ المرأةِ وهي حائضٌ، وإنْ كان يقَعُ ويُحسَبُ تَطليقةً. وفيه: أنَّ الرَّجعةَ قبْلَ انتِهاءِ العِدَّةِ يَستَقِلُّ بها الزَّوجُ مِن دونِ رِضا المَرأةِ والوَليِّ. وفيه: أنَّ الأبَ يَقومُ عنِ ابنِه البالِغِ الرَّشيدِ في الأُمورِ التي تَقَعُ له مِمَّا يَحتشِمُ الابنُ مِن ذِكرِه، ويَنفي عنه ما لَعَلَّه يَلحَقُه مِنَ العِقابِ على فِعلِه؛ شَفَقةً منه وبِرًّا.