الموسوعة الحديثية


- لولا أنَّ الكلابَ أمَّةٌ مِن الأُممِ لَأمَرْتُ بقتلِها فاقتُلوا منها الأسودَ البهيمَ ) قال: ( وأيُّما قومٍ اتَّخَذوا كلبًا ليس بكلبِ حرثٍ أو صيدٍ أو ماشيةٍ نقَص مِن أجرِهم كلَّ يومٍ قيراطٌ ) قال: وكنَّا نُؤمَرُ أنْ نُصَلِّيَ في مرابضِ الغَنَمِ ولا نُصَلِّيَ في أعطانِ الإبلِ فإنَّها خُلِقَتْ مِن الشَّياطينِ
الراوي : عبدالله بن مغفل | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج صحيح ابن حبان | الصفحة أو الرقم : 5657 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أبو داود (2845)، والترمذي (1486) مختصراً، وأحمد (16788) باختلاف يسير. وترخيصه صلى الله عليه وسلم في كلب الصيد والحرث والماشية أصله في صحيح مسلم (1573)
لقد نَظَّمَ الشَّرعُ المُطهَّرُ أحكامَ كُلِّ شَيءٍ، حتى الحَيَواناتِ، ومِن ذلك الكِلابُ، حيث وَرَدَ في الشَّرعِ ما يُنَظِّمُ الانتِفاعَ بها، ويُبَيِّنُ أحكامَ الحَلالِ والحَرامِ مِمَّا يَرتَبِطُ بها. وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عَبدُ اللهِ بنُ مُغَفَّلٍ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: "لولا أنَّ الكِلابَ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ"، أيْ: أُمَّةٌ خُلِقتْ لِمَنافِعَ، أو أُمَّةٌ تُسبِّحُ كما في قَولِه تَعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: 38]، أيْ: أمثالُكم في كَونِها دالَّةً على الصَّانِعِ، ومُسبِّحةً له، كما قالَ تَعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44]. "لَأمَرتُ بقَتلِها"، أيْ: لَأمضَيتُ الأمْرَ في قَتلِها؛ فإنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ قد أمَرَ بقَتلِ الكِلابِ كُلِّها، ثم نَسَخَ هذا الأمْرَ وحَدَّدَ بما جاء هنا، فقالَ: "فاقتُلوا منها الأسوَدَ البَهيمَ"؛ وذلك لِأنَّه شَيطانٌ، كما في حَديثِ جابِرٍ عِندَ مُسلِمٍ، وجُعِلَ الكَلبُ الأسوَدُ البَهيمُ شَيطانًا لِخُبثِه؛ فإنَّه أضَرُّ الكِلابِ وأعقَرُها. وقيل: إنَّما أمَرَ بقَتلِها في أوَّلِ الأمْرِ؛ لِأنَّ القَومَ ألِفوها، وكانَتْ تُخالِطُهم في أوانيهم، فأرادَ فِطامَهم عن ذلك، فأمَرَ بالقَتلِ، فلَمَّا استَقَرَّ في نُفوسِهم تَنجيسُها وإبعادُها، نَهى عن ذلك، فصارَ النَّهيُ ناسِخًا لذلك الأمْرِ، فنَهى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن قَتلِ جَميعِ الكِلابِ، حتى الأسوَدُ البَهيمُ، إلَّا ما يَكونُ منه ضَرَرٌ واعتِداءٌ، كالكَلبِ العَقورِ، كما في الصَّحيحَيْنِ مِن حَديثِ عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها: "خَمسٌ مِنَ الدَّوابِّ، كُلُّهنَّ فاسِقٌ، يُقتلْنَ في الحَرَمِ: الغُرابُ، والحِدَأةُ، والعَقرَبُ، والفَأْرةُ، والكَلبُ العَقورُ". ثم قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "وأيُّما قَومٍ اتَّخَذوا كَلبًا ليس بكَلبِ حَرثٍ"، والحرثُ الزَّرعُ، والمراد: الكلبُ الذي يُحْرَسُ به الحَرْثُ والزَّرعُ مِن حَبٍّ وغيرِه، "أو" ليس بكَلبِ "صَيدٍ"، وهو الكَلبُ المُعلَّمُ الذي يُصادُ به، "أو" ليس بكَلبِ "ماشيةٍ"، وهو الذي يَطرُدُ الذِّئبَ عنها، "نَقَصَ مِن أجْرِهم كُلَّ يَومٍ قيراطٌ"؛ فرَخَّصَ فقط في كَلبِ الزَّرعِ والصَّيدِ والغَنَمِ والماشِيةِ، وفي اقتِنائِها، وما عدا ذلك فإنَّه مَنهيٌّ عنه، ويَنقُصُ مِن أُجورِ أعمالِهم قيراطٌ، وهو قَدرٌ مِنَ الثَّوابِ مَعلومٌ عِندَ اللهِ مِنَ الأجْرِ. ثم قالَ عَبدُ اللهِ بنُ مُغَفَّلٍ: "وكُنَّا نُؤمَرُ أنْ نُصَلِّيَ في مَرابِضِ الغَنَمِ" ومَرابِضُ الغَنَمِ هي: أماكِنُ النَّومِ والرَّاحةِ والمَبيتِ، وهذه رُخصةٌ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالصَّلاةِ في أماكِنِ تَجَمُّعِ الغَنَمِ؛ لِأنَّها مأمونةُ الجانِبِ، ولا تُؤذي أحَدًا، وفيها بَرَكةٌ مِن حيث هُدوءُها ولينُ جانِبِها، وقِلَّةِ حَرَكَتِها مع ما فيها مِن مَنافِعَ أُخرى. "ولا نُصلِّيَ في أعطانِ الإبِلِ" وهي الأماكِنُ التي تَنامُ فيها الإبِلُ، سَواءٌ كانَتْ لِلمَبيتِ أو لِلرَّاحةِ، ثم عَلَّلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهيَه فقالَ: "فإنَّها خُلِقتْ مِنَ الشَّياطينِ"؛ وذلك لِأنَّ الإبِلَ فيها حَرَكةٌ ونَفرةٌ، ولا يُؤمَنُ أنْ تُصيبَ المُصلِّيَ أو تَشغَلَه عنِ الصَّلاةِ، وقيلَ: مَعنى" خُلِقتْ مِنَ الشَّياطينِ" أنَّها خُلِقتْ مِن جِنسٍ خُلِقتْ منه الشَّياطينُ، وقيلَ: إنَّ منها جِنسًا تَوالَدَ مِن نَعَمِ الجِنِّ، ثم اختَلَطَ هذا الجِنسُ بنَعَمِ الإنْسِ، وقيلَ: ويَجوزُ أنَّها خُلِقتْ في أصْلِها مِن نارٍ، كما خُلِقتِ الجِنُّ مِن نارٍ، ثم تَوالَدتْ كما تَوالَدتِ الجِنُّ، وقيلَ: إِنَّها نُسِبتْ إلى الشَّياطينِ لِمَا أنَّها في أخلاقِها وطَبائِعِها تُشبِهُ الشَّياطينَ، كتَوَحُّشِ حَرَكَتِها ونَفرَتِها؛ لِأنَّ العَرَبَ تُسَمِّي كُلَّ مارِدٍ شَيطانًا. وفي الحَديثِ: النَّهيُ عن قَتلِ الكِلابِ إلَّا ما خَصَّه الشَّرعُ، كالكَلبِ العَقورِ. وفيه: النَّهيُ عنِ اقتِناءِ الكِلابِ إلَّا كَلبَ حِراسةٍ أو صَيدٍ. وفيه: مُراعاةُ المَصلَحةِ الإنسانيَّةِ في التَّعامُلِ مع الحَيَواناتِ.