الموسوعة الحديثية


- ويلُ أُمِّهَا مِن قريةٍ ، يتركُها أهلُها كأعمَرِ ما تكونُ ؛ يَأتيها الدَّجَّالُ فيجدُ علَى كلِّ بابٍ مِن أبوابها مَلَكًا ، فلا يدخُلُها ثمَّ انحدرَ حتَّى إذا كنَّا في المسجِدِ رأى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ و سلَّمَ رجلًا يُصلِّي و يسجُدُ و يركعُ فقال لي رسولُ اللهِ مَن هذا ؟ فأخذتُ أُطْريهِ ، فقلتُ يا رسولَ اللهِ ‍ ! هذا فلانٌ و هذا فَقال : أمسِكْ ، لا تُسمِعْهُ فتُهلِكَهُ . قال فانطلقَ يَمشي حتَّى إذا كان عند حُجَرِه ، لكنَّهُ نفضَ يديْهِ ثمَّ قال : إنَّ خيرَ دِينِكُمْ أيسَرُه ، إنَّ خيرَ دِينِكُمْ أيسَرُه ، ثلاثًا
الراوي : محجن بن الأدرع | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الأدب المفرد | الصفحة أو الرقم : 260 | خلاصة حكم المحدث : حسن
حَثَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ على مُلازَمةِ الرِّفْقِ في الأعْمالِ، والاقْتِصارِ على ما يُطيقُه العامِلُ، ويُمْكِنُه المُداوَمةُ عليْه. وفي هذا الحديثِ يَرْوي مِحْجَنُ بنُ الأدْرَعِ الأسلميُّ -وهو مِن بَنِي سَهمٍ، وهو الَّذِي قال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ارمُوا وأنا معَ ابنِ الأدرعِ"- أنَّه كان معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ حتى صَعِدَا على جَبَلَ أُحُدٍ فاسْتَقْبَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ المَدينةَ بِوَجْهِه، ثُمَّ قالَ: "وَيْلُ أُمِّها مِن قَرْيةٍ"، وهذا قَوْلٌ يدُلُّ على التَّفَجُّعِ والتَّوَجُّعِ على حالِ المَدينةِ حينَ "يَتْرُكُها أهْلُها كأَعْمَرِ ما تَكونُ"، فيَخْرُجون منها وهي عامِرةٌ ومَليئةٌ بالخَيْراتِ -وذلك في آخِرِ الزَّمانِ-، "يَأْتِيها" المَسيحُ "الدَّجَّالُ، فَيَجِدَ على كلِّ بابٍ مِن أبْوابِها مَلَكًا" يَحْرُسُها بِأمْرِ اللهِ، "فلا يَدْخُلُها"، فمِن فَضلِ اللهِ سُبْحانَه وتَعالى على مَدينةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ وتَكْريمِه لها: أنَّه عَصَمَها مِن فِتْنةِ الدَّجَّالِ، فلم يُمَكِّنْه مِن دُخولِها. ثُمَّ نَزَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ ومَن معَه مِن فَوْقِ الجَبَلِ حتى أَتى المَسْجِدَ النَّبَويَّ، "رَأى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ رَجُلًا يُصلِّي، ويَسْجُدُ، ويَرْكَعُ"، ويُكْثِرُ مِن الصَّلاةِ ويُقيمُها على أَحْسَنِ ما تَكونُ، "فقالَ لي رَسولُ اللهِ: مَن هذا؟ فأَخَذْتُ أُطْريه"، أي: أمْدَحُه مَدْحًا زائدًا عن الحَدِّ، "فقُلْتُ: يا رَسولَ اللهِ، هذا فُلانٌ وهذا" كأنَّه يُعَدِّدُ مَحاسِنَه، فقالَ له النَّبيُّ صلَّى اللهِ عليْه وسلَّمَ: "أَمْسِكْ"، أي: امْتَنِعْ عن مَدْحِه؛ حتى "لا تُسْمِعَه فتُهْلِكَه"؛ لأنَّ مَدْحَ الإنْسانِ في وَجْهِه وعلى مَسامِعِه قد يُصيبُه بالغُرورِ، ثُمَّ انْطَلَقَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ "يَمْشي حتى إذا كان عندَ حُجَرِه، لكنَّه نَفَضَ يَدَيْه ثُمَّ قالَ: إنَّ خيرَ دِينِكم أَيْسَرُه، إنَّ خيرَ دِينِكم أَيْسَرُه -ثَلاثًا-"، أي: أفْضَلُ أُمورِ الدِّينِ ما كان فيه يُسْرٌ، ولا مَشَقَّة فيه بأنْ يُحَمِّلَ الإنْسانُ نفْسَه مِن العِبادةِ ما لا يَحْتَمِلُه إلَّا بكُلْفةٍ شَديدةٍ. وفي الحديثِ: أنَّ هذا الدِّينَ يُسرٌ، وأنَّ بعضَه أيسرُ مِن بعضٍ، وهذا إرْشادٌ إلى عَدَمِ إمْلالِ النَّفْسِ بتَكَلُّفِ العِبادةِ والتَّعَمُّقِ؛ فإنَّه لم يُغالِبْه أَحَدٌ إلَّا غلبَه. وفيه: إثْباتُ فِتْنةِ الدَّجَّالِ. وفيه: النَّهْيُ عن المُبالَغةِ في الإطْراءِ والمَديحِ. وفيه: فَضْلٌ ومَنْقَبةٌ لِمدينَةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ.