الموسوعة الحديثية


- كُنَّا عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فجاءَه نَفَرٌ من أهْلِ اليَمَنِ، فقالوا: أتَيْناكَ يا رسولَ اللهِ لنتفَقَّهَ في الدِّينِ، ونَسأَلَكَ عن أوَّلِ هذا الأمرِ، كيف كان؟ فقال: كان اللهُ ولم يكُنْ شيءٌ غيرُه، وكان عرشُه على الماءِ، ثُم كتَبَ في الذِّكرِ كلَّ شيءٍ، ثُم خلَقَ السمَوَاتِ والأرضَ.
الراوي : عمران بن الحصين | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج مشكل الآثار | الصفحة أو الرقم : 5630 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُجْلي كَثيرًا منَ الغَيْبيَّاتِ وأُمورِ بَدءِ الخَلقِ لأصْحابِه ليُزيلَ ما عندَهم من ظُنونٍ، ويُثبِّتَ اليَقينَ في قُلوبِهم ليَزْدادوا إيمانًا معَ إيمانِهم. وفي هذا الحَديثِ يقولُ عِمْرانُ بنُ حُصَينٍ رضِيَ اللهُ عنه: "كُنَّا عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فجاءَه نَفَرٌ من أهْلِ اليَمَنِ" والنفَرُ: مِن ثَلاثةٍ إلى تِسْعَةٍ، "فقالوا: أتَيْناكَ يا رسولَ اللهِ، لنَتَفَقَّهَ في الدِّينِ"، نطلُبُ الفِقْهَ والمَعرِفةَ في بعضِ مَسائلِ الدِّينِ، عَمَلًا بقولِه تَعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]، "ونَسأَلَكَ عن أوَّلِ هذا الأمرِ"، أمْرِ الخَلقِ ومَبْدأِ العالَمِ، "كيف كان؟ فقال: كان اللهُ ولم يكُنْ شيءٌ غَيرُه"، فإنَّه تَعالى الأوَّلُ الذي هو قبلَ كلِّ شَيءٍ، ولا شيءَ قَبلَه؛ لأنَّه خالِقُ كلِّ شَيءٍ ومُوجِدُه، فلا يُتَصَوَّرُ وُجودُ مَوْجودٍ مُمكِنٍ قبلَ المُوجِدِ الواجِبِ الوُجودِ، "وكان عَرشُه على الماءِ"، كان مَوْجودًا قبلَ خَلقِ السمَواتِ والأرضِ بخَمْسينَ ألفَ سَنةٍ كما جاء في الرواياتِ، "ثم كتَبَ في الذِّكْرِ"، وهو اللَّوْحُ المَحْفوظُ، "كلَّ شَيءٍ"، كلَّ ما هو كائنٌ إلى يومِ القيامةِ، "ثم خلَقَ السمَواتِ والأرضَ"، وأنَّ أوَّلَ ما أبْدَعَه من أجْسامِ هذا العالَمِ: العَرشُ والماءُ، وسائرُ الأجْسامِ مُتأخِّرةٌ عنهما في الحُدوثِ والوُجودِ. وخُلاصةُ مَعنى الحَديثِ: أنَّ اللهَ كان قبلَ كلِّ شَيءٍ، ولم يَكُنْ أيُّ شيءٍ غَيرِه مَوْجودًا، ثمَّ خلَق الماءَ أوَّلًا والعرشَ ثانيًا، أو خلَقَ العَرشَ في الجِهةِ العُلْيا، والماءَ في السُّفلى، ثمَّ خلَقَ القَلمَ واللَّوْحَ المَحْفوظَ، ثمَّ خلَقَ السَّمَواتِ والأرضَ، هذا هو التَّرتيبُ الزَّمَنيُّ لخَلْقِ هذه الكائناتِ العُلْويَّةِ والسُّفْليَّةِ. وأئمَّةُ السُّنَّةِ على وُجوبِ الإيمانِ بهذا الحَديثِ وأشْباهِه من غَيرِ تَأْويلٍ؛ بل يُمِرُّونَه على ظاهِرِه، كما جاءَ، ولا يُقالُ: كيف. وفي الحَديثِ: طَلَبُ الفِقْهِ والعِلمِ على مَن يُعرَفُ في حَقِّه أنَّه أهلٌ للعِلمِ. وفيه: بيانٌ لعَظَمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وقُدرَتِه التي لا تَحُدُّها حُدودٌ. وفيه: ثُبوتُ قَدَرِ اللهِ السَّابقِ لخَلْقِه، وهوَ عِلمُه بالأَشْياءِ قَبلَ كَوْنِها، وكِتابَتُه لَها قبلَ بَرْئِها. وفيهِ: ثُبوتُ العَرْشِ، وثُبوتُ خَلْقِ الماءِ.