الموسوعة الفقهية

الفصلُ الحادي عشَرَ: خِيارُ الشَّرطِ في الصَّرْفِ


اختلَفَ العلماءُ في صحَّةِ خِيارِ الشَّرطِ في الصَّرْفِ على قولَينِ:
القولُ الأوَّلُ: لا يَصِحُّ خِيارُ الشَّرطِ في الصَّرْفِ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّةِ ، والمالِكيَّةِ ، والشَّافعيَّةِ ، والحَنابِلةِ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ الخيارَ يَمنَعُ اسْتِحقاقَ القَبضِ ما دامَ الخيارُ باقيًا؛ لأنَّ اسْتِحقاقَه مَبنيٌّ على المِلكِ، والخيارَ يَمنَعُه
ثانيًا: لأنَّ الخيارَ لا يَجوزُ فيه النَّقدُ، والصَّرْفَ لا يَجوزُ أنْ يَتأخَّرَ فيه النَّقدُ
ثالثًا: لأنَّ ما يُشترَطُ فيه القبضُ لا يُحتمَلُ فيه التَّأجيلُ، والخيارَ أعظَمُ غَررًا منَ الأجَلِ؛ لأنَّه مانعٌ منَ المِلكِ أو مِن لُزومِه؛ فهو أوْلى بألَّا يُحتمَلَ
رابعًا: لأنَّ المقصودَ منَ اعْتبارِ القَبضِ أنْ يَتفرَّقا، ولا عُلقةَ بيْنهما تَحرُّزًا منَ الرِّبا، أو مِن بَيعِ الكالئِ بالكالئِ، ولو أثْبَتْنا الخيارَ لبَقِيَتِ العُلقةُ بيْنهما بعدَ التَّفرُّقِ
القولُ الثَّاني: يَصِحُّ خيارُ الشَّرطِ في الصَّرْفِ، وهو اختيارُ ابنِ تَيميَّةَ ، والسِّعديِّ ، وابنِ عُثَيمينَ
الأدلَّةُ:
أولًا: منَ السُّنَّةِ
قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((المسلِمونَ على شُروطِهم))
ثانيًا: منَ الآثارِ:
عن عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه قال: (إنَّ مَقاطعَ الحقوقِ عندَ الشُّروطِ، ولكَ ما شَرطْتَ)
ثالثًا: كونُ الصَّرْفِ يُشترَطُ لصحَّتِه التَّقابُضُ لا يَمنَعُ ثُبوتَ الخيارِ، فيَحصُلُ التَّقابُضُ؛ فإنْ لم يُفسَخْ فقدْ حصَلَ المقصودُ، وإنْ فُسِخَ رجَعَ كلٌّ بما دفَعَه

انظر أيضا:

  1. (1) ((تبيين الحقائق)) للزَّيلَعي (4/136)، ((العناية)) للبابرتي (7/138).
  2. (2) ((التاج والإكليل)) للموَّاق (4/309)، ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (6/137).
  3. (3) ((فتح العزيز)) للرافعي (8/314)، ((المجموع)) للنَّوَوي (9/192).
  4. (4) ((كشَّاف القناع)) للبُهُوتي (3/204)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/90).
  5. (5) يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (4/136).
  6. (6) يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (6/137).
  7. (7) يُنظر: ((فتح العزيز)) للرافعي (8/314).
  8. (8) يُنظر: ((فتح العزيز)) للرافعي (8/314).
  9. (9) قال ابنُ تيميَّةَ: (يَثبُتُ خيارُ الشَّرطِ في كلِّ العقودِ ولو طالَتِ المدَّةُ) ((الفتاوى الكبرى)) (5/390).
  10. (10) قال السِّعديُّ: (الصحيحُ ثُبوتُ خيارِ الشَّرطِ في الإجارةِ مُطلقًا، وفي الصَّرفِ والسَّلَمِ والضَّمانِ والكَفالةِ) ((المختارات الجلية) (ص: 76).
  11. (11) قال ابنُ عُثيمين: (فشَرطُ الخيارِ يُنافي ذلك، فلهذا لا يَصحُّ خيارُ الشَّرطِ فيما قبَضَه قبْلَ التَّفرُّقِ شرطًا لصحَّتِه، ولكنَّ الصَّحيحَ ثُبوتُه في الصَّرْفِ، ونقولُ: اقْبِضا قبْلَ التَّفرُّقِ، ويَبْقى بأيْديكما على حسَبِ ما اشْترَطْتُما؛ فإمَّا أنْ تُمْضيَا البيعَ، وإمَّا أنْ تَفْسَخاه؛ لعمومِ قولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «المسلمونَ على شُروطِهم») ((الشرح الممتع)) (8/281).
  12. (12) أخرَجَه البُخاريُّ مُعَلَّقًا بصيغةِ الجزمِ قبْلَ حديثِ (2274)، وأخرَجَه مَوْصولًا أبو داودَ (3594)، والحاكمُ (2309)، مِن حديثِ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه. صحَّحَه ابنُ حِبَّانَ في ((صحيحهـ)) (5091)، وصحَّحَ إسنادَه عبدُ الحقِّ الإشْبيليُّ في ((الأحكام الصغرى)) (718)، وقال النَّوَويُّ في ((المجموع)) (9/367): إسنادُه حَسَنٌ أو صحيحٌ، وحسَّنَ إسنادَه ابنُ الملقِّن في ((خلاصة البدر المنير)) (2/69)، وابنُ كثيرٍ في ((إرشاد الفقيهـ)) (2/54)، وقال الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (3594): حسنٌ صحيحٌ.
  13. (13) أخرَجَه البُخاريُّ معلَّقًا بصيغةِ الجزمِ قبْلَ حديثِ (5151)، وأخرَجَه أيضًا بصِيغةِ الجزمِ قبْلَ حديثِ (2721)، وأخرَجَه مَوْصولًا ابنُ أبي شَيْبةَ (16706)، وسعيدُ بنُ منصورٍ في ((السنن)) (663). صحَّحَ إسنادَه على شرطِ الشَّيخَينِ الألبانيُّ في ((إرواء الغليل)) (6/304)، وصحَّحَه (1891) بلفظ: (مقاطعُ الحقوقِ عندَ الشُّروطِ).
  14. (14) يُنظر: ((المختارات الجلية) للسعدي (ص: 76).
  15. (15) كأنْ يَبيعَ سيارةً وألْفَ دينارٍ، بعشرينَ ألفَ رِيالٍ سُعوديٍّ، فتَكونَ الصَّفقةُ واحدةً، والثَّمنُ واحدًا
  16. (16) كأنْ يقومَ شخصٌ بتَحْويلِ مَبلغٍ منَ المالِ بالرِّيالِ السُّعوديِّ عبْرَ المَصرِفِ بعُملةٍ أُخْرى مُغايرةٍ
  17. (17) مثلُ أنْ يَتواعَدَ شَخصانِ على المصارَفةِ بعدَ شَهرٍ مثلًا، بعْدَما حدَّدا نوعَ العُملةِ وسِعرَها، وأنْ يَتمَّ التَّقابُضُ عندَما يحِلُّ الأجَلُ، ومِن صُوَرِها أيضًا: أنْ يَأخُذَ الذَّهبَ أوِ الفضَّةَ للمُشاوَرةِ على شِرائِه؛ كأنْ يَأتيَ رجُلٌ لبائعِ الذَّهبِ أوِ الفضَّةِ، فيأخُذَ منه السِّلعةَ ليُشاوِرَ عليها أهْلَه أو غيرَهم، ثمَّ يَشْتَريَها بعدَ ذلك