الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ الأوَّلُ: اشتِراطُ ألَّا يَبيعَ ولا يَهَبَ


إذا اشتَرَطَ ما يُنافي مُقتَضى البَيعِ، كَأن يَبيعَ عليه السِّلعةَ بشَرطِ ألَّا يَبيعَها ولا يَهَبَها، بَطَلَ الشَّرطُ ، وصَحَّ البَيْعُ، وهو الصَّحيحُ مِنْ مَذهَبِ الحَنابِلةِ
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((جاءَت بَريرةُ فقالت: إنِّي كاتَبْتُ أهلي على تِسعِ أواقٍ، في كُلِّ عامٍ وَقِيَّةٌ، فأعينِيني، فقالت عائِشةُ: إنْ أحَبَّ أهلُكِ أنْ أعُدَّها لهم عَدَّةً واحِدةً، وأُعتِقَكِ فَعَلْتُ، ويَكونُ وَلاؤُك لي، فذَهَبَت إلى أهلِها فأَبَوا ذلك عليها...فسَمِعَ بذلك رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسَألَني فأخبَرْتُه، فقال: خُذِيها فأعتِقِيها واشتَرَطي لهُمُ الوَلاءَ، فإنَّما الوَلاءُ لِمَن أعتَقَ، قالت عائِشةُ: فقامَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في النَّاسِ، فحَمِدُ اللهَ وأثنى عليه، ثُمَّ قال: أمَّا بَعدُ، ما بالُ رِجالٍ مِنكم يَشتَرِطونَ شُروطًا ليسَت في كِتابِ اللهِ، فأيُّما شَرطٍ ليسَ في كِتابِ اللهِ فهو باطِلٌ، وإن كانَ مِائةَ شَرْطٍ، فقَضاءُ اللهِ أحَقُّ، وشَرطُ اللهِ أوثَقُ...))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَحَّحَ العَقْدَ وأبطَلَ الشَّرطَ، فدَلَّ ذلك على أنَّ الشَّرطَ إذا كانَ مُخالِفًا لمُقتَضى العَقْدِ فإنَّ الشَّرطَ يَبطُلُ ويَصِحُّ العَقدُ
ثانيًا: لأنَّ إطلاقَ البَيعِ يَقتَضي تَصَرُّفَ المُشتَري في المَبيعِ على اختيارِه؛ لأنَّهُ إنَّما بَذلَ الثَّمَنَ في مُقابَلةِ المِلكِ، والمِلكُ يَقتَضي إطلاقَ التَّصَرُّفِ، فالمَنعُ مِنهُ يُؤَدِّي إلى تَفويتِ الغَرَضِ، فيَكونُ الشَّرطُ باطِلًا

انظر أيضا:

  1. (1) هُناكَ فُروقٌ بينَ الشُّروطِ في البَيعِ وشُروطِ البَيعِ مِن وُجوهٍ أربَعةٍ: الأوَّلُ: أنَّ شُروطَ البَيعِ مِن وَضْعِ الشَّارِعِ، والشُّروطَ في البَيعِ مِن وضعِ المُتَعاقِدَينِ الثَّاني: شُروطُ البَيعِ يَتَوَقَّفُ عليها صِحَّةُ البَيعِ، والشُّروطُ في البَيعِ يَتَوَقَّفُ عليها لُزومُ البَيعِ، فهوَ صَحيحٌ، لَكِن لَيسَ بِلازمٍ؛ لِأنَّ مَن لَه الشَّرطُ إذا لَم يُوفِ لَه بِه فله الخِيارُ الثَّالِثُ: أنَّ شُروطَ البَيعِ لا يُمكِنُ إسقاطُها، والشُّروطُ في البَيعِ يُمكِنُ إسقاطُها مِمَّن لَه الشَّرطُ الرَّابِعُ: أنَّ شُروطَ البَيعِ كُلَّها صَحيحةٌ مُعتَبَرةٌ؛ لِأنَّها مِن وَضْعِ الشَّرعِ، والشُّروطُ في البَيعِ مِنها ما هوَ صَحيحٌ مُعتَبَرٌ، ومِنها ما [هوَ] لَيسَ بِصَحيحٍ ولا مُعتَبَرٍ؛ لِأنَّه مِن وَضْعِ البَشَرِ، والبَشَرُ قَد يُخطِئُ وقَد يُصيبُ يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (8/223)
  2. (2) وأمَّا إذا كانَ الشَّرطُ في مَصلَحةِ العاقِدِ أوِ المَعقودِ عليه، أو كانَ لَه فيه غَرَضٌ صَحيحٌ مَشروعٌ، فيَصِحُّ الشَّرطُ والبَيعُ، قال ابنُ عُثَيمين: (قَولُه: «أو لا يَبيعُ» الشَّارِطُ البائِعُ، شَرطَ البائِعُ على المُشتَري ألَّا يَبيعَه، فيَقولُ المُؤَلِّفُ: إنَّ الشَّرطَ فاسِدٌ. وهَذا تَحتَه صورَتانِ: الصُّورةُ الأولَى: أن يَشتَرِطَ عليه ألَّا يَبيعَه مُطلَقًا. الصُّورةُ الثَّانيةُ: أن يَشتَرِطَ عليه ألَّا يَبيعَه على فُلانٍ خاصَّةً. وكِلاهما على المَذهَبِ شَرطٌ فاسِدٌ؛ لِأنَّهما يُخالِفانِ مُقتَضَى العَقْدِ؛ إذ مُقتَضَى العَقْدِ أنَّ المالِكَ يَبيعُ مِلكَه على من شاءَ، وإن شاءَ لَم يَبِعْه، فإذا قُيِّدَ وقيلَ لَه: بِشَرطِ ألَّا تَبيعَه، فإنَّ هَذا الشَّرطَ يَرَونَه فاسِدًا لِمُخالَفَتِه مُقتَضَى العَقدِ. ولَكِنَّ الصَّحيحَ أنَّ في ذلك تَفصيلًا، وهوَ إن كانَ شَرطَ عَدَمَ البَيعِ لِمَصلَحةٍ تَتَعَلَّقُ بِالعاقِدِ أو بِالمَعقودِ عليه، فإنَّ الصَّحيحَ صِحَّةُ ذلك، مِثالُ الَّتي تَتَعَلَّقُ بِالعاقِدِ: أنا أعرِفُ أنَّ هَذا الرَّجُلَ مُحتاجٌ إلَى بيتٍ وأريدُ أن أبيعَه بيتي، ولَكِن أعرِفُ أنَّ الرَّجُلَ لا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ، يُمكِنُ أبيعُه عليه في الصَّباحِ ويَبيعُه هوَ في آخِرِ النِّهارِ، وأنا إنَّما أُريدُ أن أبيعَه عليه مِن أجَل أن يَنتَفِعَ بِه ويَسكُنَه، فأقولُ لَه: لا أبيعُك هَذا البَيتَ إلَّا بِشَرطِ ألَّا تَبيعَه، فيَلتَزِمُ بِهَذا، فهَذا مِن مَصلَحةِ العاقِدِ (المُشتَري). مِثالُ مَصلَحةِ المَعقودِ عليه: عِندي عَبدٌ لَه مَنزِلةٌ عاليةٌ فجاءَني شَخصٌ أثِقُ به وآمَنُه على هَذا العَبْدِ، فقال: بِعْني عَبدَك، فقُلتُ: أبيعُك بِشَرطِ ألَّا تَبيعَه؛ لِأنَّني أخشَى إذا باعَ عَبدي على إنسانٍ غَشيمٍ يَظلِمُه ويُذِلُّه، فقُلتُ: نَعَم أبيعُك عَبدي بِشَرطِ ألَّا تَبيعَه، فالمَصلَحةُ هُنا تَعودُ على العَبدِ المَعقودِ عليه. والصَّحيحُ أيضًا في الصُّورةِ الثَّانيةِ أنَّها جائِزةٌ؛ لِأنَّه قَد يَكونُ شَخصٌ مَعروفًا بِالشَّرِّ والفَسادِ وعِندي عَبدٌ، فجاءَ شَخصٌ ثِقةٌ أمينٌ، فقُلتُ: لا بأسَ، أبيعُ عليكَ العَبدَ، لَكِن بِشَرطِ ألَّا تَبيعَه على فُلانٍ خاصَّةً، فهَذا مِن مَصلَحةِ المَعقودِ عليهـ) ((الشرح الممتع)) (8/244).
  3. (3) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/252، 253)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/193).
  4. (4) أخرجه البخاري (2563) واللَّفظُ له، ومسلم (1504).
  5. (5) ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/395)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/193).
  6. (6) ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/395).
  7. (7) كأن يَشتَرِطَ المُشتَري على البائِعِ أنَّه مَتَى "نَفَقَ" بِالفَتحِ: أي، راجَ المَبيعُ، فرَبِحَ فيه، وإلَّا رَدَّ المَبيعَ على البائِعِ
  8. (8) كأن يَشتَريَ المُشتَري سِلعةً ويَشتَرِطَ أن يَكونَ لَه الخِيارُ لِلأبَدِ، بِمَعنَى أن يَشتَرِطَ بِأنَّه يَحِقُّ لَه رَدُّ السِّلعةِ في أيِّ وقتٍ ولَو طالَتِ المُدَّةُ
  9. (9) كأن يَشتَريَ المُشتَري سِلعةً، ويَشتَرِطَ أن يَكونَ لَه الخيارُ إلَى وقتِ نُزولِ المَطَرِ، أو إلَى وقتِ قُدومِ زَيدٍ مِن سَفَرٍ لا يُعلَمُ وقتُه