الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ الثَّالثُ: اشتِراطُ إنْ نَفَق المَبِيعُ وإلَّا رَدَّه على البائِعِ كأن يَشتَرِطَ المُشتَري على البائِعِ أنَّه مَتَى "نَفَقَ" بِالفَتحِ: أي، راجَ المَبيعُ، فرَبِحَ فيه، وإلَّا رَدَّ المَبيعَ على البائِعِ


يَبْطُلُ الشَّرطُ ويَصِحُّ البَيعُ إذا اشتَرَطَ المُشتَرى على البائِعِ إن نَفقَ المَبيعُ وإلَّا رَدَّه عليه، وهو مَذهَبُ الحَنابِلةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (4/252، 253)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/193). ، وقَولُ بَعْضِ السَّلَفِ قال ابنُ قُدامةَ: (أو يَشتَرِطُ عليه أن يَبيعَه، أو يَقِفَه، أو مَتَى نَفقَ المَبيعِ وإلَّا رَدَّه، أو إنْ غَصبَه غاصِبٌ رَجَعَ عليه بِالثَّمَنِ، وإن أعتَقَه فالوَلاءُ لَه؛ فهذه وما أشبَهَها شُروطٌ فاسِدةٌ، وهَل يَفسُدُ بِها البَيعُ؟ على رِوايَتَينِ؛ قال القاضي: المَنصوصُ عَن أحمَدَ أنَّ البَيعَ صَحيحٌ. وهوَ ظاهِرُ كلامِ الخِرقيِّ هاهُنا. وهوَ قَولُ الحَسَنِ، والشَّعبيِّ، والنَّخعيِّ، والحَكمِ، وابنِ أبي ليلَى، وأبي ثورٍ) ((المغني)) (4/171). ، وبه أفتَتِ اللَّجْنةُ الدَّائِمةُ جاءَ في فتوى اللَّجْنةِ الدَّائِمةِ: (إذا شَرَطَ المُشتَري أنْ لا خَسارةَ عليه، أو مَتَى نَفقَ المَبيعُ وإلَّا رَدَّه عليه، أو شَرطَ البائِعُ ذلك فقال: اشتَرِ هذه البِضاعةَ مِني، وإذا خَسِرتُ فأنا أدفَعُ مُقابِلَ الخَسارةِ، فإنَّ الشَّرطَ يَبطُلُ وحدَه، ويَصِحُّ البَيعُ؛ لِقَولِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «كُلُّ شَرطٍ لَيسَ في كِتابِ اللهِ، فهوَ باطِلٌ، وإن كانَ مِائةَ شَرطِ») ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (13/198). ، وهو قَوْلُ ابْنِ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (قَولُه: «وإنْ شَرطَ أنْ لا خَسارةَ عليه» هَذا هوَ القِسمُ الثَّاني، وهوَ الشَّرطُ الفاسِدُ غَيرُ المُفسِدِ، فيَفسُدُ الشَّرطُ، ويَصِحُّ العَقْدُ. وضابِطُه: أن يَكونَ الفَسادُ مُختَصًّا بِالشَّرطِ لِمَنافاتِه مُقتَضَى العَقدِ. مِثالُه: شَرطَ أنْ لا خَسارةَ عليه، الشَّارِطُ المُشتَري، قال المُشتَري: اشتَرَيتُه مِنكَ بِمِائةِ ألفٍ، بِشَرطِ ألَّا يَكونَ عليَّ خَسارةٌ، أي: لَو نَزَلْتُ السُّوقَ وبِعْتُه بِأقَلَّ، فلا خَسارةَ عَليَّ، الخَسارةُ على البائِعِ، فهَذا الشَّرطُ لا يَصِحُّ؛ لِأنَّه مُخالِفٌ لِمُقتَضَى العَقْدِ... فإذا قال قائِلٌ: هَلِ العَقْدُ صَحيحٌ؟ قُلنا: نَعَم؛ لِأنَّ العَقدَ قَد تَمَّت فيه الشُّروطُ، وانتَفَتِ المَوانِعُ، والخَلَلُ هُنا إنَّما هوَ بِالشَّرطِ. قَولُه: «أو مَتَى نَفَقَ المَبيعُ وإلَّا رَدَّه» نَفقَ بِمَعنى زادَ وصارَ لَه سُوقٌ، يُشتَرَى، وإلَّا رَدَّه على البائِعِ، هَذا أيضًا شَرطٌ فاسِدٌ؛ لِأنَّه يُخالِفُ مُقتَضَى العَقدِ، إذ إنَّ مُقتَضَى العَقْدِ أنَّ المَبيعَ لِلمُشتَري سَواءٌ نَفَقَ أو لا) ((الشرح الممتع)) (8/241).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((جاءَت بَريرةُ فقالت: إنِّي كاتَبْتُ أهلي على تِسعِ أواقٍ، في كُلِّ عامٍ وَقِيَّةٌ، فأعينِيني، فقالت عائِشةُ: إنْ أحَبَّ أهلُكِ أنْ أعُدَّها لهم عَدَّةً واحِدةً، وأُعتِقَكِ فَعَلْتُ، ويَكونُ وَلاؤُك لي، فذَهَبَت إلى أهلِها فأَبَوا ذلك عليها... فسَمِعَ بذلك رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسَألَني فأخبَرْتُه، فقال: خُذِيها فأعتِقِيها واشتَرِطي لهُمُ الوَلاءَ، فإنَّما الوَلاءُ لِمَن أعتَقَ، قالت عائِشةُ: فقامَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في النَّاسِ، فحَمِدُ اللهَ وأثنى عليه، ثُمَّ قال: أمَّا بَعدُ، ما بالُ رِجالٍ مِنكم يَشتَرِطونَ شُروطًا ليسَت في كِتابِ اللهِ، فأيُّما شَرطٍ ليسَ في كِتابِ اللهِ فهو باطِلٌ، وإن كانَ مِائةَ شَرْطٍ، فقَضاءُ اللهِ أحَقُّ، وشَرطُ اللهِ أوثَقُ...)) أخرجه البخاري (2563) واللَّفظُ له، ومسلم (1504).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَحَّحَ العَقْدَ وأبطَلَ الشَّرطَ، فدَلَّ ذلك على أنَّ الشَّرطَ إذا كانَ مُخالِفًا لمُقتَضى العَقْدِ فإنَّ الشَّرطَ يَبطُلُ ويَصِحُّ العَقدُ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/395)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/193).
ثانيًا: لأنَّهُ يُخالِفُ مُقتَضى العَقدِ؛ إذ إنَّ مُقتَضى العَقدِ أنَّ المَبيعَ للمُشتَري سَواءٌ نَفَقَ أو لا ((الشرح الممتع)) (8/241).

انظر أيضا: