الموسوعة الفقهية

المبحث الأول: الوَصيَّةُ بالصَّلاةِ


لا تَصِحُّ الوَصيَّةُ بأنْ يُصلِّيَ عنه أحدٌ؛ وذلك في الجُملةِ [804] وقد حُكيَ في الصَّلاةِ عن المَيتِ خِلافٌ وصَفَه بعضُ العُلماءِ بأنَّه شاذٌّ، قال الماوَرْديُّ: (فأمَّا الصَّلاةُ عن المَيتِ فقد حُكيَ عن عطاءِ بنِ أبي رباحٍ وإسحاقَ بنِ راهَوَيهِ جَوازُه، وهو قولٌ شاذٌّ، تفَرَّدا به عن الجماعةِ). ((الحاوي)) (15/313). ووقع أيضًا خِلافٌ في الصَّلاةِ المَنذورةِ؛ قال البُهُوتي: («إنْ كانت عليه صَلاةٌ مَنذورةٌ» ومات بعْدَ التمكُّنِ «فُعِلَتْ عنه» كالصَّومِ، وتصِحُّ وَصيَّتُه بها). ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (2/336). وقال ابنُ حزمٍ: (فإن كان نَذَر صَلاةً صلَّاها عنه وليُّه، أو صَومًا كذلك، أو حجًّا كذلك، أو عُمرةً كذلك، أو اعتِكافًا كذلك، أو ذِكرًا كذلك، وكلّ برٍّ كذلك؛ فإنْ أبَى الوليُّ استُؤجِر مِن رأسِ مالِه مَن يؤدِّي دَيْنَ الله تعالى قِبَلَه، وهو قولُ أبي سُلَيمانَ وأصحابِنا). ((المحلَّى)) (6/277). ويُستثنَى مِن ذلك رَكْعَتا الطَّوافِ، قال ابنُ العربيِّ: (الصَّلاةُ... لا تَجوزُ النِّيابةُ فيها بحالٍ بإجماعٍ مِنَ الأمَّةِ... إلَّا في ركعتَيِ الطَّوافِ). ((أحكام القرآن)) (3/221).
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم: 39]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ فِعلَ غَيرِه له ليس مِن سَعيِه؛ فلا يَنتفِعُ به [805] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/212).
ثانيًا: مِن السُّنةِ
عن أبي هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ: ((إذا ماتَ الإنسانُ انقَطَع عنهُ عَمَلُه إلَّا مِنْ ثَلاثَةٍ: إلَّا منْ صَدَقةٍ جارِيةٍ، أو عِلمٍ يُنتفَعُ به، أو وَلدٍ صالِحٍ يَدعُو له )) [806] أخرجه مسلم (1631).
ثالثًا: لأنَّ النِّيابةَ لا تدخُلُ في الصَّلاةِ بالإجماعِ، ومِمَّن نَقَل الإجماعَ على ذلك: الطَّبَريُّ [807] قال ابنُ حَجَرٍ: (وقد نقَل الطَّبَريُّ وغيرُه الإجماعَ على أنَّ النِّيابةَ لا تدخُلُ في الصَّلاةِ). ((فتح الباري)) (4/69). ، وابنُ حزمٍ [808] قال ابنُ حزمٍ: (وأجمَعوا على أنَّ الوَكالةَ في الصَّلاةِ المفروضةِ والصِّيامِ لا تَجوزُ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 62). ، وابنُ بطَّالٍ [809] قال ابنُ بطَّال: (أجمعَتِ الأمَّةُ على أنَّه لا يُؤمِنُ أحدٌ عن أحدٍ، ولا يُصلِّي أحدٌ عن أحدٍ). ((شرح صحيح البخاري)) (7/118). ، وابنُ عبدِ البَرِّ [810] قال ابنُ عبد البَرِّ: (أمَّا الصَّلاةُ فإجماعٌ مِنَ العُلماءِ أنَّه لا يُصلِّي أحدٌ عن أحدٍ فَرضًا عليه مِنَ الصَّلاةِ ولا سُنَّةً ولا تَطوُّعًا، لا عن حيٍّ ولا عن مَيتٍ... وهذا كلُّه إجماعٌ لا خِلافَ فيه). ((الاستذكار)) (3/340). وقال: (أجمَعوا ألَّا يُصلِّيَ أحدٌ عن أحدٍ). ((التمهيد)) (9/29). ، وابنُ العَربِيِّ [811] قال ابنُ العربيِّ: (قال علماؤنا: لا يُصلِّي أحدٌ عن أحدٍ باتِّفاقٍ فرضًا ولا نفلًا، حياةً ولا مَوتًا). ((عارضة الأحوذي)) (3/240). وقال: (لا تجوزُ النِّيابةُ فيها بحالٍ بإجماعٍ مِنَ الأمَّةِ... إلَّا في ركعتَيِ الطَّوافِ). ((أحكام القرآن)) (3/221). ، والقاضي عِياضٌ [812] قال القاضي عِياضٌ: (وأجمَعوا بغَيرِ خِلافٍ أنَّه لا يُصلِّي أحدٌ عن أحدٍ فى حياتِه ولا مَوتِه). ((إكمال المُعْلِم)) (4/104). ، وابنُ رُشدٍ [813] قال ابنُ رُشْد: (العباداتُ لا يَنوبُ فيها أحدٌ عن أحدٍ؛ فإنَّه لا يُصلِّي أحدٌ عن أحدٍ باتِّفاقٍ). ((بداية المجتهد)) (2/84). ، والقُرطُبيُّ [814] قال القُرطُبيُّ: (أجمَعوا أنَّه لا يُصلِّي أحدٌ عن أحدٍ). ((تفسير القرطبي)) (17/114). ، والقَرَافِيُّ [815] قال القَرافيُّ: (لا تَجوزُ النِّيابةُ فيها إجماعًا). ((الفروق)) (2/502). ، وابنُ تَيميَّةَ [816] قال ابنُ تَيميَّةَ: (صلاةُ الفرضِ لا يَفعَلُها أحدٌ عن أحدٍ، لا بأُجرةٍ ولا بغَيرِ أُجرةٍ باتِّفاقِ الأئمَّةِ؛ بل لا يجوزُ أن يَستأجِرَ أحدًا لِيُصلِّيَ عنه نافلةً باتِّفاقِ الأئمَّةِ؛ لا في حياتِه ولا في مماتِه). ((مجموع الفتاوى)) (30/203). ، ونَقَل النَّووِيُّ حِكايةَ الإجماعِ عنِ القاضي وأصحابِه مِنَ الشَّافعيَّةِ [817] قال النَّوويُّ: (قال القاضي وأصحابُنا: وأجمَعوا على أنَّه لا يُصلَّى عنه صلاةٌ فائتةٌ). ((شرح مسلم)) (8/26).
رابعًا: لأنَّها عِبادةٌ بدنيَّةٌ فلا تَقبَلُ النِّيابةُ، بخِلافِ الزَّكاةِ والحَجِّ ونَحوِهما [818] ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/219)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (4/12). ، ولم يَرِدْ دَليلٌ يدُلُّ على جَوازِ النِّيابةِ عنه فيها [819] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/212).

انظر أيضا: