الموسوعة الفقهية

الفرعُ الرابع: التَّسويةُ بيْنَ الأولادِ في الوقْفِ


اختَلَف العُلماءُ في حكْمِ التَّسويةِ بيْنَ الأولادِ في الوقْفِ؛ على قولَين:
القولُ الأولُ: لا تجِبُ التَّسويةُ بيْن الأولادِ في الوقْفِ، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحنفيَّةِ ، والمالكيَّةِ ، والشافعيَّةِ ، والحنابلةِ
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن الآثارِ
عن عبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ رضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّه وقَفَ على ولَدِه، وجعَلَ للمَردودةِ مِن بَناتِه أنْ تَسكُنَ غيرَ مُضِرَّةٍ ولا مُضَرٍّ بها، فإذا استَغْنَت بزَوجٍ فلا حقَّ لها فيه )
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ ابنَ الزُّبيرِ خصَّ بعضَ أولادِه بصَدقةٍ زائدةٍ عنهم
ثانيًا: لأنَّ ابتِداءَ الوقْفِ مُفَوَّضٌ إليه، فكذلك تَفضيلُه وتَرتيبُه
القولُ الثاني: يجِبُ التَّسويةُ بين الأولادِ في الوقْفِ ، نصَّ عليه بعضُ الحنفيَّةِ ، واختارَهُ ابنُ حزْمٍ ، وابنُ بازٍ ، وابنُ عُثيمين ، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ
الدليل مِن السُّنةِ:
عن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((سألَتْ أمِّي أبي بعضَ المَوهِبةِ لي مِنْ مالِه، ثمَّ بدَا له فوَهَبَها لي، فقالَت: لا أَرضَى حتَّى تُشْهِدَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ، فأَخَذَ بيدِي وأنا غُلامٌ، فأَتَى بي النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: إنَّ أمَّهُ بِنتَ رَواحَةَ سأَلَتْني بعضَ المَوهِبةِ لهذَا، قال: ألَكَ ولَدٌ سِوَاهُ؟. قال: نعم. قالَ: فأُرَاهُ قال: لا تُشْهِدْنِي شَهادةَ جَوْرٍ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
الحديثُ فيه دلالةٌ على وُجوبِ العدلِ بيْنَ الأولادِ في العطيَّةِ، والوقْفُ مِن جُملةِ العطايا

انظر أيضا:

  1. (1) المُفْتَى به عندَ الحنفيَّةِ جوازُ التَّفضيلِ إذا كان لزيادةِ فضْلٍ في الدِّينِ، ويُكرَهُ إن كانوا سواءً في الدِّينِ إذا لم يُقصَدِ الإضرارُ. ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (12/50)، ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (7/288)، ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (4/444).
  2. (2) ((الشرح الكبير للدَّرْدِير وحاشية الدسوقي)) (4/87)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (4/87)، ويُنظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (4/105).
  3. (3) ((روضة الطالبين)) للنووي (5/339)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/247).
  4. (4) عندَ الحنابلةِ: إذا كان لأثَرةٍ يُكرَهُ، أمَّا إذا كان لغرَضٍ شرعيٍّ فيَجوزُ. ((الإقناع)) للحَجَّاوي (3/23)، ((كشاف القِناع)) للبُهُوتي (4/284).
  5. (5) أخرجه البخاريُّ معلَّقًا بصيغة الجزم قبْلَ حديث (2778)، وأخرجه موصولًا الدارِميُّ (3300) واللفظ له، والبيهقي (12281)، وصحَّحه الألبانيُّ في ((إرواء الغليل)) (1595).
  6. (6) ((المغني)) لابن قُدامة (6/18).
  7. (7) ((المغني)) لابن قُدامة (6/18)..
  8. (8) يجوزُ التفضيلُ بيْن الأبناءِ في الوقفِ إذا كان لسببٍ شرعيٍّ. يُنظر: ((قواعد الأحكام في إصلاح الأنام)) للعز بن عبد السلام (2/140)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/105)، ((الإقناع)) للحَجَّاوي (3/23).
  9. (9) ((الدر المختار للحَصْكَفي وحاشية ابن عابدين)) (4/444).
  10. (10) قال ابنُ حزمٍ: (والتَّسويةُ بيْن الولدِ فرْضٌ في الحبسِ؛ لقولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: «اعدِلوا بيْن أبنائِكُم»، فإنْ خصَّ به بعضَ بَنِيه، فالحبسُ صحيحٌ، ويدخُلُ سائرُ الولدِ في الغَلَّةِ والسُّكْنى مع الذي خصَّهـ). ((المحلى)) (8/159).
  11. (11) قال ابن بازٍ: (إذا وقَف على الذُّكورِ دونَ الإناثِ، قال: هذا على بَنِيَّ دونَ بناتي؛ فهذا لا يجوزُ، هذا وقْفٌ محرَّمٌ بلا شكٍّ؛ لأنَّه ظُلمٌ وليس بعدْلٍ، والنبيُّ عليه السلام قال: «اتَّقوا اللهَ واعْدِلوا بيْن أولادِكم»، والذي يُوقِفُ ملكَه، أو بعضَ ملكِه على أولادِه الذُّكورِ دون بناتِه، هذا وقْفٌ لا يصِحُّ على الصحيحِ مِن أقوالِ أهلِ العلمِ، بل يجِبُ نقْضُهـ). ((فتاوى نور على الدرب)) (19/360).
  12. (12) قال ابن عُثيمين: (لا يجوزُ له أن يَخُصَّ الوقفَ ببَنِيه؛ لأنَّه إذا فعَل ذلك دخَل في قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «اتَّقوا اللهَ واعْدِلوا بيْن أولادِكم»، فيكونُ بهذا العملِ غيرَ مُتَّقٍ للهِ تعالى، وسمَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تخصيصَ بعضِ الأبناءِ جَورًا، فقال: «لا أَشهَدُ على جَورٍ»، ولا شكَّ أن مَن وقَف على بَنِيه دونَ بناتِه أنه جَورٌ). ((الشرح الممتع)) (11/48). وقال: (لا يجوزُ للأبِ أن يتصرَّفَ هذا التصرُّفَ ويُفضِّلَ بعضَ أولادِه على بعضٍ؛ وذلك لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال حينَما أخبَره بَشيرُ بنُ سعدٍ بأنَّه نحَلَ ابنَه النُّعمانَ نِحلةً، قال له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «أفعلْتَ ذلك بوَلدِك كلِّهم؟» قال: لا، فقال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: «اتَّقوا اللهَ واعْدِلوا بيْن أولادِكم»، فعطيَّةُ الأبِ لأولادِه الذُّكورِ والإناثِ يجِبُ أن تكونَ على سبيلِ العدْلِ، فإذا أعطى الذَّكَرَ سهمَينِ أعطى الأُنثى سهمًا، وإذا أعطاها سهْمًا أعطاه سهمينِ، أمَّا أنْ يُحابيَ أحدَهم دونَ الآخَرِ، فإنَّ هذا حرامٌ عليه، ولا يصِحُّ). ((فتاوى نور على الدرب)) (9/304).
  13. (13) جاء في فتوى اللجنة الدائمة: (لا يجوزُ له أن يوقِفَ على بعضِ أولادِه دونَ بعضٍ؛ لأنَّ هذا وقْفٌ جَنَفٌ، وهو محرَّمٌ)، ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (16/114).
  14. (14) أخرجه البخاري (2650).
  15. (15) ((حاشية ابن عابدين)) (4/444). ويُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (11/48).