الموسوعة الفقهية

المطلب الثَّالث: مسْح الوجه والكفَّين في التيمُّم


الفرع الأوَّل: حُكمُ مَسحِ الوجهِ والكفَّين في التيمُّم
مسْحُ الوجهِ والكفَّينِ فرضٌ في التيمُّم في الجُملةِ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة: 6]
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن عبد الرحمنِ بن أَبْزَى قال: ((جاء رجلٌ إلى عمرَ بن الخطَّاب فقال: إنِّي أجنبتُ فلم أُصِبِ الماء، فقال عمَّار بن ياسر لعُمرَ بن الخطَّاب: أمَا تذكُر أنَّا كنَّا في سفرٍ أنا وأنت، فأمَّا أنت فلم تُصلِّ، وأمَّا أنا فتمعَّكتُ فصلَّيتُ، فذكرتُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كان يكفيك هكذا، فضرَب النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بكفَّيه الأرضَ ونفَخ فيهما، ثمَّ مسَحَ بهما وجهَه وكفَّيه؟ )) رواه البخاري (338) واللفظ له، ومسلم (368).
ثالثًا: من الإجماع
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (وأجمعوا أنَّ مَسْحَ بعض الوجهِ غيرُ معيَّنٍ، وبعض الكفَّين كذلك، بضربةٍ واحدة في التيمُّم، فرضٌ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 22). ، وابنُ قُدامة قال ابن قدامة: (لا خِلاف في وجوب مسْح الوجه والكفَّين). ((المغني)) (1/186). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (وأجمعوا على أنَّ التيمُّم مختصٌّ بالوجه واليدين، سواء تيمَّم عن الحدَث الأصغر، أو الأكبر، سواء تيمَّم عن كلِّ الأعضاء أو بعضِها) ((المجموع)) (2/207). ، وابنُ رجب قال ابن رجب: (قد أجمَعَ العُلَماءُ على أنَّ مسحَ الوجه واليدين بالتُّراب في التيمُّم؛ فرضٌ لا بدَّ منه في الجُملة). ((فتح الباري)) (2/50).
الفرع الثَّاني: صِفةُ مسْح الوجه والكفَّين في التيمُّم
يَضربُ المتيمِّمُ الصَّعيدَ ضربةً واحدةً، يمسَحُ بها وجهه وكفَّيه مرَّةً واحدةً، وهذا مَذهَبُ الحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/174)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لابن قدامة (1/276)، ((فتح الباري)) لابن رجب (2/59، 61). ، وبه قالت طائفةٌ من السَّلف منهم: عليٌّ، وعمَّار، وابن عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهم، وعطاء، ومكحول، والشَّعبي رحمهم الله تعالى. ((التمهيد)) (19/282)، ((شرح النووي على مسلم)) (4/56)، ((الشرح الكبير)) لابن قدامة (1/276)، ((فتح الباري)) لابن رجب (2/59). ، وهو اختيارُ عامَّة أهل الحديث قال الشنقيطيُّ: (فقال جماعةٌ: تكفي ضربةٌ واحدة للكفَّين والوجه، وممَّن ذهب إلى ذلك: الإمام أحمد، وعطاء، ومكحول، والأوزاعيُّ، وإسحاقُ، ونقله ابن المُنذِر عن جمهور العلماء، واختاره، وهو قول عامَّة أهل الحديث). ((أضواء البيان)) (1/359). ، وابن المُنذِر قال ابن المُنذِر: (ويعمِدُ الذي يُريد التيمُّمَ إِلَى الصَّعيد، فيضرِبُ بيديه عليه ضربةً واحدةً، ثم يرفعُهما فيمسَحُ بهما وجهَه وكفَّيه) ((الإقناع)) (1/67). ، والشوكاني قال الشوكانيُّ: (الحاصل: أنَّ جميع الأحاديث الصَّحيحة ليس فيها إلَّا ضربةٌ واحدةٌ للوجه والكفَّينِ فقط، وجميع ما ورد في الضَّربتينِ، أو كون المسح إلى المِرفَقين، لا يخلو من ضَعْفٍ يَسقُط به عن درجة الاعتبارِ، ولا يصلُحُ للعَمَل عليه؛ حتى يقال: إنَّه مشتمِلٌ على زيادة، والزِّيادةُ يجب قَبولُها). ((السيل الجرار)) (ص: 84). ، والشنقيطي قال الشنقيطيُّ: (الظَّاهر من جهة الدَّليل الاكتفاءُ بضربةٍ واحدة). ((أضواء البيان)) (1/359). وقال أيضًا: (الذي يظهَرُ من الأدلَّة- والله تعالى أعلم: أنَّ الواجبَ في التيمُّمِ هو مسحُ الكفَّين فقط). ((أضواء البيان)) (1/360). ، وابن باز قال ابن باز: (المشروع: ضربةٌ واحدةٌ للوجهِ والكفَّين، وصفةُ ذلك: أنَّه يضربُ التُّرابَ بِيَديه ضربةً واحدةً، ثم يمسَحُ بهما وَجهَه وكفيَّه). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/189). ، والألباني قال الألبانيُّ: (هو ضربةٌ للوَجهِ والكفَّينِ) ((الثمر المستطاب)) (1/34). ، وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (الكيفيَّةُ عندي التي توافِقُ ظاهِرَ السنَّة: أن تضرِبَ الأرضَ بيديك ضربةً واحدةً بلا تفريجٍ للأصابعِ، وتمسَح وجهَك بكفَّيك، ثمَّ تمسَح الكفَّينِ بعضَهما ببعضٍ، وبذلك يَتِمُّ التيمُّمُ). ((الشرح الممتع)) (1/413).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قول الله عزَّ وجلَّ: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [النساء: 43]
وجه الدَّلالة:
 أنَّه لم يجِب بهذا الخطاب إلَّا أقلُّ ما يقَعُ عليه الاسمُ؛ لأنَّه اليقينُ، وما عدا ذلك شكٌّ، والفرائِضُ لا تجِبُ إلَّا بيقينٍ.
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن عمَّارِ بنِ ياسر رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال له: ((كان يكفيك هكذا، فضرَبَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بكفَّيه الأرضَ ونفخ فيهما، ثمَّ مسَحَ بهما وجهَه وكفَّيه )) رواه البخاري (338) واللفظ له، ومسلم (368).
وجه الدَّلالة:
1- أنَّ الحديثَ يدلُّ أنَّه يكفي للتيمُّمِ ضَربةٌ واحدةٌ.
2- أنَّ الحديثَ يدلُّ أنَّ المسحَ للوَجهِ والكفَّين فقط.
الفرع الثَّالث: استيعابُ مَسحِ الوَجهِ والكفَّين
يجبُ استيعابُ المسحِ للوَجهِ والكفَّين، فلو ترك شيئًا قليلًا من مواضِع التيمُّم لم يُجزِئه، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعة: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/145، 151)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/175). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/511)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/352). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/400، 2/211، 239)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/248). ، والحنابلة ((المبدع)) لابن مفلح (1/184)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لابن قدامة (1/258) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/411)، ((فتح الباري)) لابن رجب (2/50). ، وبه قال أكثرُ العلماء قال النوويُّ: (مذهبنا: أنَّه يجِبُ إيصالُ التُّراب إلى جميعِ البَشَرة الظَّاهرة من الوجهِ والشَّعرِ الظَّاهِر عليه؛ قال العبدرى: وبه قال أكثَرُ العلماء، وعن أبي حنيفةَ رِوايات) ((المجموع)) (2/239). وقال ابن رجب: (جمهورُ العُلَماء: أنَّه يجِبُ استيعابُ بشَرتِه بالمسحِ بالتُّراب، ومَسْح ظاهِرِ الشَّعرِ الذي عليه) ((فتح الباري)) (2/50). ، وحُكي الإجماعُ على استيعابُ المسحِ للوَجهِ والكفَّين قال ابن جرير: (أجمعوا أنَّ عليه أن يمسحَ جميعَ الوجه) ((تفسير الطبري)) (8/418). وقال القرطبيُّ: (لا خِلاف في أنَّ حُكمَ الوَجهِ في التيمُّمِ والوُضوء الاستيعابُ وتتبُّعُ مواضِعِه). ((تفسير القرطبي)) (5/239). وعن إسماعيل بن سعيد الشالنجيِّ، قال: (سألت أحمدَ بن حنبل عمَّن ترَك مسحَ بعض وجهه في التيمُّمِ؟ قال: يُعيدُ الصَّلاةَ، فقلت له: فما بالُ الرَّأسِ يُجزئ في المسحِ، ولم يَجُز أن يُترك ذلك من الوجهِ في التيمُّمِ؟ فقال: لم يبلُغْنا أنَّ أحدًا ترَك ذلك مِن تيمُّمِه). ينظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (2/51).  وقال النوويُّ: (قد أجمع المسلمونَ على أنَّ الوجهَ يُستوعَب في التيمُّمِ كالوضوء). ((المجموع)) (2/211). ونقل الخلاف بعد ذلك (2/239).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قوله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء: 43]
وجه الدَّلالة:
أنَّ الباءَ للإلصاقِ، فصار كأنَّه قال فامسَحوا وجوهَكم وأيديَكم، فيجِبُ تعميمُهما، كما وجب تعميمُهما بالغَسل بقولِه تعالى: فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة: 6] ((الحاوي الكبير)) (1/248)، ((الشرح الكبير)) لابن قدامة (1/258)،
ثانيًا: أنَّ السُّنة بيَّنت أنَّ المطلوبَ بالمسح في التيمُّمِ الاستيعابُ ((المجموع)) للنووي (1/400).
ثالثًا: أنَّ الأمرَ بالمَسحِ في باب التيمُّم تعلَّقَ باسمِ الوَجهِ والكفَّين، فيجب أن يَعُمَّ الكلَّ ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/152).
رابعًا: أنَّ التيمُّمَ بدلٌ عن الوضوءِ، والاستيعابُ في الأصلِ مِن تمام الرُّكن، فكذا في البَدَلِ، فيلزَمُه ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/176)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/152)، ((المجموع)) للنووي (1/400).

انظر أيضا: