الموسوعة الفقهية

تمهيدٌ: في الحقوق الزوجية


قِوامةُ الرَّجُلِ على المَرأةِ
القِوامةُ ضرورةٌ حياتيَّةٌ بينَ الزَّوجَينِ؛ فالبَيتُ مِثلُ المملكةِ لا بُدَّ له مِن راعٍ واحدٍ يقومُ برعايتِه وحِفظِه، وصَونِه وتَدبيرِه، والنَّفَقةِ عليه وتوفيرِ احتياجاتِه؛ هذا الرَّاعي إمَّا أن يكونَ الزَّوجَ أو الزَّوجةَ، وقد اختار الشَّارعُ الحكيمُ الزَّوجَ لهذه المهِمَّةِ، لا انتِقاصًا مِن حَقِّ الزَّوجةِ، لكِنْ لأهليَّتِه لذلك؛ فجَعَل القِوامةَ للرَّجُلِ على المرأةِ، وقد دَلَّت نصوصُ فُقَهاءِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ على ذلك : الحَنَفيَّةِ ، والمالكيَّةِ ، والشَّافعيَّةِ ، والحَنابلةِ
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء: 34]
وَجهُ الدَّلالةِ:
(قوَّامٌ): فعَّالٌ، للمُبالغةِ، مِنَ القيامِ على الشَّيءِ والاستبدادِ بالنَّظَرِ فيه، وحِفظِه بالاجتهادِ؛ فقِيامُ الرِّجالِ على النِّساءِ هو على هذا الحَدِّ، وهو أن يقومَ بتَدبيرِها وتأديبِها، وإمساكِها في بيتِها، ومَنعِها من البروزِ
2- قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة: 228]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ تعالى نَصَّ على أنَّ الرِّجالَ مُقَدَّمونَ دَرَجةً على النِّساءِ، وهي القِوامةُ عليهنَّ
3- قَولُه تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه: 132]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الله تعالى أمَرَ الرِّجالَ أن يأمُروا أهلَهم بالطَّاعةِ ، ومنها الأمرُ بالصَّلاةِ، وهو أحَدُ معاني القِوامةِ
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: ((لأُحَدِّثَنَّكم حديثًا لا يُحَدِّثُكم أحَدٌ بعدي، سَمِعتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: مِن أشراطِ السَّاعةِ: أن يَقِلَّ العِلمُ، ويَظهَرَ الجَهلُ، ويَظهَرَ الزِّنا، وتَكثُرَ النِّساءُ، ويَقِلَّ الرِّجالُ، حتى يكونَ لخَمسينَ امرأةً القَيِّمُ الواحِدُ! ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: (القَيِّمُ)، أي: مَن يقومُ بأمرِهنَّ، واللَّامُ للعَهدِ؛ إشعارًا بما هو مَعهودٌ مِن كَونِ الرِّجالِ قوَّامِينَ على النِّساءِ
2- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يَحِلُّ للمَرأةِ أن تصومَ وزَوجُها شاهِدٌ إلَّا بإذنِه، ولا تأذَنَ في بيتِه إلَّا بإذنِه ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ حَقَّ الإذنِ والمنعِ في البَيتِ هو للزَّوجِ ، وهو مِنَ القِوامةِ.
3- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا صلَّت المرأةُ خَمسَها، وصامت شَهْرَها، وحَصَّنَت فَرْجَها، وأطاعت بَعْلَها؛ دخَلَت مِن أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شاءَت ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
فيه وُجوبُ طاعةِ الزَّوجِ في غَيرِ مَعصيةِ اللهِ تعالى ، وهذا مِنَ القِوامةِ عليها.
ثالثًا: لأنَّ الأصلَ في الرِّجالِ أنَّهم أقوى عَقلًا وأحكَمُ تَدبيرًا مِنَ النِّساءِ

انظر أيضا:

  1. (1)    تَشمَلُ قِوامةُ الرَّجُلِ معانيَ كثيرةً، منها: التَّأديبُ والتدبيرُ، والحِفظُ والحِمايةُ، والإنفاقُ على المرأةِ، وتولِّي أمورِها، ورعايةُ مصالحِها. قال الجصَّاص: (تضَمَّنَ قَولُه تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء: 34] قيامَهم عليهنَّ بالتأديبِ والتَّدبيرِ والحِفظِ والصِّيانةِ؛ لِما فَضَّل اللهُ به الرَّجُلَ على المرأةِ في العَقلِ والرَّأيِ، وبما ألزمَه اللهُ تعالى مِنَ الإنفاقِ عليها؛ فدَلَّت الآيةُ على معانٍ، أحَدُها: تفضيلُ الرَّجُلِ على المرأةِ في المنزلةِ، وأنَّه هو الذي يقومُ بتدبيرِها وتأديبِها، وهذا يدُلُّ على أنَّ له إمساكَها في بيتِه ومَنْعَها من الخروجِ، وأنَّ عليها طاعتَه وقَبولَ أمرِه ما لم تكُنْ مَعصيةٌ). ((أحكام القرآن)) (3/149). وقال البغوي: (قَولُه تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ أي: مُسَلَّطونَ على تأديبِهنَّ، والقَوَّامُ والقَيِّمُ: بمعنًى واحدٍ، والقوَّامُ أبلَغُ، وهو القائِمُ بالمصالحِ والتدبيرِ والتأديبِ). ((تفسير البغوي)) (1/611). وقال ابنُ العربي: (قولُه: بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء: 34] : المعنى: إنِّي جعلتُ القواميَّةَ على المرأةِ للرجُلِ؛ لأجلِ تفضيلي له عليها، وذلك لثلاثةِ أشياءَ: الأوَّلُ: كمالُ العَقلِ والتمييزِ. الثَّاني: كمالُ الدِّينِ والطَّاعةِ في الجهادِ، والأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ على العُمومِ، وغير ذلك. الثالثُ: بَذلُه المالَ مِن الصَّداقِ والنَّفَقةِ). ((أحكام القرآن)) لابن العربي (1/531). وقال القرطبي: (قَولُه تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ «قَوَّامٌ» فعَّالٌ للمبالغةِ، من القيامِ على الشَّيءِ، والاستبدادِ بالنظَرِ فيه، وحِفظِه بالاجتهادِ؛ فقيامُ الرِّجالِ على النِّساءِ هو على هذا الحَدِّ، وهو أن يقومَ بتدبيرِها وتأديبِها، وإمساكِها في بيتِها ومَنعِها من البُروزِ، وأنَّ عليها طاعتَه وقَبولَ أمرِه ما لم تكُنْ مَعصيةٌ، وتعليلُ ذلك بالفَضيلةِ والنَّفَقةِ، والعَقلِ والقُوَّةِ في أمرِ الجهادِ، والميراثِ، والأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ). ((تفسير القرطبي)) (5/168، 169). وقال ابنُ كثير: (يقولُ تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ أي: الرَّجُلُ قَيِّمٌ على المرأةِ، أي: هو رئيسُها وكبيرُها، والحاكِمُ عليها ومُؤَدِّبُها، إذا اعوَّجَت). ((تفسير ابن كثير)) (2/292).
  2. (2)    ونُصوصُهم مُتضافِرةٌ في أبوابِ الفِقهِ: كالنِّكاحِ، والطَّلاقِ، والنَّفَقاتِ، وغَيرِها.
  3. (3)    ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (5/280). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/16).
  4. (4)    ((حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي)) (4/187). ويُنظر: ((الذب عن مذهب الإمام مالك)) لابن أبي زيد القيرواني (2/707)، ((الذخيرة)) للقرافي (4/341).
  5. (5)    ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (7/536)، ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (4/110). ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/777) (17/10)، ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (3/307).
  6. (6)    ((الكافي)) لابن قدامة (3/12)، ((الفروع)) لابن مفلح (11/108)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/210)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/656). ويُنظر: ((اللباب في علوم الكتاب)) لابن عادل الحنبلي (6/359).
  7. (7)    ((أحكام القرآن)) لابن العربي (2/70).
  8. (8)    ((أحكام القرآن)) لابن العربي (1/530).
  9. (9)    ((تفسير القرطبي)) (11/263).
  10. (10)    ((أحكام القرآن)) لابن العربي (1/530).
  11. (11)    أخرجه البخاري (81) واللفظ له، ومسلم (2671).
  12. (12)    ((فتح الباري)) لابن حجر (1/179).
  13. (13)    أخرجه البخاري (5195) واللفظ له، ومسلم (1026).
  14. (14)    ((إكمال المُعْلِم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض (3/553)، ((شرح النووي على مسلم)) (7/115)، ((سبل السلام)) للصنعاني (1/585).
  15. (15)    أخرجه ابن حبان (4163)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4598). صحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (660)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (4163). ورُوِيَ من طريق عبد الرحمن بن عوف رَضِيَ اللهُ عنه بنَحوِه. أخرجه أحمد (1661) واللفظ له، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (8805). حسَّنه السخاوي في ((البلدانيات)) (161)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (661). وكِلا الطريقينِ فيه كلامٌ.
  16. (16)    ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) للمناوي (1/111)، ((فيض القدير)) للمناوي (1/392).
  17. (17)    ((تفسير القرطبي)) (5/168، 169).