الموسوعة الفقهية

المَبحثُ الأوَّلُ: النَّفَقةُ على الأولادِ


المَطلَبُ الأوَّلُ: نَفَقةُ الوالِدِ على أولادِه حتى سِنِّ البُلوغِ
يجِبُ على الوالِدِ النَّفَقةُ على أولادِه الذين لا مالَ لهم حتى سِنِّ البُلوغِ
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ البقرة: 233.
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ تعالى بَيَّن أنَّ على الأبِ الذي يُولَدُ له إطعامُ وكِسوةُ وَلَدِه بالمعروفِ
2- قَولُه تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجورَهُنَّ الطلاق: 6.
وَجهُ الدَّلالةِ:
أوجب اللهُ أُجرةَ رَضاعِ الوَلَدِ على الأبِ، فدَلَّ على أنَّ نَفَقَتَه تجِبُ عليه
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ هِندًا قالت: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ أبا سُفيانَ رَجُلٌ شَحيحٌ، وليس لي إلَّا ما يدخُلُ بيتي، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((خُذِي ما يكفيكِ ووَلَدَك بالمعروفِ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الحديثَ نَصٌّ في وُجوبِ النَّفَقةِ على الأولادِ
ثالثًا: مِنَ الآثارِ
عن أبي هُرَيرةَ قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أفضَلُ الصَّدَقةِ ما ترك غِنًى، واليدُ العُلْيا خيرٌ من اليَدِ السُّفلى، وابدأْ بمن تعولُ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قَولِ أبي هُرَيرةَ: (ويقولُ الابنُ: أطعِمْني، إلى من تَدَعُني؟) دليلٌ على وجوبِ النَّفَقةِ عليه
رابعًا: مِن الإجماعِ
 نقل الإجماعَ على ذلك : القاضي عبدُ الوَهَّابِ ، والماوَرديُّ ، وابنُ حَزمٍ ، والكاسانيُّ ، وابنُ عبدِ البَرِّ ، وابنُ قُدامةَ ، والقُرطبيُّ ، وابنُ تيميَّةَ ، وابنُ القَيِّمِ
رابعًا: لأنَّ الوَلَدَ بَعضٌ مِنَ الأبِ، فكما يلزَمُه أن يُنفِقَ على نَفْسِه، فكذلك يَلزَمُه أن يُنفِقَ على وَلَدِه
المَطلَبُ الثَّاني: نَفَقةُ الوالِدِ على أولادِه (ذُكورًا وإناثًا) بعد سِنِّ البُلوغِ
الفَرعُ الأوَّلُ: النَّفَقةُ على الأبناءِ الذُّكورِ بعد سِنِّ البُلوغِ
المَسألةُ الأُولى: من لهم القُدرةُ على التكَسُّبِ
لا تجِبُ نَفَقةُ الوالِدِ على أبنائِه الذُّكورِ بعد سِنِّ البُلوغِ إذا كانت لهم القُدرةُ على التكَسُّبِ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ ، والمالِكيَّةِ ، والشَّافِعيَّةِ ، والحنابلةِ ؛ وذلك لأنَّ النَّفَقةَ إنما تجِبُ على سبيلِ المواساةِ، والقادِرُ على التكَسُّبِ مُستغْنٍ عنها بكَسْبِه
المَسألةُ الثَّانيةُ: من ليس لهم القُدرةُ على التكَسُّبِ
تجِبُ نَفَقةُ الوالِدِ على أبنائِه الذُّكورِ بعد سِنِّ البُلوغِ إذا لم يكُنْ لهم قُدرةٌ على التكَسُّبِ باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ ، والمالِكيَّةِ ، والشَّافِعيَّةِ ، والحنابِلةِ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّهم فُقَراءُ، فاستحقُّوا النَّفَقةَ مِن والِدِهم الغَنيِّ
ثانيًا: لعَجْزِهم عن كفايةِ أنفُسِهم
الفَرعُ الثَّاني: النَّفَقةُ على البِنتِ بعد سِنِّ البُلوغِ
يجِبُ على الوالِدِ النَّفَقةُ على بِنْتِه البالغةِ المحتاجةِ ما لم تتزَوَّجْ ، نَصَّ عليه الحَنَفيَّةُ ، والمالِكيَّةُ ، والشَّافِعيَّةُ ، وهو مُقتضى مَذهَبِ الحَنابلةِ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ له الوِلايةَ عليها إلى أن تتزوَّجَ، فتَجِبُ نفقَتُها كالصَّغيرةِ
ثانيًا: لعَجْزِها عن الاكتِسابِ، فهي بمنزلةِ الصَّغيرةِ إن لم يكُنْ لها زوجٌ، ونفَقَتُها في صِغَرِها على الوالِدِ لحاجَتِها، فكذلك بعد بُلوغِها

انظر أيضا:

  1. (1) فإذا كان لهم مالٌ، فلا تجِبُ عليه النَّفَقةُ. ينظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (5/302) ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/588)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (8/346)، ((المغني)) لابن قدامة (8 / 168).
  2. (2) ((تفسير فتح القدير)) للشوكاني (1/ 245).
  3. (3) ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (11/245).
  4. (4) أخرجه البخاري (5364) واللَّفظُ له، ومسلم (1714).
  5. (5) ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) لابن الملقن (26/45)، ((سبل السلام)) للصنعاني (2/319).
  6. (6) أخرجه البخاري (5355).
  7. (7) ((الاستذكار)) لابن عبد البر (8/540).
  8. (8) وفيه خِلافٌ شاذٌّ: أنَّ على الأمِّ مِنَ النَّفَقةِ بقَدْرِ ميراثِها منه؛ قال ابنُ القَيِّمِ: (وفيه دليلٌ على تفرُّدِ الأبِ بنَفَقةِ أولادِه، ولا تشارِكُه فيها الأمُّ، وهذا إجماعٌ مِنَ العُلَماءِ إلَّا قَولًا شاذًّا لا يُلتَفَتُ إليه: أنَّ على الأمِّ مِنَ النَّفَقةِ بقَدْرِ ميراثِها). ((زاد المعاد(( (5/448).
  9. (9) قال القاضي عبد الوهَّابِ: (تلزَمُ الرَّجُلَ نَفَقةُ وَلَدِه الصَّغيرِ إذا كان فقيرًا...فبَيَّن أنَّ النَّفَقةَ تَلزَمُ لكُلِّ واحدٍ ممَّن ذُكِر، وأنه يحتجُّ بما ذكرَه، ولا خلافَ في ذلك). ((المعونة على مذهب عالم المدينة)) (ص: 937).
  10. (10) قال الماوَردي: (نَفَقةُ الأولادِ على الآباءِ بدليلِ الكِتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ). ((الحاوي الكبير)) (11/477).
  11. (11) قال ابن حزم: (اتَّفَقوا على أنَّه يلزَمُ الرَّجُلَ -الذي هو كما ذكَرْنا- نَفَقةُ وَلَدِه وابنتِه اللَّذَينِ لم يبلُغَا ولا لهما مالٌ، حتى يبلُغا). ((مراتب الإجماع)) (ص: 79).
  12. (12) قال الكاساني: (لو كان للصَّغيرِ أبوانِ فنَفَقتُه على الأبِ لا على الأمِّ، بالإجماعِ). ((بدائع الصنائع)) (4/32).
  13. (13) قال ابنُ عبد البَرِّ بعد أن ذكر الأثَرَ عن أبي هُرَيرةَ: ("يقولُ وَلَدُك: أنفِقْ عَلَيَّ، إلى من تَكِلُني" قال أبو عُمَرَ: هذا بَيِّنٌ في نفقاتِ الزَّوجاتِ والمماليكِ، والبنينَ الصِّغارِ والبناتِ، ولا خِلافَ بين العُلَماءِ في وجوبِ النَّفَقاتِ جملةً على ما ذكَرْنا). ((الاستذكار)) (8/540).
  14. (14) قال ابنُ قُدامةَ: (من كان له أبٌ من أهلِ الإنفاقِ لم تجِبْ نفَقَتُه على سواه؛ لأنَّ الله تعالى قال: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الطلاق: 6] ، وقال: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ [البقرة: 233] ، وقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لهندٍ: ((خُذِي ما يكفيكِ ووَلَدَكِ بالمعروفِ))، فجعل النَّفَقةَ على أبيهم دونها، ولا خِلافَ في هذا نَعلَمُه). ((المغني)) (8/216).
  15. (15) قال القرطبي: (أجمع العُلَماءُ على أنَّ على المرءِ نَفَقةَ وَلَدِه الأطفالِ الذين لا مالَ لهم). ((تفسير القرطبي)) (3/163).
  16. (16) قال ابنُ تيميَّةَ: (يجِبُ على الرَّجُلِ أن يُنفِقَ على وَلَدِه وبهائِمِه وزَوجتِه، بإجماعِ المُسلمِين). ((مجموع الفتاوى)) (8/535).
  17. (17) قال ابنُ القَيِّمِ: (فيه دليلٌ على تفَرُّدِ الأبِ بنَفَقةِ أولادِه، ولا تشاركُه فيها الأمُّ، وهذا إجماعٌ من العُلَماءِ إلَّا قولًا شاذًّا لا يُلتَفَتُ إليه: أنَّ على الأمِّ من النَّفَقةِ بقَدرِ مِيراثِها). ((زاد المعاد)) (5/448).
  18. (18) ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (11/245).
  19. (19) قال ابنُ قُدامةَ: (يُشتَرَطُ لوُجوبِ الإنفاقِ ثلاثةُ شُروطٍ: أحَدُها: أن يكونوا فُقَراءَ‏ لا مالَ لهم ولا كَسْبَ يستغنون به عن إنفاقِ غيرهم؛ فإن كانوا مُوسِرين بمالٍ أو كَسبٍ يستغنون به‏ فلا نَفَقةَ لهم؛ لأنها تجِبُ على سبيلِ المواساةِ، والمُوسِرُ مُستغنٍ عن المواساةِ. الثاني: أن يكونَ لِمن تجِبُ عليه النَّفَقةُ ما يُنفِقُ عليهم‏ فاضِلًا عن نَفَقةِ نَفْسِه؛ إمَّا من مالِه، وإمَّا من كَسْبِه، فأمَّا من لا يَفضُلُ عنه شيءٌ فليس عليه شيءٌ... الثالِثُ‏:‏ أن يكونَ المنفِقُ وارِثًا؛ لِقَولِ الله تعالى‏:‏وَعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ). ((المغني)) (8/ 168). وينظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (5/302)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/588)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (8/346).
  20. (20) نَصَّ الحَنَفيَّةُ على أنَّ الولَدَ الذَّكَرَ إذا بلغ حَدَّ الكَسْبِ فلا تجِبُ عليه النَّفَقةُ، وإن لم يَبلُغِ الحُلُمَ. ((المبسوط)) للسرخسي (5/163)، ((البحر الرائق)) (4/219)، ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (3/612).
  21. (21) ((مواهب الجليل)) (5/588)، ((منح الجليل)) (4/416).
  22. (22) ((منهاج الطالبين)) (ص: 265) ((نهاية المحتاج)) (7/220)، ((مغني المحتاج)) (3/448).
  23. (23) ((كشاف القناع)) (5/481)، ((شرح منتهى الإرادات)) (3/238)، ((مطالب أولي النهى)) (5/643).
  24. (24) ((شرح منتهى الإرادات)) (3/238) ((مطالب أولي النهى)) (5/643).
  25. (25) كالعَجزِ والمرَضِ.
  26. (26) ((المبسوط)) للسرخسي (5/163)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/ 64)، ((البحر الرائق)) (4/219)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 563).
  27. (27) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (2/ 628،629)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني)) (4/ 465)، ((مواهب الجليل)) (5/588)، ((منح الجليل)) (4/416).
  28. (28) ((منهاج الطالبين)) (ص: 265)، ((نهاية المحتاج)) (7/220)، ((مغني المحتاج)) (3/448).
  29. (29) اشترط الحنابلةُ اتحادَ الدِّينِ لوُجوبِ النَّفَقةِ. ((المبدع شرح المقنع)) لبرهان الدين بن مفلح (8/ 190)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/ 483).
  30. (30) ((المبدع شرح المقنع)) (8/ 189).
  31. (31) ((نهاية المحتاج)) (7/220)، ((مغني المحتاج)) (3/448).
  32. (32)   أمَّا إذا كان عندها مالٌ فلا يجِبُ الإنفاقُ عليها. ينظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) (5/302)، ((الدر المختار للحصكفى وحاشية ابن عابدين)) (3/612)، ((مواهب الجليل)) (5/588)، ((المغني)) لابن قدامة (8 / 168).
  33. (33) ((المبسوط)) (5/163)، ((البحر الرائق)) (4/219) ((الفتاوى الهندية)) (1/563).
  34. (34) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (2/ 628)، ((مواهب الجليل)) (5/588)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (2/524)، ((منح الجليل)) لعليش (4/ 416).
  35. (35) ((تحفة المحتاج)) (8/347)، ((مغني المحتاج)) (3/448).
  36. (36) أوجبها الحنابِلةُ للصَّحيحِ المكَلَّفِ الذي لا حِرفةَ له لسَبَبِ فَقْرِه، وهذا يَشمَلُ البِنتَ البالغةَ المحتاجةَ التي لم تتزوَّجْ؛ لأنَّ بعد الزَّواجِ تجِبُ نَفَقتُها على زَوجِها. ((شرح منتهى الإرادات)) (3/239)، ((غاية المنتهى في جمع الإقناع والمنتهى)) (2/389). وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (8/215).
  37. (37) ((الإشراف على نكت مسائل الخلاف)) للقاضي عبد الوهاب (2/ 809).
  38. (38) ((المبسوط)) (5/163).