الفصل الأول: المَبيتُ بمِنًى لياليَ أيَّام التَّشْريق
المبحث الأوَّل: المَبيتُ بمِنًى لياليَ أيَّام التَّشْريق، وما يلزَمُ مِنْ تَرْكِهالمطلب الأوَّل: حُكْمُ المَبيتِ بمِنًى لياليَ أيَّام التَّشْريق الفرع الأول: حُكْمُ المَبيتِ بمِنًى لياليَ أيَّام التَّشْريقالمبيتُ بمِنًى في ليالي أيَّام التَّشْريق
واجبٌ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ
: المالكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة 1- أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم باتَ في مِنًى وقد قال:
((لِتَأخُذوا مناسِكَكم ))
2- عن
عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت:
((أفاض رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن آخِرِ يَومِه حين صلَّى الظُّهرَ، ثم رجَعَ إلى مِنًى، فمكَثَ بها لياليَ أيَّام التَّشْريق ))
3- عن
ابن عمر رضي الله عنهما قال: (استأذن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن لهـ)
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ كلمةَ (رخَّصَ) تدلُّ على أنَّ الأصلَ الوُجوبُ؛ لأنَّ الرُّخصةَ لا تقالُ إلَّا في مقابِلِ أمرٍ واجبٍ وعزيمةٍ
ثانيًا: مِنَ الآثارِعَنِ
ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه:
((لا يَبيتَنَّ أحَدٌ مِنَ الحاجِّ مِنْ وراءِ العَقَبةِ، وكان يُوكِلُ بذلك رجالًا، لا يتركونَ أحدًا مِنَ الحاجِّ يَبيتُ مِن وراءِ العَقَبةِ إلَّا أدخَلُوه
))
الفرع الثاني: ما يلزَمُ مَن تَرَكَ مبيتِ ليلةٍ واحدةٍ بمِنًى مَن تَرَكَ بياتَ ليلةٍ واحدةٍ في مِنًى؛ فلا دَمَ عليه
، وهو روايةٌ عن
الإمامِ أحمَدَ
، واختيارُ
ابنِ باز
، و
ابنِ عُثيمين
؛ وذلك لأنَّه لم يترُكِ النُّسُكَ كُلَّه، فالليلةُ ليسَتْ نُسُكًا بمفرَدِها
الفرع الثالث: حُكْمُ التعجُّلِ وما يترتَّبُ عليه يجوز التعجُّلُ، ومن تعجَّلَ فليس عليه سوى مَبيتِ ليلتينِ فقط، ويسقُطُ عنه المبيتُ، ورَمْيُ الجمرةِ لليومِ الثَّالثَ عَشَر.
الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابقولُه تعالى:
وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أيَّام مَّعْدُودَاتٍ
فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى
[البقرة: 203] ثانيًا: مِنَ السُّنَّةعن عبدِ الرَّحمنِ بنِ يَعْمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أيَّام مِنًى ثلاثةٌ: فمَنْ تعجَّلَ في يومينِ فلا إثمَ عليه، ومَنْ تأخَّرَ فلا إثمَ عليه ))
ثالثًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك
الماورديُّ
، و
ابنُ قُدامة
،
والنوويُّ
مسألة: المُفاضَلةُ بين التعَجُّلِ والتأخُّرِ في المبيتِ بمِنًىالتأخُّرُ إلى ثالثِ أيَّام التَّشْريق أفضَلُ مِنَ التعَجُّلِ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
الأدلَّة: أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةعن
عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت:
((أفاض رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن آخِرِ يَومِه حين صلَّى الظُّهرَ، ثم رجَعَ إلى مِنًى، فمكَثَ بها لياليَ أيَّام التَّشْريق يَرمي الجَمرةَ، إذا زالتِ الشَّمْسُ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يتعجَّلْ، فكان الاقتداءُ بفِعْلِه أَوْلى
ثانيًا: أنَّ المقامَ مَقامُ كَمالٍ؛ أمَّا التعجيلُ فهو رخصةٌ، وفيه ترَفُّهٌ بتَرْكِ بعضِ الأعمالِ
المطلب الثاني: حُكْمُ المتعَجِّل إذا غربَتْ عليه الشَّمْسُ ثانيَ أيَّام التَّشْريقإذا غَربتِ الشَّمسُ على المتعجِّلِ وهو بمِنًى؛ لَزِمَه المبيتُ والرَّميُ مِنَ الغَدِ، وهذا مذهَبُ الجُمهوِر: المالكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
، وهو روايةٌ عن
أبي حنيفةَ
، وهو قَولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابقال اللهُ تعالى:
فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة: 203] وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ اليومَ اسمٌ للنَّهارِ دون الليلِ، فيكون مَن أدرَكَه الليلُ لم يتعجَّلْ في يومينِ، فإنَّ
في للظَّرفيَّة، ولا بدَّ أن يكون أوسَعَ مِنَ المظروفِ، وعليه فلا بدَّ أن يكون الخروجُ في نفسِ اليومينِ
ثانيًا: عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ يَعْمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((أيَّام مِنًى ثلاثةٌ، فمَنْ تعجَّلَ في يومينِ فلا إثمَ عليه، ومن تأخَّرَ فلا إثمَ عليه ))
ثالثًا: مِنَ الآثارِ1- عن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((من أدرَكَه المساءُ في اليومِ الثَّاني بمِنًى؛ فليُقِمْ إلى الغَدِ حتى ينفِرَ مع النَّاسِ ))
2- عَنِ
ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه كان يقول:
((مَن غَرَبَتْ عليه الشَّمسُ في أوسَطِ أيَّام التَّشْريق وهو بمِنًى؛ فلا ينفِرْ حتى يرمِيَ الجِمارَ مِنَ الغَدِ))
فرع: إذا غربَتِ الشَّمسُ قبل انفصالِه مِن مِنًى: إذا غربَتِ الشَّمسُ على المتعجِّلِ مِن مِنًى، وهو سائِرٌ فيها قبل انفصالِه منها؛ فإنَّه يجوزُ له التعجُّلُ؛ نصَّ على هذا فقهاءُ الشَّافعيَّة
، واختارَه
ابنُ عُثيمينَ إذا حبَسَه المَسيرُ
؛ لأنَّ ذلك وقَعَ بغيرِ اختيارِه، ولِمَا في تكليفِه مِن حَلِّ الرَّحْلِ والمتاعِ مِنَ المشقَّةِ عليه
المطلب الثالث: بِمَ يحصُلُ المَبيتُ بمِنًى؟يحصُلُ المبيتُ الواجِبُ في مِنًى بأن يمكُثَ فيها أكثَرَ اللَّيلِ، وهو مذهَبُ المالكيَّة
، والشَّافعيَّة في الأصَحِّ
، وذلك لأنَّ مسمَّى المبيتِ لا يحصُلُ إلَّا بمعظَمِ اللَّيلِ
المطلب الرابع: سُقوطُ المَبيتِ عن أصحابِ سِقايةِ الحَجيجِ ورُعاةِ الإبِلِيَسقُطُ المبيتُ بمِنًى عن أصحابِ سِقايةِ الحَجيجِ ورُعاةِ الإبِلِ
، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ المالكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
الأدلَّة مِنَ السُّنَّة:1- عَنِ
ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ العبَّاسَ رَضِيَ اللهُ عنه استأذَنَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يبيتَ بمكَّةَ لياليَ مِنًى؛ من أجلِ سقايَتِه؛ فأذِنَ له
2- حديث عاصم بن عدي رضي الله عنه: رخَّصَ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِرِعاءِ الإبِلِ في البيتوتةِ: أن يَرْمُوا يومَ النَّحرِ
المطلب الخامس: حُكْمُ المبيتِ خارِجَ مِنًى بسببِ أعذارٍ أخرى غيرِ سِقايَةِ الحجيجِ ورَعْيِ الإبِلِ يجوزُ المبيتُ خارجَ مِنًى، لِمَن كان له عذرٌ آخَرُ غيرُ السِّقايةِ والرَّعيِ، وتسقُطُ عنه الفديةُ، والإثمُ، وذهب إلى ذلك الشَّافعيَّة
، وبعضُ الحَنابِلَة
، وهو اختيارُ
ابنِ باز
، و
ابنِ عُثيمين
؛ وذلك لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رخَّصَ لأصحابِ سِقايةِ الحَجيجِ، ورُعاةِ الإبلِ؛ تنبيهًا على غيرِهم، فوجَبَ إلحاقُهم بهم لوجودِ المعنى فيهم
المطلب السادس: حُكْمُ المبيتِ بمِنًى لِمَن لم يجِدْ مكانًا مناسِبًا فيهااختلف أهلُ العِلمِ في حُكْمِ من لم يجِدْ مكانًا مناسِبًا
للمبيتِ في مِنًى، على قولينِ:
القول الأوّل: يجِبُ عليه أن يبيتَ في أقرَبِ مكانٍ يلي مِنًى، وهو قولُ
ابنِ عُثيمين
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتاب1- قوله تعالى:
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286] 2- قوله سبحانه:
وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78] ثانيًا: قياسًا لامتلاءِ مِنًى على امتلاءِ المسجِدِ؛ فإنَّ المسجِدَ إذا امتلأ وجَبَ على النَّاسِ أن يُصَلُّوا حَولَه لتتَّصِلَ الصُّفوفُ، حتى يكُونوا جماعةً واحدةً، والمبيتُ نظيرُ هذا
ثالثًا: المقصودُ مِنَ المبيتِ أن يكون النَّاسُ مُجتمعينَ أمَّةً واحدةً، فالواجِبُ أن يكونَ الإنسانُ عند آخِرِ خيمةٍ حتى يكونَ مع الحجيجِ
القول الثاني: له أن يبيتَ خارِجَ مِنًى في مزدلفةَ أو العزيزيَّةِ أو غيرِهما، ولا شيءَ عليه، وهو قولُ
ابنِ باز
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابقولُه تعالى:
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ
[التغابن: 16] ثانيًا: مِنَ السُّنَّةقولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إذا أمرْتُكم بأمرٍ فأْتُوا منه ما استطَعْتُم ))
والحاجُّ إذا اجتهَدَ في التماسِ مكانٍ في مِنًى ليبيتَ فيه لياليَ مِنًى فلم يجِدْ شيئًا؛ فلا حَرَجَ عليه أن ينزِلَ في خارِجِها
المبحث الثاني: ذِكْرُ اللهِ عزَّ وجلَّ في أيَّام مِنًى يُسنُّ ذِكْرُ اللهِ عزَّ وجلَّ في أيَّام مِنًى.
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:عن نُبَيشةَ الهُذَليِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أيَّام التَّشْريق أيَّام أكلٍ وشُربٍ وذِكْرٍ للهِ عَزَّ وجَلَّ ))