الموسوعة الفقهية

الفصل الأول: المَبيتُ بمِنًى لياليَ أيَّام التَّشْريق


المبحث الأوَّل: المَبيتُ بمِنًى لياليَ أيَّام التَّشْريق، وما يلزَمُ مِنْ تَرْكِه
المطلب الأوَّل: حُكْمُ المَبيتِ بمِنًى لياليَ أيَّام التَّشْريق
الفرع الأول: حُكْمُ المَبيتِ بمِنًى لياليَ أيَّام التَّشْريق
المبيتُ بمِنًى في ليالي أيَّام التَّشْريق [3202])) أيَّام التَّشْريق هي: اليومُ الحاديَ عشَرَ، والثاني عشَرَ، والثالثَ عَشَرَ من ذي الحِجَّة، قال ابن عَبدِ البَرِّ: (فأيَّام مِنًى ثلاثةٌ بإجماع، وهي أيَّام التَّشْريق، وهي الأيَّام المعدودات، فقِفْ على ذلك) ((التمهيد)) (21/233)، وانظر: (12/129). واجبٌ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ قال ابن عَبدِ البَرِّ: (لا أعلمُ أحدًا أرخَصَ في المبيتِ عن مِنًى لياليَ مِنًى للحاجِّ، إلَّا الحسَنَ البصريَّ، ورواية رواها عِكرمةُ عنِ ابن عباس) ((التمهيد)) (17/262). وقال: (أجمَعَ الفقهاءُ على أنَّ المبيتَ للحاجِّ- غيرَ الذينَ رُخِّصَ لهم لياليَ مِنًى- بمِنًى؛ مِن شعائِرِ الحَجِّ ونُسُكِه) ((التمهيد)) (17/263). وقال القرطبي: (ولا تجوز البيتوتةُ بمكَّةَ وغَيرِها عن مِنًى لياليَ التَّشْريق، فإنَّ ذلك غيرُ جائزٍ عند الجميعِ إلَّا للرِّعاءِ، ولِمَن وَلِيَ السِّقايةَ مِن آلِ العَبَّاس) ((تفسير القرطبي)) (3/7). : المالكيَّة [3204])) ((الكافي)) لابن عَبدِ البَرِّ (1/375-376)، ويُنظر: ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/138). ، والشَّافعيَّة [3205])) ((المجموع)) للنووي (8/247)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/505). ، والحَنابِلَة [3206])) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/35،44)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/510،521).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
1- أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم باتَ في مِنًى وقد قال: ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم )) رواه مسلم (1297) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((أفاض رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن آخِرِ يَومِه حين صلَّى الظُّهرَ، ثم رجَعَ إلى مِنًى، فمكَثَ بها لياليَ أيَّام التَّشْريق )) رواه أبو داود (1973)، وأحمد (24636) جوَّد إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/342)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1973): صحيح إلا قوله: (حين صلى الظهر) فهو منكر.
3- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (استأذن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له) رواه البخاري (1634) واللفظ له، ومسلم (1315)
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ كلمةَ (رخَّصَ) تدلُّ على أنَّ الأصلَ الوُجوبُ؛ لأنَّ الرُّخصةَ لا تقالُ إلَّا في مقابِلِ أمرٍ واجبٍ وعزيمةٍ [3210])) ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/389-390)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (23/241).
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه: ((لا يَبيتَنَّ أحَدٌ مِنَ الحاجِّ مِنْ وراءِ العَقَبةِ، وكان يُوكِلُ بذلك رجالًا، لا يتركونَ أحدًا مِنَ الحاجِّ يَبيتُ مِن وراءِ العَقَبةِ إلَّا أدخَلُوه [3211])) قال ابن عَبدِ البَرِّ: (والنظَرُ يوجِبُ على كلِّ مُسقِطٍ لنُسُكِه دمًا؛ قياسًا على سائِرِ شعائِرِ الحَجِّ ونُسُكِه، وأحسَنُ ما في هذا الباب ما رواه مالك عن نافع عن ابنِ عُمَرَ، قال: قال عمر: (لا يَبيتَنَّ أحَدٌ مِنَ الحاجِّ مِنْ وراءِ العَقَبةِ، وكان يُوكِلُ بذلك رجالًا، لا يتركونَ أحدًا مِنَ الحاجِّ يَبيتُ مِن وراءِ العَقَبةِ إلَّا أدخَلُوه). وهذا يدلُّ على أنَّ المبيتَ من مُؤَكَّدات أمورِ الحج، والله أعلم) ((التمهيد)) (17/263). )) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/595)، والبيهقي (9972). قال ابن عَبدِ البَرِّ في ((التمهيد)) (17/263): (أحسن ما في هذا الباب)، وقال ابن حزم في ((المحلى)) (7/185): (صح هذا عنه رضي الله عنه، وعنِ ابنِ عبَّاسٍ مثلُ هذا)، وصحَّحَ إسنادَه ابنُ حجر في ((الدراية)) (2/29).
الفرع الثاني: ما يلزَمُ مَن تَرَكَ مبيتِ ليلةٍ واحدةٍ بمِنًى
مَن تَرَكَ بياتَ ليلةٍ واحدةٍ في مِنًى؛ فلا دَمَ عليه وإذا تَرَكَ مبيتَ ليلةٍ فعليه عن ذلك صدقةٌ بما يتيسَّرَ، مع التوبة والاستغفارِ عمَّا حصل منه من الخَلَلِ والتعجُّل في غيرِ وقته، وإن فدى عن ذلك كان أحوَطَ؛ لِمَا فيه من الخروجِ من الخلاف؛ لأنَّ بعض أهل العلم يرى عليه دمًا بترك ليلةٍ واحدةٍ من ليلَتَيِ الحادي عشر والثاني عشر بغيرِ عُذرٍ شرعيٍّ. ينظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/386)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (23/239).. ، وهو روايةٌ عن الإمامِ أحمَدَ ((الإنصاف)) للمرداوي (4/36)، (3/323). ، واختيارُ ابنِ باز ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/386). ، وابنِ عُثيمين سُئل ابن عُثيمين: والدتي عجوزٌ ووكَّلتني برميِ الجِمارِ، ولم تبِتْ بمِنًى البارحةَ، واليومَ هي موجودةٌ بمِنًى، فهل عليها شيءٌ لعَدَمِ مبيتها البارحةَ؟ فأجاب بقوله: (ليس عليها إلَّا أن تتصَدَّقَ بأقلَّ ما يسمَّى صدقةً؛ يعني: بعشرةِ ريالاتٍ أو ثلاثةِ ريالات؛ لأنَّها لم تترك النُّسُكَ كُلَّه؛ فهي تركت ليلةً من ليلتينِ، هذا هو القول الراجح، وبعض العلماء يقول: عليها فِديةٌ؛ شاةٌ تُذبَحُ وتوزَّعُ على الفقراءِ، لكن لا وَجْهَ لهذا) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (23/239). وقال أيضًا: (وأن تتصَدَّقوا عن تَرْكِ المبيتِ ليلة الثاني عشر بمِنًى، ويكون ذلك بمكَّةَ يوزَّعُ على الفقراء) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (23/245). ؛ وذلك لأنَّه لم يترُكِ النُّسُكَ كُلَّه، فالليلةُ ليسَتْ نُسُكًا بمفرَدِها ((الإنصاف)) للمرداوي (4 / 36)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (23/239).
الفرع الثالث: حُكْمُ التعجُّلِ وما يترتَّبُ عليه
يجوز التعجُّلُ، ومن تعجَّلَ فليس عليه سوى مَبيتِ ليلتينِ فقط، ويسقُطُ عنه المبيتُ، ورَمْيُ الجمرةِ لليومِ الثَّالثَ عَشَر.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قولُه تعالى: وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أيَّام مَّعْدُودَاتٍ [3218])) قال ابن عَبدِ البَرِّ: (لا خلافَ بين العلماء أنَّ أيَّام مِنًى هي الأيَّام المعدوداتُ التي ذَكَرَ الله عز وجل في قوله: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أيَّام مَعْدُودَاتٍ **البقرة: 203** وهي أيَّام التَّشْريق، وأن هذه الثلاثةَ الأسماءِ واقعةٌ عليها... وأيَّام مِنًى هي أيَّام رمي الجِمار بمِنًى، وهي واقعةٌ بإجماعٍ على الثَّلاثة الأيَّام التي يتعجَّلُ الحاجُّ منها في يومين بعد يومِ النَّحر) ((التمهيد)) (21/233). قال النووي: (وكذا نقل القاضي أبو الطيب والعبدري وخلائقُ، إجماعَ العلماءِ على أنَّ المعدوداتِ هي أيَّام التَّشْريق) ((المجموع)) (8/381). وقال الجصاص: (لا خلاف بين أهل العلم، أنَّ المعدوداتِ أيَّام التَّشْريق) ((أحكام القرآن)) (1/393). وقال ابن كثير: (والقولُ الأول هو المشهور، وعليه دلَّ ظاهِرُ الآية الكريمة؛ حيث قال: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ **البقرة: 203** فدلَّ على ثلاثةٍ بعدَ النَّحْرِ) ((تفسير ابن كثير)) (1/561). قال ابن العربي: (ولو كان يومُ النَّحرِ معدودًا منها لاقتضى مُطلَقُ هذا القولِ لِمَن نفر في يوم ثاني النَّحرِ؛ أن ذلك جائز، ولا خلاف أنَّ ذلك ليس له، فتبيَّنَ أنَّه غيرُ معدودٍ فيها لا قرآنًا ولا سنَّةً، وهذا مُنتهًى بديعٌ) ((أحكام القرآن)) (1/270). فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى قال ابن حزم: (الأيَّام المعدوداتُ والمعلوماتُ واحدةٌ, وهي يومُ النَّحر, وثلاثةُ أيَّام بعده؛ لقول الله تعالى: وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أيَّام مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ **البقرة: 1203**، والتعجيلُ المذكورُ والتَّأخيرُ المذكورُ؛ إنما هو بلا خلافٍ مِن أحدٍ في أيَّام رميِ الجِمار) ((المحلى)) (7/275). [البقرة: 203]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّة
عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ يَعْمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أيَّام مِنًى ثلاثةٌ: فمَنْ تعجَّلَ في يومينِ فلا إثمَ عليه، ومَنْ تأخَّرَ فلا إثمَ عليه )) رواه أبو داود (1949)، والترمذي (889، 2975)، والنسائي (3044)، وابن ماجه (3015)، وأحمد (18796) قال الترمذي: حسنٌ صحيح، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/209)،، وقال ابنُ عَبْدِ البَرِّ في ((الاستذكار)) (3/638): (لا أشرَفَ ولا أحسَنَ من هذا)، وصحَّحه النووي في ((المجموع)) (8/95)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/230).
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك الماورديُّ قال الماوردي: (فإنْ نَفَرَ في اليومِ الأوَّلِ كان جائزًا وسَقَطَ عنه المبيتُ بمِنًى في ليلَتِه، وسقَطَ عنه رَمْيُ الجِمارِ من غَدِه، وأصلُ ذلك الكتابُ والسنَّة، وإجماعُ الأمَّة) ((الحاوي الكبير)) (4/199). ، وابنُ قُدامة قال ابن قُدامة: (أجمع أهلُ العلمِ على أنَّ من أراد الخُروجَ من مِنًى شاخصًا عن الحرم، غيرَ مقيمٍ بمكَّة- أن ينفِرَ بعد الزَّوالِ في اليومِ الثَّاني من أيَّام التَّشْريق) ((المغني)) (3/401). قال شمس الدين ابن قُدامة: (والمَذهَبُ جوازُ النَّفْرِ في النَّفْرِ الأوَّلِ لكُلِّ أحدٍ، وهو قولُ عامَّةِ العلماء؛ لقول الله تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ قال عطاء: (هي للنَّاسِ عامة) ((الشرح الكبير)) (3/483). ، والنوويُّ قال النووي: (قال الشافعي والأصحاب: يجوز النفر في اليوم الثَّاني من التَّشْريق، ويجوز في الثَّالث، وهذا مجمَعٌ عليه؛ لقوله تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ **البقرة: 203**) ((المجموع)) للنووي (8/249).
مسألة: المُفاضَلةُ بين التعَجُّلِ والتأخُّرِ في المبيتِ بمِنًى
التأخُّرُ إلى ثالثِ أيَّام التَّشْريق أفضَلُ مِنَ التعَجُّلِ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (4/ 256)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 138). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/ 249)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 506). ، والحَنابِلَة ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 179)، ويُنظر: ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (3/ 282).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((أفاض رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن آخِرِ يَومِه حين صلَّى الظُّهرَ، ثم رجَعَ إلى مِنًى، فمكَثَ بها لياليَ أيَّام التَّشْريق يَرمي الجَمرةَ، إذا زالتِ الشَّمْسُ )) رواه أبو داود (1973)، وأحمد (24636) جوَّد إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/342)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1973): صحيح إلا قوله: (حين صلى الظهر) فهو منكر.
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يتعجَّلْ، فكان الاقتداءُ بفِعْلِه أَوْلى ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/199). قال ابن حزم: (ذَكَرْنا أنه عليه السَّلامُ كان يرمي الجمرةَ في أيَّام مِنًى بعد الزَّوال، وذلك اليومُ هو آخِرُ أيَّام مِنًى، وهو الثالثُ من أيَّام التَّشْريق، وهو الثالثَ عَشَرَ من ذي الحِجَّةِ بلا خلاف في شيءٍ من ذلك، وإذا كان يومُ عَرفةَ يومَ الجمعةِ فيومُ النَّفْرِ هو يومُ الثَّلاثاءِ بلا شكٍّ) ((حجة الوداع)) (ص: 220).
ثانيًا: أنَّ المقامَ مَقامُ كَمالٍ؛ أمَّا التعجيلُ فهو رخصةٌ، وفيه ترَفُّهٌ بتَرْكِ بعضِ الأعمالِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/199).
المطلب الثاني: حُكْمُ المتعَجِّل إذا غربَتْ عليه الشَّمْسُ ثانيَ أيَّام التَّشْريق
إذا غَربتِ الشَّمسُ على المتعجِّلِ وهو بمِنًى؛ لَزِمَه المبيتُ والرَّميُ مِنَ الغَدِ، وهذا مذهَبُ الجُمهوِر: المالكيَّة لكنَّ الشَّرط عند المالكيَّة هو نيَّة الخروج من مِنًى قبل الغروب، وفي ذلك يقول الدسوقي: (الحاصِلُ أنَّ المقتضي لوجوبِ بيات الليلة الثالثة وعَدَمِ وجوب بياتِها؛ قصْدُ التعجيلِ وعدمُ قَصْدِه، فإنْ قَصَدَ التعجيلَ فلا يلزَمُه بياتٌ بها، وإن لم يقصِدِ التعجيلَ لَزِمَه البياتَ بها) ((حاشية الدسوقي)) (2/49)، ((مواهب الجليل)) (4/188)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (2/49)، وينظر: ((الذخيرة)) (3/281)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (12/224). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/283)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/310). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/591) ،ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/401). ، وهو روايةٌ عن أبي حنيفةَ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (2/34). ، وهو قَولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ قال ابن المنذر: (وثبت أنَّ عُمَرَ بنَ الخطاب قال: من أدركَه المساءُ في اليومِ الثاني بمِنًى فليُقِمْ إلى الغَدِ حتى ينفِرَ مع النَّاس، وهكذا قال ابن عمر، وجابر ابن زيد، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وأبان بن عثمان، والنخعي، ومالك، وأهل المدينة، والثوري، وأهل العراق، والشافعي، وأصحابه، وأحمد، وإسحاق) ((الإشراف)) (3/373)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (8/284)، ((المغني)) لابن قُدامة (3/401)
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قال اللهُ تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة: 203]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اليومَ اسمٌ للنَّهارِ دون الليلِ، فيكون مَن أدرَكَه الليلُ لم يتعجَّلْ في يومينِ، فإنَّ في للظَّرفيَّة، ولا بدَّ أن يكون أوسَعَ مِنَ المظروفِ، وعليه فلا بدَّ أن يكون الخروجُ في نفسِ اليومينِ ((المجموع)) للنووي (8/283)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/591)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/361).
ثانيًا: عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ يَعْمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أيَّام مِنًى ثلاثةٌ، فمَنْ تعجَّلَ في يومينِ فلا إثمَ عليه، ومن تأخَّرَ فلا إثمَ عليه )) رواه أبو داود (1949)، والترمذي (889، 2975)، والنسائي (3044)، وابن ماجه (3015)، وأحمد (18796) قال الترمذي: حسنٌ صحيح، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/209)،، وقال ابنُ عَبْدِ البَرِّ في ((الاستذكار)) (3/638): (لا أشرَفَ ولا أحسَنَ من هذا)، وصحَّحه النووي في ((المجموع)) (8/95)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/230).
ثالثًا: مِنَ الآثارِ
1- عن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((من أدرَكَه المساءُ في اليومِ الثَّاني بمِنًى؛ فليُقِمْ إلى الغَدِ حتى ينفِرَ مع النَّاسِ )) ذكره ابن قُدامة في ((المغني)) (3/401)، والنووي في ((المجموع)) (8/284). وصححه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/310)
2- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه كان يقول: ((مَن غَرَبَتْ عليه الشَّمسُ في أوسَطِ أيَّام التَّشْريق وهو بمِنًى؛ فلا ينفِرْ حتى يرمِيَ الجِمارَ مِنَ الغَدِ)) أخرجه مالك في ((الموطأ)) (3/596)؛ والبيهقي (5/152). قال النووي في ((المجموع)) (8/284): (ثابت عن عمر).
فرع: إذا غربَتِ الشَّمسُ قبل انفصالِه مِن مِنًى:
إذا غربَتِ الشَّمسُ على المتعجِّلِ مِن مِنًى، وهو سائِرٌ فيها قبل انفصالِه منها؛ فإنَّه يجوزُ له التعجُّلُ؛ نصَّ على هذا فقهاءُ الشَّافعيَّة قال النووي: (لو رحل فغربت الشمسُ وهو سائر في مِنًى قبل انفصالِه منها؛ فله الاستمرارُ في السَّير، ولا يلزَمُه المبيتُ ولا الرمي، هذا هو المذهَبُ، وبه قطع الجماهيرُ) ((المجموع)) (8/250، 249)، وينظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/506). ، واختارَه ابنُ عُثيمينَ إذا حبَسَه المَسيرُ قال ابن عُثيمين: (لو أنَّ جماعةً حلُّوا الخيامَ وحملوا العفش وركبوا، ولكنْ حَبَسَهم المسيرُ؛ لكثرة السياراتِ، فغَرَبَتْ عليهم الشمسُ قبل الخروجِ من مِنًى، فلهم أن يستمِرُّوا في الخروج؛ لأنَّ هؤلاء حُبِسوا بغيرِ اختيارٍ منهم) ((الشرح الممتع)) (7/361)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (23/296). ؛ لأنَّ ذلك وقَعَ بغيرِ اختيارِه، ولِمَا في تكليفِه مِن حَلِّ الرَّحْلِ والمتاعِ مِنَ المشقَّةِ عليه ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/310)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/361).
المطلب الثالث: بِمَ يحصُلُ المَبيتُ بمِنًى؟
يحصُلُ المبيتُ الواجِبُ في مِنًى بأن يمكُثَ فيها أكثَرَ اللَّيلِ، وهو مذهَبُ المالكيَّة [3242] ((الشرح الكبير)) للدردير (2/49)، ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/815). ، والشَّافعيَّة في الأصَحِّ [3243] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/505)، ((المجموع)) للنووي (8/247). ، وذلك لأنَّ مسمَّى المبيتِ لا يحصُلُ إلَّا بمعظَمِ اللَّيلِ [3244] ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/309)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/163).
المطلب الرابع: سُقوطُ المَبيتِ عن أصحابِ سِقايةِ الحَجيجِ ورُعاةِ الإبِلِ
يَسقُطُ المبيتُ بمِنًى عن أصحابِ سِقايةِ الحَجيجِ ورُعاةِ الإبِلِ [3245] قال ابن عَبدِ البَرِّ: (فغيرُ جائزٍ عند الجميعِ إلَّا للرِّعاءِ، على ما في حديثِ أبي البداح هذا عن أبيه، ولِمَنْ وَلِيَ السِّقايةَ من آل العباس، ولا خلافَ بين العلماء أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَنَّ في حَجَّتِه المبيتَ بمِنًى ليالي التَّشْريق، وكذلك قال جماعةٌ من أهل العلم، منهم مالك وغيره: أنَّ الرُّخصةَ في المبيت عن مِنًى ليالي مِنًى إنَّما ذلك للرِّعاءِ وللعبَّاسِ ووَلَدِه خاصةً؛ فإنَّ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولَّاهم عليها، وأَذِنَ لهم في المبيتِ بمكَّةَ من أجلِ شُغْلِهم في السقاية، وكان العباسُ ينظُرُ في السِّقايةِ ويقومُ بأمرِها ويسقي الحاجَّ شرابَها أيَّام الموسمِ، فلذلك أرخَصَ له في المبيتِ عن مِنًى بمكَّةَ، كما أرخَصَ لرِعَاءِ الإبل في المبيت عن مِنًى أيَّام مِنًى في إبِلِهم؛ من أجل حاجَتِهم إلى رَعيِ الإبِلِ وضرورَتِهم إلى الخروجِ بها نحو المراعي التي تبعُدُ عن مِنًى، فلا يجوزُ لأحدٍ غيرِهم ذلك من سائِرِ الحاجِّ) ((التمهيد)) (17/259). ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ المالكيَّة [3246] ((الشرح الكبير)) للدردير (2/49)، ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/815). ، والشَّافعيَّة [3247] ((المجموع)) للنووي (8/247)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/506). ، والحَنابِلَة [3248] ((الفروع)) لابن مفلح (6/61)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/497).
الأدلَّة مِنَ السُّنَّة:
1- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ العبَّاسَ رَضِيَ اللهُ عنه استأذَنَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يبيتَ بمكَّةَ لياليَ مِنًى؛ من أجلِ سقايَتِه؛ فأذِنَ له رواه البخاري (1745) واللفظ له، ومسلم (1315)
2- حديث عاصم بن عدي رضي الله عنه: رخَّصَ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِرِعاءِ الإبِلِ في البيتوتةِ: أن يَرْمُوا يومَ النَّحرِ رواه أبو داود (1975)، والترمذي (955) واللفظ له، والنسائي (3069)، وابن ماجه (3037)، وأحمد (23826)، ومالك في ((الموطأ)) (1/408)، والدارمي (1897)، قال الترمذي: حسن صحيح، وصحَّحه ابنُ عَبْدِ البَرِّ في ((الاستذكار)) (3/651) وابن الملقن في ((الإعلام)) (6/386)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (955)
المطلب الخامس: حُكْمُ المبيتِ خارِجَ مِنًى بسببِ أعذارٍ أخرى غيرِ سِقايَةِ الحجيجِ ورَعْيِ الإبِلِ
يجوزُ المبيتُ خارجَ مِنًى، لِمَن كان له عذرٌ آخَرُ غيرُ السِّقايةِ والرَّعيِ، وتسقُطُ عنه الفديةُ، والإثمُ، وذهب إلى ذلك الشَّافعيَّة [3251] ((المجموع)) للنووي (8/246-248)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/199). ، وبعضُ الحَنابِلَة [3252] ((الفروع)) لابن مفلح (6/61)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/510). ، وهو اختيارُ ابنِ باز [3253] قال ابن باز: (المبيتُ في مِنًى يسقُطُ عن أصحابِ الأعذارِ؛ كالسُّقاةِ، والمريضِ الذي يشقُّ عليه المبيتُ في مِنًى، لكنْ يُشرَع لهم أن يحرصوا في بقيَّةِ الأوقاتِ على المُكْثِ بمِنًى مع الحجَّاجِ؛ تأسيًا بالنبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابِه رضي الله عنهم إذا تيسَّرَ ذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/149). وقال أيضًا: (يُرخَّص للسُّقاةِ والرُّعاةِ والعاملينَ على مصلحةِ الحُجَّاجِ أن يتركوا المبيتَ في مِنًى، ويؤخِّروا الرميَ لليومِ الثَّالثِ إلَّا يومَ النَّحر، فالمشروعُ للجميعِ فِعْلُه وعدمُ تأخيرِه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/149). ، وابنِ عُثيمين [3254] قال ابن عُثيمين: (إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رخَّصَ للعباسِ أن يبيتَ في مكَّة؛ من أجل سقاية الحاجِّ، وهذا عمل عامٌّ، وكذلك رخَّصَ للرُّعاة أن يتركوا المبيتَ بمِنًى؛ لأنَّهم يَرْعَونَ رواحِلَ الحجيج، ويُشْبِه هؤلاءِ مَن يترك المبيتَ لرعايةِ مصالحِ النَّاسِ؛ كالأطباءِ، وجنودِ الإطفاءِ، وما أشبَهَ ذلك، فهؤلاء ليس عليهم مبيتٌ؛ لأن النَّاسَ في حاجةٍ إليهم. وأمَّا مَن بهم عذرٌ خاصٌّ؛ كالمريضِ والمُمَرِّض له، وما أشبه، ذلك فهل يلحقون بهؤلاء؟ على قولينِ للعلماء: فمِنَ العلماءِ من يقول: إنَّهم يُلحقونَ لوجودِ العُذرِ، ومن العلماءِ من يقول: إنهم لا يُلحَقون؛ لأنَّ عُذرَ هؤلاءِ خاصٌّ، وعُذرَ أولئك عامٌّ. والذي يظهرُ لي: أنَّ أصحابَ الأعذارِ يُلحقونَ بهؤلاء؛ كمثل إنسانٍ مريضٍ احتاج أن يرقُدَ في المستشفى هاتين الليلتينِ: إحدى عشرةَ واثنتي عشرةَ؛ فلا حرج عليه، ولا فديةَ؛ لأنَّ هذا عُذرٌ، وكونُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يرخِّصُ للعبَّاسِ رضي الله عنهما مع إمكانِه أن يُنيبَ أحدًا مِن أهلِ مكَّةَ الذين لم يحجُّوا؛ يدلُّ على أنَّ مسألةَ المبيت أمرُها خفيفٌ، يعني: ليس وجوبُها بذلك الوجوبِ المحتَّمِ، حتى إنَّ الإمامَ أحمدَ رحمه الله رأى أنَّ مَن تَرَكَ ليلةً من ليالي مِنًى؛ فإنَّه لا فدية عليه، وإنَّما يتصدَّقُ بشيءٍ، يعني: عشرة ريالات، أو خمسة ريالات، حَسَبَ الحالِ) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (23/237-238). وقال أيضًا: (أهلُ السِّقايةِ، أي: سقايةِ الحُجَّاجِ من زمزمَ، والرعايةِ: رعايةِ إبِلِ الحُجَّاجِ، وذلك أنَّ النَّاس فيما سبق يحجُّونَ على الإبِلِ، فإذا نزلوا في مِنًى احتاجوا إلى من يرعى إبِلَهم؛ لأنَّ بقاءَها في مِنًى فيه تضييقٌ، وربما لا يتوفَّرُ لها العَلَف الكافي؛ لهذا يذهَبُ بها الرُّعاةُ إلى محَلَّاتٍ أخرى من أجلِ الرَّعيِ، وقد رخَّص النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للرُّعاة أن يَدَعُوا المبيتَ بمِنًى لياليَ مِنًى؛ لاشتغالِهم برعايةِ الإبِلِ) ((الشرح الممتع)) (7/390-391). ؛ وذلك لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رخَّصَ لأصحابِ سِقايةِ الحَجيجِ، ورُعاةِ الإبلِ؛ تنبيهًا على غيرِهم، فوجَبَ إلحاقُهم بهم لوجودِ المعنى فيهم ((الشرح الكبير)) لشمس الدين بن قُدامة (3/481).
المطلب السادس: حُكْمُ المبيتِ بمِنًى لِمَن لم يجِدْ مكانًا مناسِبًا فيها
اختلف أهلُ العِلمِ في حُكْمِ من لم يجِدْ مكانًا مناسِبًا على الحاجِّ أن يجتَهِدَ في إيجادِ مكانٍ للمبيتِ في مِنًى، فإن لم يجد مكانًا فلا يلزَمُه المبيتُ على الأرصِفَة، أو في الطُّرُق. سُئِلَ ابن باز عن المكانِ الذي يُجلَس فيه، هل يكون على الأرصفةِ أو السيَّارة؟ فقال: (لا يجلِسْ في مكانٍ خَطَرٍ، إن تيسَّرَ المكانُ المناسِبُ وإلَّا يخرُجْ) ((من شرح ابن باز لبلوغ المرام – منقول من كتاب النوازل في الحج)) لعلي الشلعان (ص: 460). وقال ابن عُثيمين: (فالواجِبُ على الإنسانِ أن يبحَثَ عن مكانٍ في مِنًى قبل أن ينزِلَ في مزدلفةَ، فإذا لم يجِدْ مكانًا فلينزِلْ في مزدلفةَ، ويبقى فيها، ولا يلزَمُه أن يذهَبَ إلى مِنًى يدورُ فيها بسيَّارَتِه معظمَ اللَّيلِ، أو يجلِسَ على الأرصفةِ بين السَّياراتِ، وقد يكون ذلك خطرًا عليه، فنقول: إذا لم تَجِدْ مكانًا في مِنًى، فاجلِسْ في مزدلفةَ، عند منتهى الخيامِ، ولا يلزَمُك شيءٌ، ما دُمتَ بحثْتَ عن مكانٍ ولم تجِدْ؛ لأنَّ اللهَ تعالى لا يكَلِّفُ نفسًا إلَّا وُسْعَها) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عُثيمين)) (23/241). للمبيتِ في مِنًى، على قولينِ:
القول الأوّل: يجِبُ عليه أن يبيتَ في أقرَبِ مكانٍ يلي مِنًى، وهو قولُ ابنِ عُثيمين قال ابن عُثيمين: (إذا لم يجِدِ الإنسانُ مكانًا في مِنًى فلينزِل حيث انتهَتِ الخيامُ، أمَّا إذا كان يجِدُ مكانًا فإنَّ الواجِبَ أن يبيتَ فيها) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (23/240). وقال أيضًا: (سُئِلْتُ عن الحاجِّ لا يجِدُ مكانًا في مِنًى، هل يُجْزِئُه أن يبيتَ خارِجَ مِنًى؟ فأجبتُ: بأنَّه لا حَرَجَ عليه أن يبيتَ خارِجَ مِنًى، لكنْ يكونُ مَنْزِله متَّصلًا بمنازِلِ الحُجَّاجِ؛ لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وقوله: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وقوله: يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ولكن يكون منزلُه متصلًا بمنازِلِ الحجَّاج، كالجماعةِ، إذا امتلأَ المسجِدُ يصُفُّونَ عند نهايةِ الصُّفوفِ، ويكون لهم حُكْمُ المُصَلِّينَ داخِلَ المسجِدِ) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (23/240).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
1- قوله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286]
2- قوله سبحانه: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78]
ثانيًا: قياسًا لامتلاءِ مِنًى على امتلاءِ المسجِدِ؛ فإنَّ المسجِدَ إذا امتلأ وجَبَ على النَّاسِ أن يُصَلُّوا حَولَه لتتَّصِلَ الصُّفوفُ، حتى يكُونوا جماعةً واحدةً، والمبيتُ نظيرُ هذا ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عُثيمين)) (23/254).
ثالثًا: المقصودُ مِنَ المبيتِ أن يكون النَّاسُ مُجتمعينَ أمَّةً واحدةً، فالواجِبُ أن يكونَ الإنسانُ عند آخِرِ خيمةٍ حتى يكونَ مع الحجيجِ ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عُثيمين)) (23/254).
القول الثاني: له أن يبيتَ خارِجَ مِنًى في مزدلفةَ أو العزيزيَّةِ أو غيرِهما، ولا شيءَ عليه، وهو قولُ ابنِ باز قال ابن باز: (المبيتُ في مِنًى واجِبٌ مِن واجباتِ الحَجِّ على كلِّ حاجٍّ مع القدرةِ، إلَّا السُّقاةَ والرُّعاةَ، ومَنْ في حُكْمِهما، فمن عجز عن ذلك فلا شيءَ عليه؛ لقوله الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ **التغابن: 16** وبذلك يُعلَمُ أنَّ مَن لم يجِدْ مكانًا في مِنًى، فله أن ينزِلَ خارِجَها في مزدلفةَ والعزيزيَّة أو غيرِهما) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/363).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قولُه تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ قال ابنُ باز: (إذا اجتهَدَ الحاجُّ في التماسِ مكانٍ في مِنًى ليبيتَ فيه لياليَ مِنًى فلم يجِدْ شيئًا؛ فلا حَرَجَ عليه أن ينزِلَ في خارِجِها؛ لقولِ الله عزَّ وجَلَّ: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ **التغابن: 16** ولا فِديةَ عليه من جهةِ تَرْكِ المبيتِ في مِنًى؛ لعَدَمِ قُدْرَتِه عليه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/362). [التغابن: 16]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّة
قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا أمرْتُكم بأمرٍ فأْتُوا منه ما استطَعْتُم )) رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337)
والحاجُّ إذا اجتهَدَ في التماسِ مكانٍ في مِنًى ليبيتَ فيه لياليَ مِنًى فلم يجِدْ شيئًا؛ فلا حَرَجَ عليه أن ينزِلَ في خارِجِها ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/362).
المبحث الثاني: ذِكْرُ اللهِ عزَّ وجلَّ في أيَّام مِنًى  
يُسنُّ ذِكْرُ اللهِ عزَّ وجلَّ في أيَّام مِنًى.
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن نُبَيشةَ الهُذَليِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أيَّام التَّشْريق أيَّام أكلٍ وشُربٍ وذِكْرٍ للهِ عَزَّ وجَلَّ )) [3264])) رواه مسلم (1141)

انظر أيضا: