الموسوعة الفقهية

المطلب السابع: حُكمُ قراءةِ القرآنِ على القَبرِ


لا تُشْرَع قراءةُ القرآنِ على القَبرِ [8936] فائدة: قال ابنُ عُثيمين: (الموعظةُ عند القبرِ جائزةٌ على حَسَبِ ما جاء في السُّنَّة، وليسَتْ أنْ يخْطُبَ الإنسانُ قائمًا يَعِظُ النَّاسَ؛ لأنَّ ذلك لم يَرِدْ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم خصوصًا إذا اتُّخِذَت راتبةً، كلمَّا خَرَجَ شخصٌ مع جِنازةٍ قام ووَعَظَ النَّاسَ، لكنَّ الموعِظَةَ عند القَبرِ تكون كما فعلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ وَعَظَهم وهو واقِفٌ على القَبرِ، وقال: ((ما منكُم مِن أحدٍ إلَّا وقد كُتِبَ مَقْعَدُه من الجنَّة والنَّار)). وأتى مرَّةً وهم في البقيعِ في جنازةٍ، ولَمَّا يُلْحَدِ القبرُ، فجَلَسَ وجلس النَّاسُ حَولَه، وجعل ينكُتُ بِعودٍ معه على الأرضِ، ثم ذَكَرَ حالَ الإنسانِ عند احتضارِه وعند دَفْنِه، وتَكَلُّم الكلامِ هو موعظةٌ في حقيقَتِه؛ فمِثْل هذا لا بَأْسَ به، أمَّا أن يقومَ خَطيبًا يعِظُ النَّاسَ؛ فهذا لم يَرِدْ عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/230). ، وهو مَذهَب المالِكيَّة [8937] ((منح الجليل)) لعليش (1/509). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل للخرشي مع حاشية العدوي)) (2/136، 137). ، وقَوْلُ أبي حنيفة [8938] ((المحيط البرهاني)) لابن مازة (5/311)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/219). ، وروايةٌ عن أحمد [8939] قال المرداوي: (ولا تُكرَه القراءةُ على القبرِ في أصَحِّ الرِّوايتينِ.. الرواية الثانية: تُكْرَه؛ اختارها عبد الوهاب الورَّاق، والشيخ تقي الدين). ((الإنصاف)) (2/391). ، واختيارُ ابنِ تيمِيَّة [8940] واستثنى ابن تيميَّةَ القراءةَ وَقْتَ الدَّفْنِ؛ ينظر: ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (2/264)، ((مجموع الفتاوى)) (24/317). ، وابنِ بازٍ [8941] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (4/345)، و(5/407). ، وابنِ عثيمينَ [8942] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/329)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/369).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها قالت: ((ألَا أُحَدِّثُكم عنِّي وعن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قلنا: بلى.. الحديث، وفيه: قالت: قلْتُ: كيف أقولُ لهم يا رسولَ الله؟ قال: قولي: السَّلامُ على أهلِ الدِّيارِ من المؤمنينَ والمُسْلمينَ، ويَرْحَمُ اللهُ المُسْتَقْدمينَ مِنَّا والمُسْتَأْخرينَ، وإنَّا إن شاءَ الله بكم لَلاحقونَ )) [8943] أخرجه مسلم (974).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها سألَتْه عمَّا تقول إذا زارَتِ القبورَ، فعَلَّمَها السَّلامَ والدُّعاءَ، ولم يُعَلِّمْها أن تقرأَ الفاتحةَ أو غيرَها مِنَ القُرآنِ، فلو أنَّ القراءةَ كانت مشروعةً لَمَا كَتَمَ ذلك عنها، كيف وتأخيرُ البيانِ عن وقت الحاجَةِ لا يجوزُ؛ كما تقرَّرَ في عِلْمِ الأُصولِ، فكيف بالكِتمانِ [8944] ((أحكام الجنائز)) للألباني (ص: 191). ؟!
2- عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تَجعلوا بيوتَكم مقابرَ؛ إنَّ الشيطانَ يِنفِرُ من البيتِ الذي تُقرأُ فيه سورةُ البَقَرةِ )) [8945] أخرجه مسلم (780).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم رَغَّبَ في قراءةِ البقَرَةِ في البيتِ، ونهى عن جَعْلِها كالمقابِرِ؛ فدَلَّ على أنَّ المقابِرَ ليست مَوْضِعَ قراءةٍ [8946] ((أحكام الجنائز)) للألباني (ص: 191).
ثانيًا: لأنَّه لم يَثبُتْ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قرأ سورةً من القرآنِ أو آياتٍ منه للأمواتِ، مع كثرَةِ زيارَتِه لقبورهم، ولو كان ذلك مشروعًا لَفَعَله، وبيَّنَه لأصحابِه؛ رغبةً في الثَّوابِ، ورحمةً بالأمَّةِ، وأداءً لواجِبِ البلاغِ، فلَمَّا لم يفعَلْ ذلك مع وجودِ أسبابِه، دَلَّ على أنَّه غيرُ مشروعٍ [8947] ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (9/39).
ثالثًا: لأنَّه لم يُنقَلْ عن أَحَدٍ من السَّلَفِ مثلُ ذلك [8948] ((اقتضاء الصراط المستقيم)) لابن تيمية (2/264)

انظر أيضا: