الموسوعة الفقهية

المطلب الثاني: البناءُ على القَبرِ


الفرع الأول: حُكمُ البناءِ على القبرِ
يحرُمُ البناءُ على القَبرِ ، وهو قولُ ابنِ حزمٍ ، والقرطبي وابنِ تيميَّة ، وابن القيم   والشَّوكانيِّ ، والشنقيطيِّ ، وابنِ بازٍ ، وابنِ عثيمينَ ، والألبانيِّ
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((نهى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُجَصَّصَ القبرُ، وأن يُقعَدَ عليه، وأن يُبنَى عليه ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم نهى عن البِناءِ على القَبرِ، والأصلُ في النهيِ التحريمُ
حديثُ أبي الهيَّاجِ الأسديِّ أنَّ عليًّا رَضِيَ اللهُ عنه قال له: ((ألَا أبعَثُكَ على ما بَعَثَني عليه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ألَّا تَدَعَ تمثَالًا إلَّا طَمَسْتَه، ولا قبرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَه ))
ثانيًا: لأنَّ هذا وسيلةٌ إلى الشِّرْكِ؛ فإنه إذا بُنِيَ عليها عُظِّمَتْ، وربَّما تُعْبَدُ مِن دون الله
الفرع الثاني: بناءُ المساجد على القبورِ
لا يجوزُ بناءُ المساجدِ على القبورِ، وهو مَذهَب الحَنابِلَة ، وقولُ بعضِ المالِكيَّة ، وبعضِ الشَّافعيَّة ، واختاره ابنُ تيميَّةَ ، وابنُ القَيِّم ، والصنعانيُّ ، والشَّوكانيُّ ، والشنقيطيُّ ، وابنُ بازٍ ، وابنُ عثيمينَ ، والألبانيُّ
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لعنةُ اللهِ على اليهودِ والنَّصارى؛ اتَّخَذوا قبورَ أنبيائِهم مساجِدَ. يُحَذِّرُ مثلَ ما صَنَعوا ))
2- عن عبد اللهِ بنِ الحارثِ النجرانيِّ، قال: حدَّثني جُندَبٌ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سمعْتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قبل أن يموتَ بخَمْسٍ وهو يقول: ((إنِّي أَبرأُ إلى اللهِ أن يكونَ لي منكم خليلٌ؛ فإنَّ اللهَ تعالى قد اتَّخَذني خليلًا، كما اتَّخَذَ إبراهيمَ خليلًا، ولو كنْتُ متَّخِذًا مِن أُمَّتِي خليلًا لاتَّخَذْتُ أبا بكرٍ خليلًا، ألَا وإنَّ مَن كان قبلَكم كانوا يتَّخِذونَ قبورَ أنبيائِهم وصالِحِيهم مساجِدَ، ألَا فلا تتَّخِذوا القُبورَ مساجِدَ؛ إنِّي أنهاكُم عن ذلك ))
3- عن عبد الله بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سمعْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((إنَّ مِن شرارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُم السَّاعةُ وهم أحياءٌ، ومَن يتَّخِذُ القبورَ مساجِدَ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الاتِّخاذَ المنهيَّ عنه من معانيه بناءُ المساجِدِ عليها، وقَصْدُ الصَّلاةِ فيها
4- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، ((أنَّ أمَّ حبيبةَ وأمَّ سَلَمَة ذَكَرَتا كنيسةً رَأَيْنَها بالحبشَةِ فيها تصاويرُ، فذَكَرَتا ذلك للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: إنَّ أولئك إذا كان فيهم الرَّجُلُ الصالحُ فمات، بَنَوْا على قَبرِه مسجدًا، وصَوَّرُوا فيه تلك الصُّوَر، وأولئك شِرارُ الخلْقِ عند الله يومَ القيامةِ ))
ثانيًا: سدًّا للذَّريعةِ المؤدِّيَةِ إلى الشِّرْكِ

انظر أيضا:

  1. (1) وحكى ابنُ تيميَّةَ الاتِّفاقَ على أنَّ البناءَ على القبرِ مَنهيٌّ عنه، قال: (بناءُ المسجدِ عليه منهيٌّ عنه باتِّفاقِ الأمَّةِ) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (2/267). وقال: (اتَّفقَ أئمَّةُ الإسلامِ على أنَّه لا يُشرَع بناءُ المسجدِ على القبورِ) ((مجموع الفتاوى)) (27/448). وقال: (وأمَّا بناءُ المساجدِ على القبورِ، وتُسمَّى "مشاهِدَ" فهذا غيرُ سائغ؛ بل جميعُ الأمَّةِ يَنهَون عن ذلك) ((مجموع الفتاوى)) (24/318).
  2. (2) يجوزُ تسويرُ المقبرةِ، وقد يجِبُ ذلك إذا كان في تسويرِها حفاظٌ عليها من الامتهانِ؛ قال ابنُ عثيمين: (تسويرُ المقبرةِ لا بأسَ به، وربما يكون مأمورًا به إذا كانت المقبرةُ حول مكانٍ يكثُرُ فيه امتهانُها). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/335).
  3. (3) ((المحلى)) لابن حزم (3/347).
  4. (4) قال القرطبي: (وأمَّا تَعليةُ البناءِ الكثيرِ على نحوِ ما كانت الجاهليَّةُ تفعَلُه تفخيمًا وتعظيمًا، فذلك يُهدَمُ ويزالُ؛ فإنَّ فيه استعمالَ زينةِ الدُّنيا في أوَّلِ منازلِ الآخرةِ، وتشبُّهًا بمن كان يُعظِّمُ القبور ويَعبُدها. وباعتبارِ هذه المعاني وظاهرِ النهيِّ أن ينبغيَ أن يقال: هو حرامٌ) ((تفسير القرطبي)) (10/381).  
  5. (5) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (31/11)
  6. (6)   قال ابن القيم: (ونهى عن بناءِ المساجدِ على القبورِ، ولعَنَ فاعِلَه، ونهى عن تعليةِ القُبورِ وتَشريفِها وأمَرَ بتَسويتها. ونهى عن البناءِ عليها وتجصيصِها، والكتابةِ عليها، والصَّلاةِ إليها وعِندَها، وإيقادِ المصابيحِ عليها. كلُّ ذلك سدًّا لذريعةِ اتِّخاذها أوثانًا. وهذا كلُّه حرامٌ على من قصَدَه ومن لم يقصِدْهـ) ((إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان)) لابن القيم (1/362)، وينظر: (إعلام الموقعين)) لابن القيم (3/168).
  7. (7) ((نيل الأوطار)) للشوكاني (4/104)، ((شرح الصدور بتحريم رفع القبور)) للشوكاني (ص: 14).
  8. (8) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/302).
  9. (9) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/221).
  10. (10) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/212).
  11. (11) ((تلخيص أحكام الجنائز)) للألباني (ص: 84).
  12. (12) أخرجه مسلم (970).
  13. (13) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/366).
  14. (14) أخرجه مسلم (969).
  15. (15) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/366).
  16. (16) ((الفروع)) لابن مفلح (3/381)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/141).
  17. (17) قال القرطبيُّ: (قال علماؤنا: وهذا يُحَرِّمُ على المسلمينَ أن يتَّخِذوا قبورَ الأنبياءِ والعلماءِ مساجِدَ). ((الجامع لأحكام القرآن)) (10/380). وقال ابن تيمية: (فأمَّا بناءُ المساجدِ على القبورِ فقد صَرَّحَ عامَّةُ علماءِ الطوائِفِ بالنَّهيِ عنه؛ متابعةً للأحاديث، وصَرَّحَ أصحابُنا وغيرُهم، من أصحابِ مالكٍ والشافعيِّ وغيرهما، بتحريمِه، ومِنَ العُلَماءِ من أطلَقَ فيه لفْظَ الكراهةِ؛ فما أدري عَنَى به التحريمَ، أو التنزيهَ؟ ولا ريبَ في القَطْعِ بتحريمِهـ). ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (2/184).
  18. (18) ذكر ابن حجر الهيتمي في الكبائر: (اتخاذُ القبور مساجِدَ وإيقاد السُّرُج عليها). ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (1/244). وقال ابن تيميَّة: (فأمَّا بناءُ المساجِدِ على القُبورِ فقد صَرَّحَ عامَّةُ عُلَماءِ الطَّوائف بالنهي عنه، متابعةً للأحاديث، وصرَّحَ أصحابنا وغيرهم، من أصحاب مالكٍ والشَّافعيِّ وغيرهما، بتحريمهـ). ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (2/184).
  19. (19) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) لابن تيمية (2/184).
  20. (20) ((إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان)) لابن القيم (1/185)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/506).
  21. (21) ((سبل السلام)) للصنعاني (1/153).
  22. (22) ((نيل الأوطار)) للشوكاني (2/158).
  23. (23) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/297، 298).
  24. (24) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (5/184).
  25. (25) ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (2/234).
  26. (26) ((أحكام الجنائز)) للألباني (ص 218).
  27. (27) أخرجه البخاري (4443، 4444)، ومسلم (531) واللفْظُ له، من حديث عائشة وابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عنهم.
  28. (28) أخرجه مسلم (532).
  29. (29) أخرجه أحمد (3844)، وابن خزيمة (789)، وابن حبان (6847)، والطبراني (10/ 188) (10413). صحح إسناده ابن تيمية في ((شرح العمدة- الصلاة)) (427)، وحسَّنه وقوَّى إسنادَه الذهبيُّ في ((سير أعلام النبلاء)) (9/401)، وصحَّحه ابنُ القيم في ((الجواب الكافي)) (101)، وذكر الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/16): أنه روِيَ بإسنادين في أحدهما عاصم بن بهدلة، وهو ثقة وفيه ضعف، وبقيَّة رجاله رجالُ الصحيح‏‏، وقال الشوكاني في ((الفتح الرباني)) (1/324): مرفوع وسَنَدُه جيِّدٌ، وصحَّحَ إسنادَه أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (5/324)، وصحَّحه الألباني في ((تحذير الساجد)) (26). والحديث أصله في الصحيح؛ حيث أخرجه البخاري (7067) دون ذِكْرِ ((ومن يتخذ القبور مساجد))
  30. (30) ((تحذير الساجد)) للألباني (ص 29، 36).
  31. (31) أخرجه البخاري (427)، ومسلم (528).
  32. (32) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (10/380)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (27/156).