المطلب الرابعُ: صِفَةُ غُسْلِ المَيِّت وأحكامُه
الفرع الأول: صفةُ غُسلِ المَيِّتالمسألة الأولى: تجريدُ الميِّتِ مِن ثيابِهيُسَنُّ تجريدُ الميِّتِ من ثيابِه، وهو مذهَبُ الجمهورِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، والحَنابِلَة
الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّةعن
عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت:
((لَمَّا أرادوا غُسلَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قالوا: واللهِ ما ندري: أَنُجَرِّدُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم من ثيابِه كما نُجَرِّدُ موتانا، أم نُغَسِّلُه وعليه ثيابُه؟ ))
وَجهُ الدَّلالةِ: دلَّ قولُهم: أَنُجَرِّدُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مِن ثيابِه كما نُجَرِّدُ موتانا؛ أنَّ عادتَهم كانت تجريدَ موتاهم للغُسلِ في زَمَنِه صلَّى الله عليه وسلَّم
ثانيًا: لأنَّ ذلك أَمْكَنُ في تغسيلِه
ثالثًا: لأنَّ ذلك أبلَغُ في تطهيرِه
رابعًا: لأنَّ ذلك أَصْوَنُ له مِنَ التَّنجيسِ
المسألة الثانية: سَتْرُ عورةِ المَيِّتيجبُ سَتْرُ عورةِ المَيِّتِ عند الشُّروعِ في غُسلِه، ولا يجوزُ النَّظَرُ إلى عَورتِه.
الأدلَّة: أولًا: من السنَّةِعمومُ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْرِي رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
((لا ينظُرُ الرَّجُلُ إلى عورةِ الرَّجُلِ، ولا المرأةُ إلى عورةِ المَرْأةِ ))
ثانيًا: من الإجماعنقَلَ الإجماعَ على وجوبِ سَتْرِ عَوْرَتِه، وحُرمَةِ النَّظَر إليها:
ابنُ عبدِ البَرِّ
، و
ابنُ قدامةَ
، والحطَّاب
المسألة الثالثة: عَصْرُ بَطْنِ الميِّتيُشْرَعُ أن يعْصِرَ الغاسِلُ بَطْنَ الميِّتِ عصرًا رفيقًا، ثم يَلُفَّ على يَدِه خِرقةً فيُنْجيه بها، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
وذلك للآتي: أولًا: ليُخْرِجَ ما في بَطْنِه من نجاسةٍ
ثانيًا: حتى لا يَخْرُج بعد ذلك فيُلَوِّث الكَفَن
ثالثًا: يَعْصِر بطنَه عصرًا رفيقًا؛ لأنَّ المَيِّتَ في محَلِّ الشَّفَقة والرَّحمةِ
رابعًا: يلُفُّ على يَدِه خرقةً حتى لا يَمَسَّ عَوْرَتَه؛ لأنَّ النَّظَرَ إلى العورةِ حرامٌ؛ فاللَّمْسُ أَوْلى
المسألة الرابعة: نيَّة الغُسلِ لا تجِبُ النيَّةُ في غُسلِ المَيِّت، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
، وروايةٌ عن
أحمدَ
؛ وذلك لأنَّ القَصْدَ التنظيفُ، فأشْبَهَ غَسْلَ النَّجاسَةِ
المسألة الخامسة: مَسْحُ أسنانِ المَيِّت ومِنْخَريه وتنظيفُهمايُسْتَحَبُّ أن يمسَحَ الغاسِلُ أسنانَ الميِّتِ ومِنْخَرَيه وينظِّفَهما
، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّةعن أمِّ عطيَّةَ نُسيبَةَ الأنصاريَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عنها، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لهنَّ في غُسلِ ابنتِه:
((ابدأْنَ بمَيَامِنِها ومواضعِ الوُضوءِ منها ))
ثانيًا: من أجل إزالَةِ ما يُكْرَه ريحُه أو رُؤْيَتُه
المسألة السادسة: تَوضِئَةُ الميِّتيُسَنُّ أن يُوَضِّئَ الغاسِلُ المَيِّتَ في أوَّلِ غَسَلاتِه؛ كوضوءِ حَدَثٍ، باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّةعن أمِّ عطيَّةَ رَضِيَ الله عنها، قالت: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لهنَّ في غُسْلِ ابنَتِه:
((ابدَأْنَ بِمَيامِنِها ومواضِعِ الوُضوءِ منها ))
ثانيًا: لأنَّ الوضوءَ يُبدَأُ به في غُسْلِ الحيِّ، فكذلك الميِّتُ
، فهو سنَّةُ الاغتسالِ في حالة الحياةِ، فكذا بعد المماتِ؛ لأنَّ الغُسْلَ في الموضعيْنِ لأجْلِ الصَّلاةِ
المسألة السابعة: غُسلُ الميِّت بالسِّدْريُغَسَّل الميِّتُ بماءٍ وسِدْرٍ
، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن
ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال:
((أقبلَ رجُلٌ حَرامًا مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فخَرَّ مِن بَعيرِه، فوُقِصَ وَقْصًا، فمات، فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: اغْسِلُوه بماءٍ وسِدْرٍ وأَلْبِسوه ثوبَيْهِ، ولا تُخَمِّروا رَأْسَه؛ فإنَّه يأتي يومَ القيامةِ يُلَبِّي ))
2- عن أمِّ عطيَّةَ الأنصاريَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: دخل علينا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين تُوفِّيَتْ ابنَتُه، فقال:
((اغْسِلْنَها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثَرَ من ذلك إنْ رَأَيْتُنَّ ذلك، بماءٍ وسِدْرٍ، واجْعَلْنَ في الآخِرَةِ كافورًا- أو شيئًا من كافورٍ- فإذا فرَغْتُنَّ فآذِنَّنِي ))
ثانيًا: لأنَّ المقصودَ من الغُسْل التنظيفُ، فيُستعانُ بما يزيدُ فيه التَّطهيرُ
المسألة الثامنة: غَسْلُ جميعِ بَدَنِ المَيِّتِ والتيامُن فيه1- غَسْلُ جميع بَدَنِ المَيِّتيجب غَسْلُ جميعِ بَدَنِ المَيِّت، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّةِ
، والمالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
الأدلَّة من السُّنَّة: 1- عن
عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال:
((وَقَصَتْ برجلٍ مُحْرمٍ ناقتُه فقَتَلَتْهُ، فَأُتِيَ بهِ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقالَ: اغْسِلوه... ))
2- عن أمِّ عطيَّةَ الأنصاريَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: دخَلَ علينا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم حين تُوُفِّيَتْ ابنَتُه، فقال:
((اغْسِلْنَها... ))
2- التيامُنُ في غُسلِهيُسَنُّ في غُسلِ المَيِّت أن يُبدَأَ بالشِّقِّ الأيمَنِ ثُمَّ الأيسَرِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
والحَنابِلَة
الأدلَّة من السُّنَّة: 1- عن أمِّ عطيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لهنَّ في غسلِ ابنَتِه:
((ابْدَأْنَ بميامِنِها ومواضِعِ الوُضوءِ منها ))
2- عمومُ حديثِ
عائشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها:
((كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُعْجِبُه التيمُّنُ في تنعُّلِه وترجُّلِه وطُهورِه، وفي شأنِه كُلِّه ))
المسألة التاسعة: وَضْعُ الكافورِ في الغَسْلَة الأخيرةِيُسَنُّ أن يجعَلَ الغاسِلُ في الغَسلَةِ الأخيرةِ كافورًا
، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّةعن أمِّ عطيَّةَ الأنصاريَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت:
((دخَلَ علينا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين تُوُفِّيَتِ ابنَتُه، فقال: اغْسِلْنَها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثَرَ من ذلك إن رأيتُنَّ ذلك، بماءٍ وسِدْرٍ، واجْعَلْنَ في الآخرَةِ كافورًا- أو شيئًا من كافورٍ- فإذا فَرَغْتُنَّ فآذِنَّنِي ))
ثانيًا: لأنَّه يُصَلِّبُ الجسمَ، ويُبَرِّدُه، ويُطَيِّبُه، ويطردُ عنه الهوامَّ
المسألة العاشرة: الوِتْرُ في غُسلِ الميِّت الوِترُ في تغسيلِ الميِّت مُستحَبٌّ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعةِ: الحنفيَّة
، والمالكيَّة
، والشافعيَّة
، والحنابلةِ
، وحُكِي الإجماعُ على ذلك
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة: عن أمِّ عطيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، أنَّ النبيَّ صلَّى لله عليه وسلَّم قال:
((اغْسِلْنَها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثرَ من ذلك ))
وفي رواية:
((واغسِلنَها وِترًا ثلاثًا أو خمسًا ))
المسألة الحادية عشرة: تقليمُ أظْفار المَيِّتِ وقَصُّ شارِبِهاختلف أهلُ العِلمِ في تقليمِ أظْفارِ المَيِّت وقَصِّ شارِبِه على قولين:
القول الأول: يُكْرَه تقليمُ أظْفارِ المَيِّت وقَصُّ شاربِه، وهو مذهبُ الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، وقولٌ للشافعيَّةِ صحَّحَه بعضُهم، واختاره
النوويُّ
، ومال إليه ابن المُنْذِر
؛ وذلك لأنَّه يُفْعَلُ للزِّينةِ، والمَيِّتُ ليس بمحَلِّ الزِّينةِ
القول الثاني: يُستحَبُّ تقليمُ أظْفار المَيِّت وقَصُّ شارِبِه، وهو مذهَبُ الحَنابِلَة
، وقولٌ للشافعيَّة
، وهو قولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ
، واختاره
ابنُ بازٍ
، و
ابنُ عثيمينَ
وذلك للآتي: أولًا: لأنَّه تنظيفٌ لا يتعلَّقُ بقَطْعِ عُضوٍ، أشْبَهَ إزالةَ الوَسَخِ والدَّرَن
ثانيًا: لأنَّه سُنَّةٌ في حياتِه
المسألة الثانية عشرة: حَلْقُ شَعْرِ عانَةِ المَيِّت يَحْرُم حَلْقُ شَعْرِ عانَةِ الميِّت
، وهو مذهَبُ الحَنابِلَة
؛ وذلك لِمَا فيه مِنْ مَسِّ العورةِ ونَظَرِها، وهو مُحَرَّمٌ
المسألة الثالثة عشرة: تنشيفُ المَيِّتِ بعد الغُسْليُستَحَبُّ أن يُنَشَّفَ المَيِّتُ بعد الغُسْلِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
والحَنابِلَة
وذلك للآتي: أولًا: لأنَّه مِن كَمالِ غُسْلِ الحَيِّ
ثانيًا: لأنَّه إذا بَقِيَ رَطْبًا عند التَّكفينِ، أَثَّرَ ذلك في الكَفَنِ
المسألة الرابعة عشرة: التيمُّمُ عند العَجْزِ عن الماءِيُيَمَّمُ المَيِّتُ لعُذْرٍ مِن عَدمِ الماءِ، أو عَجْزٍ عن استعمالِه، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
، وهو قولُ
ابنِ حَزْمٍ الظَّاهريِّ
؛ وذلك لأنَّه غُسْلٌ لا يتعلَّقُ بإزالَةِ نجاسةٍ، فنابَ
التيمُّمُ عنه عند العَجْزِ؛ كغُسْلِ
الجنابَةِ
الفرع الثاني: الأحكامُ الخاصَّةُ بغُسْلِ المرأةِ والخُنْثَى والمُحْرِمالمسألة الأولى: الأحكامُ الخاصَّةُ بغُسْلِ المرأةِيُستَحَبُّ تسريحُ شعْرِ الميَّتةِ، وجَعْلُه ثلاثَ ضفائِرَ خَلْفَها، وهو مذهبُ الجُمهورِ: المالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة: عن أمِّ عطيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت:
((تُوُفِّيَتْ إحدى بناتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأتانا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: اغْسِلْنَها بالسِّدْرِ وِتْرًا ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثَرَ من ذلك، إن رأيتُنَّ ذلك، واجعَلْنَ في الآخِرَةِ كافورًا- أو شيئًا من كافورٍ- فإذا فرغْتُنَّ فآذِنَّنِي، فلما فَرَغْنا آذَنَّاه، فألقى إلينا حَقْوَهُ
، فضَفَّرْنا شَعْرَها ثلاثةَ قُرونٍ، وألقيناها خَلْفَها ))
المسألة الثانية: غسلُ الخُنثى المُشْكِلالخُنثى المُشْكِل يُيَمَّمُ ولا يُغَسَّلُ
، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، والحَنابِلَة
، ووجهٌ للشافعيَّةِ
وذلك للآتي: أولًا: لأنَّه مات قبل أن يَستبينَ أَمْرُه فلم يُغَسِّلْه رجلٌ ولا امرأةٌ؛ لأنَّ حِلَّ الغُسل غيرُ ثابتٍ بين الرِّجالِ والنِّساءِ، فيُتَوَقَّى؛ لاحتمالِ الحُرْمَةِ، ويُيَمَّمُ بالصَّعيدِ؛ لتَعَذُّرِ الغُسْلِ
ثانيًا: لأنَّه لا يحلُّ للرَّجُلِ أن يُغَسِّلَه؛ لاحتمالِ أن يكونَ أنثى، ولا يحِلُّ للمرأةِ أن تُغَسِّلَه؛ لاحتمال أنَّه ذَكَرٌ؛ فَيُيَمَّم
المسألة الثالثة: صفةُ غُسْلِ من مات مُحْرِمًاغُسْلُ الْمُحْرِم المَيِّت كغُسْلِه وهو حيٌّ، فيُجَنَّب ما يُجَنَّبُ وهو حيٌّ، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
، وبه قالت طائفةٌ مِنَ السَّلَف
، وهو قولُ
ابنِ حزْمٍ
، و
ابنِ تيميةَ
، و
ابنِ القَيِّم
و
الصَّنعاني
، و
ابنِ بازٍ
، و
ابنِ عثيمينَ
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة: عنِ
ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال:
((بَيْنَا رجلٌ واقِفٌ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بِعَرَفَةَ إذْ وَقَعَ عن راحِلَتِه فوَقَصَتْه، أو قال فأَوْقَصَتْه- فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: اغْسِلُوه بماءٍ وسِدْرٍ وكفِّنوه في ثوبينِ، ولا تُمِسُّوه طِيبًا، ولا تُخَمِّروا رَأْسَه، ولا تُحَنِّطوه؛ فإنَّ اللهَ يَبْعَثُه يومَ القيامَة مُلَبِّيًا ))
وجهُ الدَّلالة: أنَّه مَنَعَ مِن تخميرِ رَأْسِه بعد الموتِ، ومِنْ مَسِّهِ بالطِّيبِ؛ لِبقاءِ الإحرامِ عليه
، ودلَّ قَوْلُه:
((فإنَّه يُبعَثُ يومَ القيامَةِ مُلَبِّيًا)) على أنَّه باقٍ على إحرامِهِ؛ فهو كالحَيِّ
الفرع الثالث: إذا خرج من المَيِّت نجاسةٌ بعد غُسلِهإذا خرج من المَيِّت نجاسةٌ بعد غُسلِه وقبلَ تكفينِه؛ وَجَبَ غَسْلُ النَّجاسَةِ، ولا يُعادُ الغُسْلُ، وهذا مذهَبُ الجمهورِ
: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
وذلك للآتي: أوَّلًا: لأنَّ الغُسْلَ قد عُرِفَ بالنَّصِّ، وقد حصل مرَّةً، وسقط الواجِبُ فلا يُعيدُه
ثانيًا: لأنَّه خَرَجَ عن التَّكليفِ بِنَقْضِ الطَّهارة
ثالثًا: قياسًا على ما لو أصابَتْه نجاسةٌ مِن غَيْرِه؛ فإنَّه يكفي غَسْلُها بلا خلافٍ
رابعًا: لأنَّ خُروجَ النَّجاسةِ مِنَ الحَيِّ بعد غُسْلِه لا يُبْطِلُه، فكذلك المَيِّت
مسألة: حُكمُ إعادةِ وُضوءِ المَيِّت بعد خروجِ النَّجاسةِ منه إذا خرَجَ من المَيِّت نجاسةٌ بعد غُسْله، وقبل تكفينِه؛ فلا يُعادُ وُضوؤُه، وهو مذهبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
والصَّحيحُ مِن مَذْهَبِ الشَّافعيَّة
وذلك للآتي: أولًا: لأنَّه إن كان حَدَثًا، فالموت فَوْقَه في هذا المَعنى؛ لكونِه ينفي التمييزَ فوقَ الإغماءِ؛ فلا معنى لإعادَتِه مع بقاءِ المَوْتِ
ثانيًا: لأنَّه خرَجَ عن التَّكليفِ بِنَقْضِ الطَّهارةِ، وقياسًا على ما لو أصابَتْه نجاسةٌ مِنْ غَيْرِه، فإنَّه يَكْفِي غَسلُها بلا خلافٍ
الفرع الرابع: حُكمُ الاغتسالِ مِن غُسْلِ المَيِّتيُستحَبُّ الاغتسالُ مِنْ غُسْلِ المَيِّت، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
الأدلَّة من الآثار: 1- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه، أنه قال: (مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فلْيغتَسِلْ
)
2- عن
ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما، قال: (كُنَّا نُغَسِّلُ المَيِّتَ؛ فمِنَّا من يَغْتَسِلُ، ومنَّا مَن لا يغتَسِلُ
)