الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثالث: القِراءةُ في صَلاةِ العِيدَينِ


الفَرعُ الأوَّل: القراءةُ بـ(سَبِّح) و(الغاشية)
يُسنُّ أنْ يَقرأَ في صلاةِ العِيدِ بسُورةِ (الأعلى) و(الغاشية) الحكمة في القِراءة في العيدين بسورة سورة "سبح": أنَّ فيها الحثَّ على الصلاة، وزكاة الفطر على ما قيل في تفسير قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى **الأعلى: 14، 15**؛ فاختُصَّت الفضيلةُ بها كاختصاصِ الجمعة بسورتها. وأمَّا "الغاشية" فللموالاةِ بين "سبح" وبينها كما بين "الجمعة" و"المنافقين"). ينظر: ((شرح النووي على مسلم)) (6/182)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (3/353). ، باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/226)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/77). ، والمالِكيَّة المالكية قالوا: يقرأ بـ"سبح" أو "الغاشية" في الأولى، ووالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، أو وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى في الثانية. وما شابههما من وسط المفصل، قال الدسوقي: ("قوله بكسبح" أي سبح  والشمس وضحاها  وما شابههما من وسط المفصل) ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (1/400)، وقال عليش: ("و" ندب "قراءتها" أي صلاة العيد "بكسبح" اسم ربك الأعلى بتمامها في الركعة الأولى "والشمس" وضحاها في الركعة الثانية، وأدخلت الكاف ما شابههما من وسط المفصل) ((منح الجليل)) (1/466)، وينظر: (حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/390)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/530). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (5/18)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/311). ، والحَنابِلَة ((المغني)) لابن قدامة (2/281) ((الإنصاف)) للمرداوي (2/300). ، وذهب إليه أكثرُ العلماءِ قال ابنُ رشد: (أجمَعوا أيضَّا على أنَّه لا توقيتَ في القراءة في العيدين، وأكثرهم استحبَّ أن يقرأ في الأولى بـ"سبِّح" وفي الثانية بـ"الغاشية"؛ لتواتر ذلك عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) ((بداية المجتهد)) (1/217).
الدَّليلُ من السُّنَّة:
عنِ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرأُ في العيدينِ وفي الجُمُعةِ: بـسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ، وربَّما اجتمعَا في يومٍ واحدٍ، فيقرأ بهما )) رواه مسلم (878).
الفُرعُ الثَّاني: القِراءةُ بـُسورةِ (ق)، و(القَمَر)
يُسنُّ أن يقرأ في صلاة العيدِ بسورة (ق) و(القمر) الحِكمة في القراءة في العيدين بسورة "ق" و"اقتربت": ما اشتملتَا عليه من الإخبار بالبعث، والإخبار عن القرون الماضية، وإهلاك المكذِّبين، وتشبيهِ بروزِ الناس في العيد ببروزهم في البعثِ وخروجهم من الأجداث، كأنَّهم جراد منتشر. ينظر: ((شرح النووي على مسلم)) (6/182)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (3/353). ؛ نصَّ عليه الشافعيَّةُ ((المجموع)) للنووي (5/18). ، وهو روايةٌ عن أحمدَ ((الإنصاف)) للمرداوي (2/300).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن أَبي واقدٍ اللَّيثيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرأُ في الفِطرِ والأضحى بـق واقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ)) رواه مسلم (891).
الفرع الثالث: الجَهرُ بالقِراءةِ في صلاةِ العِيدَينِ
يُسنُّ الجهرُ بالقراءةِ في صلاةِ العِيدينِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعةِ: الحَنَفيَّة ((الهداية)) للمرغيناني (1/45)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/277). ، والمالِكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/390)، ويُنظر: ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/44). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (5/18)، ويُنظر: ((البيان)) للعمراني (2/641). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/192)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/281). ، وحُكِي الإجماعُ على ذلك قال الشِّيرازيُّ: (والسُّنة أن يجهرَ فيهما بالقراءة؛ لنَقْل الخلَف عن السَّلف) ((المهذب)) (1/225). وقال الكاسانيُّ: (يجهرُ بالقراءة، كذا ورد النقلُ المستفيض عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالجهر به، وبه جرى التوارثُ من الصدر الأول إلى يومِنا هذا) ((بدائع الصنائع)) (1/277). وقال النوويُّ: (أجمعتِ الأمَّة على أنه يجهرُ بالقراءة والتكبيرات الزوائد) ((المجموع)) (5/18). وقال ابن مودود الموصليُّ: (ثم إنْ كان إمامًا جهرَ بالقراءة في الفجر والأُوليين من المغرب والعشاء، وفي الجمعة والعيدين، هذا هو المأثورُ عن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والمتوارث من لَدُن الصدر الأوَّل إلى يومنا هذا) ((الاختيار لتعليل المختار)) (1/55). وقال العدويُّ: (يقرأ فيهما جهرًا بلا خلاف) ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/390). وقال ابنُ عبد البَرِّ: (إجماعُ العلماء على أنَّ كل صلاة سُنَّتُها أنْ تُصلَّى في جماعةٍ من صلوات السُّنن؛ سُنتها الجهرُ، كالعيدين والاستسقاء، وكذلك الخسوف) ((التمهيد)) (3/312). ووصَف ابنُ عبد البر القولَ بإسرار القراءة بالشُّذوذ، فقال: (سؤال عُمرَ رحمه الله مع جلالته لأبي واقد عن قراءة رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في العيدين؛ ليَعلمَ إنْ كان عنده من ذلك عِلمٌ وإلَّا أنبأه به، ويحتمل أن يكونَ على مذهب مَن قال: إنَّ القراءة في العيدين تكون سرًّا، وهو قول شاذٌّ) ((التمهيد)) (16/327).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرأُ في العِيدينِ، وفي الجُمُعةِ بـسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ)) [6578] رواه مسلم (878).
2- عن سَمُرةَ بنِ جُندُبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقرأُ في العيدينِ بـسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ)) أخرجه أحمد (20092)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (1774)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (7/ 183) (6773). صحَّحه ابن حزم في ((المحلى)) (5/82)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (644)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (458)، وقال ابن عبد البَرِّ في ((الاستذكار)) (2/381): رُوي من طُرق كثيرة ومتواترة، ووثق رجاله البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (2/330).
3- عن أبي واقدٍ اللَّيثيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرأُ في الفِطر والأضحى بـق واقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ)) رواه مسلم (891).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ حِفظَ الصحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم لِمَا كان يقرأُ عليه الصَّلاة والسَّلام في صلاةِ العِيدينِ يدلُّ على أنَّه كان يَجهَرُ بالقراءةِ فيها ((المغني)) لابن قدامة (2/281).
ثانيًا: أنَّها صلاةُ عيدٍ؛ فأشبهتْ صلاةَ الجُمُعةِ ((المغني)) لابن قدامة (2/281).

انظر أيضا: