الموسوعة الفقهية

المبحث الخامس: الانتفاع بالنَّجاسات


يجوز الانتفاعُ بالنَّجاساتِ في غيرِ الأكلِ والشُّربِ واللُّبسِ، ونحوِ ذلك، وهذا مَذهَبُ الشَّافعيَّة ، وهو قولٌ للمالكيَّة ، وأومأ إليه الإمامُ أحمَدُ في روايةٍ عنه ، وبه قال بعضُ السَّلَفِ ، واختاره الطبريُّ ، وابنُ تيميَّة ، وابنُ عُثيمين
الأدلَّة مِن السُّنَّةِ:
1- عن جابِرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه سمِعَ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ عام الفَتحِ وهو بمكَّة: إنَّ اللهَ ورسولَه حرَّم بَيعَ الخَمرِ والمَيتةِ والخِنزيرِ والأصنامِ، فقيل: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ شُحومَ المَيتةِ؛ فإنَّها يُطلَى بها السُّفُنُ، ويُدهَنُ بها الجُلودُ، ويَستصبِحُ بها النَّاسُ، فقال: لا، هو حرامٌ ))
وجه الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أقرَّهم على الانتفاعِ بالنَّجاسةِ في طلْي السُّفُنِ، ودَهنِ الجُلودِ، والاستصباحِ بها، وإنَّما نهاهم عن بيعِها؛ وذلك لأنَّ جوازَ الانتفاعِ بها لا يَستلزمُ جوازَ البَيعِ، وبهذا يكون الضميرُ في قولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((هو حرامٌ)) يعود إلى البَيعِ، لا إلى الانتفاعِ، ويبقَى الانتفاعُ على أصلِ الإباحةِ
2- عن عبد اللهِ بنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((تُصُدِّقَ على مولاةٍ لميمونةَ بشاةٍ، فماتَتْ، فمرَّ بها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: هلَّا أخَذتُم إهابَها، فدبَغتُموه، فانتفَعتُم به؟ فقالوا: إنَّها مَيتةٌ. فقال: إنَّما حرُمَ أكْلُها ))

انظر أيضا:

  1. (1) ((المجموع)) للنووي (4/446)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/309).
  2. (2) ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/172).
  3. (3) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/204).
  4. (4) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (11/6).
  5. (5) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (11/6).
  6. (6) قال ابن تيميَّة: (يجوز الانتفاعُ بالنَّجاسات). ((الفتاوى الكبرى)) (5/313).
  7. (7) قال ابن عثيمين: (الانتفاعُ بالشيءِ النَّجِسِ إذا كان على وجهٍ لا يتعدَّى، لا بأسَ به، مثاله: أن يتَّخِذَ «زِنبِيلًا» نجسًا يحمل به التُّرابَ ونحوه، على وجهٍ لا يتعدَّى) ((الشرح الممتع)) (1/71).
  8. (8) رواه البخاري (2236) واللفظ له، ومسلم (1581).
  9. (9) قال ابن القيِّم: (مَن تأمَّل سياقَ حديثَ جابرٍ، عَلِم أنَّ السؤالَ إنَّما كان منهم عن البَيعِ، وأنَّهم طَلَبوا منه أن يرخِّصَ لهم في بيع الشُّحومِ؛ لِمَا فيها من المنافِعِ، فأبى عليهم وقال: ((هو حرام))، فإنَّهم لو سألوه عن حُكمِ هذه الأفعال، لقالوا: أرأيتَ شحومَ الميتةِ؛ هل يجوز أن يَستصبِحَ بها الناس، وتُدهَن بها الجلود؟ ولم يقولوا: فإنَّه يُفعَلُ بها كذا وكذا، فإنَّ هذا إخبارٌ منهم، لا سؤال، وهم لم يُخبِروه بذلك عقيبَ تحريمِ هذه الأفعالِ عليهم؛ ليكون قوله: ((لا، هو حرام)) صريحًا في تحريمها، وإنَّما أخبروه به عقيبَ تحريمِ بَيعِ المَيتةِ، فكأنَّهم طَلَبوا منه أن يُرخِّصَ لهم في بيعِ الشُّحومِ لهذه المنافِعِ التي ذكروها، فلم يفعَلْ. ونهاية الأمر: أنَّ الحديثَ يَحتمِلُ الأمرين، فلا يُحرَّمُ ما لم يُعلَمْ أنَّ اللهَ ورسولَه حرَّمهـ). ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) (5/750، 751)، وينظر: ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (11/6).
  10. (10) رواه البخاري (1492)، ومسلم (363).