الموسوعة الفقهية

المطلب الأوَّل: الخارج من السَّبيلينِ


الفرع الأوَّل: البولُ والغائطُ الخارجانِ مِن آدميٍّ
ما خرَج من السَّبيلينِ مِن بولٍ أو غائطٍ مِن آدميٍّ، فهو نَجِسٌ.
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ أعرابيًّا بال في المسجِدِ، فقام إليه بعضُ القَومِ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: دَعُوه ولا تُزْرِمُوه لا تُزرموه: أي لا تقطعوا بَولَه. ((فتح الباري)) لابن حجر (1/127). ، قال: فلمَّا فرَغ دَعا بدَلْوٍ مِن ماءٍ فصَبَّه عليه )) رواه البخاري (6025)، ومسلم (284) واللفظ له.
وجه الدَّلالة:
أنَّ صبَّ الماءِ على مَوضِعِ البَولِ لتطهيرِه منه؛ يدلُّ على نجاسةِ البَولِ ((سبل السلام)) للصنعاني (1/25).
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزمٍ قال ابن حزم: (اتَّفقوا على أنَّ بَولَ ابنِ آدَمَ إذا كان كثيرًا ولم يكُنْ كرؤوسِ الإبَرِ، وغائِطَه؛ نجسٌ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 19). ، وابنُ قُدامة قال ابن قُدامة: (ما خرَج من السَّبيلين كالبَولِ والغائط... فهذا لا نعلَمُ في نجاسَتِه خِلافًا). ((المغني)) (2/64). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (فأمَّا بولُ الآدميِّ الكَبيرِ، فنجسٌ بإجماعِ المُسلمين) ((المجموع)) (2/548)، وقال أيضًا: (الإجماعُ على نجاسةِ الغائِطِ، ولا فَرقَ بين غائِطِ الصَّغيرِ والكَبيرِ بالإجماعِ) ((المجموع)) (2/549).
الفرع الثَّاني: بولُ الجاريةِ والغُلامِ
المسألة الأولى: نجاسةُ بَولِ الجاريةِ والغُلامِ
بَولُ الصبيِّ- سواء أكَل الطَّعامَ أم لم يأكُلْ- وبولُ الجاريةِ، كلاهما نجِسٌ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (1/728)، ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (1/318). ، والمشهورُ مِن مذهَبِ المالكيَّة ((منح الجليل)) لعليش (1/54)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/94). ، والشَّافعية ((المجموع)) للنووي (2/548)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/248). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/232)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/189). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال الماورديُّ: (أمَّا بَولُ الآدميِّين، فنجسٌ إجماعًا؛ صغيرًا كان أو كبيرًا، ذَكرًا كان أو أنثى). ((الحاوي الكبير)) (2/248). وقال النوويُّ: (اعلَمْ أنَّ هذا الخلافَ إنما هو في كيفيَّة تطهيرِ الشَّيءِ الذي بال عليه الصبيُّ، ولا خلافَ في نجاسَتِه، وقد نقَل بعضُ أصحابِنا إجماعَ العُلَماءِ على نجاسةِ بَولِ الصَّبي، وأنَّه لم يخالفْ فيه إلَّا داودُ الظاهريُّ؛ قال الخطابيُّ وغيره: وليس تجويزُ مَن جوَّز النَّضحَ في الصبيِّ من أجْل أنَّ بولَه ليس بنَجِسٍ، ولكنَّه من أجْلِ التَّخفيفِ في إزالَتِه، فهذا هو الصَّوابُ، وأمَّا ما حكاه أبو الحسن بن بطَّال ثمَّ القاضي عياض عن الشافعيِّ وغيرِه: أنَّهم قالوا: بول الصَّبيِّ طاهِرٌ فيُنضَح، فحكايةٌ باطلةٌ قطعًا). ((شرح النووي على مسلم)) (3/195). وقال العراقيُّ: (فيه نجاسةُ بولِ الآدميِّ، وهو إجماعٌ مِن العُلَماءِ، إلَّا ما حُكِيَ عن داودَ في بَولِ الصبيِّ الذي لم يَطعَمْ أنَّه ليس بنجسٍ؛ للحديث الصَّحيح (فنَضَحَه ولم يَغْسِلْه)، وهو مردودٌ بالإجماع؛ فقد حكَى بعضُ أصحابِنا الإجماعَ أيضًا في نجاسةِ بَولِ الصبيِّ). ((طرح التثريب)) (2/128).
الأدلة مِن السُّنَّةِ:
1- عن أمِّ قيسٍ بنتِ مِحصَن ((أنَّها أتَت بابنٍ لها صغيرٍ، لم يأكلِ الطَّعامَ، إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأجْلَسه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حَجرِه، فبال على ثَوبِه، فدعَا بماءٍ فنَضَحه ولم يَغسِلْه )) رواه البخاري (223) واللفظ له، ومسلم (287).
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُؤتَى بالصِّبيانِ، فيَدعو لهم، فأُتِيَ بصبيٍّ، فبال على ثَوبِه، فدعَا بماءٍ، فأتْبعَه إيَّاه، ولم يَغسِلْه )) رواه البخاري (6355) واللفظ له، ومسلم (286).
3- عن أبي السَّمحِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كنتُ أخدُمُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكان إذا أراد أن يَغتسلَ قال: ولِّني قفاك، فأُولِيه قفاي، فأَسْتُرُه به، فأُتي بحَسَنٍ أو حُسَينٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، فبال على صَدرِه، فجئتُ أغْسِلُه، فقال: يُغسَلُ مِن بَولِ الجارية، ويُرشُّ مِن بَولِ الغُلام ِ )) رواه أبو داود (376) واللفظ له، والنَّسائي (224، 304)، وابن ماجه (526). حسَّنه البخاريُّ كما في ((التلخيص الحبير)) لابن حجر (1/55)، واحتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (1/101)، وصحَّحه ابن القيِّم في ((أعلام الموقعين)) (2/270)، وحسن إسناده ابن رجب في ((فتح الباري)) (1/334)، وصححه ابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (1/532)، وابنُ حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (2/402)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (376).
4- عن عليِّ بن أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في بَولِ الغلامِ الرَّضيعِ: يُنضَحُ بولُ الغُلامِ، ويُغسَلُ بَولُ الجاريةِ )) رواه أبو داود (378)، والترمذيُّ (610)، وابن ماجه (525)، وأحمد (757). قال الترمذيُّ: حسن صحيح، وحسَّنه النوويُّ في ((المجموع)) (2/589)، وصحَّح إسناده ابنُ حجر في ((التلخيص الحبير)) (1/57) وقال: إلَّا أنَّه اختُلف في رفعه ووقفه، وفي وصْله وإرساله، وقد رجَّح البخاريُّ صحَّته، وكذا الدارقطنيُّ، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (2/111)، وصحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (610)، والوادعي ُّفي ((الصحيح المسنَد)) (974) وقال: رجاله ثقات, ولا يُعَلُّ بالموقوف.
المسألة الثَّانية: كيفيَّةُ تَطهيرِ بَولِ الصبيِّ الذي لم يأكُلِ الطَّعامَ
يكفي في تطهيرِ بَولِ الصبيِّ الذي لم يأكُلِ الطَّعامَ أنْ يُنضَحَ ويُرَشَّ بالماءِ؛ وهذا مَذهَبُ الشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/31)، ((المجموع)) للنووي (2/589). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/323)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/67). ، وبه قال طائفةٌ من السَّلف قال ابن قدامة: (وبه قال عطاء والحسَن والشافعي وإسحاق). ((المغني)) (2/67). ، وهو اختيارُ ابنِ دقيقِ العيد قال ابن دقيق العيد: (والحديثُ ظاهرٌ في الاكتفاءِ بالنَّضحِ وعَدَمِ الغَسلِ). ((إحكام الأحكام)) (ص: 58). ، والشَّوكانيِّ قال الشوكانيُّ بعد شرْح لأحاديث النَّضح من بول الصبيِّ والغَسل من بول الصبيَّة: (والحاصل: أنَّه لم يعارض أحاديثَ الباب شيءٌ يوجب الاشتغال به) ((نيل الأوطار)) (1/48). ، وابنِ باز قال ابن باز: (وبول الصبيِّ الذي لم يأكل الطَّعام يُنضَح، أمَّا البول للصبيِّ الذي يأكُل الطَّعام فيُغسَل). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (29/22). ، وابنِ عثيمين قال ابن عثيمين: (بول الصبيِّ الذَّكَر الذي لم يأكل الطعام وإنَّما يتغذى بالحليب، خفيف النَّجاسة، يكفي أن تَصُبَّ عليه ماءً يغمُره دون فرْك ولا غَسْل) ((اللقاء الشهري)) (اللقاء رقم: 54).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أمِّ قيسٍ بنتِ مِحصَنٍ: ((أنَّها أتَتْ بابنٍ لها صغيرٍ، لم يأكلِ الطَّعامَ، إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأجلَسَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حَجرِه، فبال على ثَوبِه، فدعَا بماءٍ فنَضَحه ولم يَغسِلْه )) رواه البخاري (223) واللفظ له، ومسلم (287).
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُؤتَى بالصِّبيانِ فيدعو لهم، فأُتِيَ بصبيٍّ فبالَ على ثَوبِه، فدعَا بماءٍ فأتْبَعه إيَّاه، ولم يَغْسِلْه )) رواه البخاري (6355) واللفظ له، ومسلم (286).
3- عن أبي السَّمحِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كنتُ أخدُم النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكان إذا أراد أن يغتسلَ قال: ولِّني قفاك، فأُوليه قفاي، فأَسْتُره به، فأُتي بحَسنٍ أو حُسَينٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، فبال على صَدرِه، فجئتُ أغْسِلُه، فقال: يُغسَل مِن بَولِ الجارية، ويُرشُّ مِن بَولِ الغُلام )) رواه أبو داود (376) واللفظ له، والنَّسائي (224، 304)، وابن ماجه (526). حسَّنه البخاريُّ كما في ((التلخيص الحبير)) لابن حجر (1/55)، واحتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (1/101)، وصحَّحه ابن القيِّم في ((أعلام الموقعين)) (2/270)، وحسن إسناده ابن رجب في ((فتح الباري)) (1/334)، وصححه ابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (1/532)، وابنُ حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (2/402)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (376).
4- عن عليِّ بن أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في بَولِ الرَّضيعِ: ((يُنضَحُ بولُ الغُلامِ، ويُغسَلُ بولُ الجاريةِ )) رواه أبو داود (378)، والترمذيُّ (610)، وابن ماجه (525)، وأحمد (757). قال الترمذيُّ: حسن صحيح، وحسَّنه النوويُّ في ((المجموع)) (2/589)، وصحَّح إسناده ابنُ حجر في ((التلخيص الحبير)) (1/57) وقال: إلَّا أنَّه اختُلف في رفعه ووقفه، وفي وصْله وإرساله، وقد رجَّح البخاريُّ صحَّته، وكذا الدارقطنيُّ، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (2/111)، وصحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (610)، والوادعي ُّفي ((الصحيح المسنَد)) (974) وقال: رجاله ثقات, ولا يُعَلُّ بالموقوف.
ثانيًا: أنَّ بَولَ الصبيِّ ينتَشِرُ، فتَعظُم المشقَّةُ بغَسْله؛ فرُخِّصَ فيه انظر: ((أعلام الموقعين)) (2/45)، ((تحفة المودود)) (ص: 216).
الفرع الثَّالث: رَوْثُ الحَيوانِ وبَولُه
المسألة الأولى: رَوْثُ وبَوْلُ الحيوانِ غَيرِ مأكولِ اللَّحمِ
رَوْثُ الحيوانِ غَيرِ مأكولِ اللَّحمِ وبَولُه؛ نَجِسٌ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّةِ ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/241)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/202). ، والمالكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر 1/160)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/94)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص 27). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/548، 549)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/249). ، والحنابِلةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (1/340)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/64). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابن قُدامة: (وما خرج مِنَ الإنسانِ، أو البَهيمة التي لا يُؤكَلُ لَحمُها مِن بولٍ أو غيره، فهو نَجِسٌ، يعني: ما خرج من السبيلينِ، كالبول، والغائط، والمذْي، والوَدْي، والدَّم، وغيره. فهذا لا نعلَمُ في نجاسته خلافًا، إلَّا أشياءَ يسيرةً). ((المغني)) (2/64). وقال الكاسانيُّ: (بول ما لا يُؤكَلُ لَحمُه، نَجِسٌ نجاسةً غليظةً بالإجماع). ((بدائع الصنائع)) (1/81). وقال النوويُّ: (أمَّا بولُ باقي الحيواناتِ التي لا يُؤكَلُ لحمها، فنجِسٌ عندنا، وعند مالك وأبي حنيفة وأحمد، والعلماء كافَّة). ((المجموع)) (2/548).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أتَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الغائِطَ، فأمَرني أنْ آتيَه بثلاثةِ أحجارٍ، فوجدتُ حَجَرينِ، والتمستُ الثَّالِثَ فلم أجِدْه، فأخذتُ رَوثةً الرَّوْث: رجيعُ ذواتِ الحافِرِ. ((النهاية)) لابن الأثير (2/271)، ((لسان العرب)) لابن منظور (2/156). ، فأتيتُه بها، فأخَذ الحَجَرينِ وألقى الرَّوثةَ، وقال: هذا رِكسٌ )) رواه البخاريُّ (156).
ثانيًا: أنَّ سببَ تَحريمِ لَحمِه، هو خُبثُ مَأكَلِه؛ فبَولُه ورَجيعُه كذلك ((مجموع فتاوى ابن تيميَّة)) (21/585).
المسألة الثانية: رَوثُ وبَولُ الحَيوانِ المأكولِ اللَّحمِ
رَوثُ الحيوانِ مأكولُ اللَّحمِ وبولُه؛ طاهرٌ، وهذا مَذهَبُ المالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (1/94)، وينظر: ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 27). ، والحنابلةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (1/339)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/65). ، وهو اختيارُ الشوكانيِّ قال الشوكاني: (الظَّاهِرُ: طهارةُ الأبوالِ والأزبالِ مِن كلِّ حيوانٍ يُؤكلُ لحمه). ((نيل الأوطار)) (1/50). ، وابنِ باز قال ابن باز: (هذا هو الصَّواب: أنَّ بَولَ ما يُؤكَلُ لَحمُه ورَوْثُه كلُّه طاهِرٌ، مثل الإبل والبقر والغَنَم والصيد، كلُّه طاهر). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (29/105). ، وابنِ عُثيمين قال ابن عثيمين: (بَولُ ورَوْثُ الحيوانِ المأكول، طاهِرٌ، ولا يلزَمُ إذا أصابك منها شيءٌ أن تغسِلَ ثيابَك أو بدَنَك). ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء رقم: 35). وقال أيضًا: (كلُّ شيءٍ يُؤكَلُ لَحمُه، فرَوْثُه وبوله طاهر). ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء رقم: 17). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابن تيميَّة: (قد ذكرنا عن ابن المُنذِر وغيره أنَّه لم يُعرَف عن أحدٍ مِن السَّلفِ القَولُ بنجاسَتِها، ومن المعلوم الذي لا شكَّ فيه أنَّ هذا إجماعٌ على عَدَمِ النَّجاسةِ). ((مجموع فتاوى ابن تيميَّة)) (21/580). وقال أيضًا: (بولُ ما أُكِل لَحمُه ورَوْثُه، طاهِرٌ، لم يذهب أحدٌ من الصَّحابة إلى تنجُّسِه، بل القَولُ بنجاسَتِه قولٌ مُحدَث لا سلَفَ له من الصَّحابة). ((الفتاوى الكبرى)) (5/313). وقال أيضًا: (رُوي عن جابر رَضِيَ اللهُ عنه قوله: (ما أُكِل لَحمُه، فلا بأس ببَولِه) وهو قَولُ صحابيٍّ، وقد جاء مثلُه عن غيره من الصَّحابة؛ أبي موسى الأشعري وغيره، فينبني على أنَّ قولَ الصَّحابة أَولى مِن قول مَن بَعدَهم، وأحقُّ أن يُتَّبَع. وإنْ عُلم أنَّه انتشَرَ في سائِرِهم ولم ينكروه، فصار إجماعًا سكوتيًّا) ((مجموع الفتاوى)) (21/574).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((قدِم أناسٌ مِن عُكْلٍ أو عُرَينةَ، فاجْتَوَوا المدينةَ، فأمَرَهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بلِقاحٍ، وأنْ يَشرَبوا من أبوالِها وألبانِها )) رواه البخاري (233) واللفظ له، ومسلم (1671).
وجه الدَّلالة:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَر العُرَنيِّينَ أن يستقُوا من أبوالِ الإبِلِ وألبانِها، ولو كان نَجِسًا لَمَا أذِن بالتَّداوي بذلك، ولو كان أذِنَ لهم على سبيلِ الضَّرورة، لوجَب أن يُبيِّنَ لهم وجوبَ تَطهيرِ أفواهِهم وأيدِيهم وآنيَتِهم، فلمَّا لم يكُنْ شيءٌ من ذلك، دلَّ على أنَّه غَيرُ نَجِسٍ ((مجموع الفتاوى)) (21/559).
2- عن جابرِ بنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رجلًا سأل رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:... أُصلِّي في مرابِضِ الغَنم؟ قال: نعَمْ )) رواه مسلم (360).
3- عن عبد الله بن مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صَلُّوا في مرابِضِ الغَنَمِ، ولا تصلُّوا في أعطانِ الإبِلِ )) روى النَّسائي (735) آخِرَه، وابن ماجه (769) واللَّفظ له، وأحمد (16834). حسَّن إسناده ابن عبدِ البَرِّ في ((التمهيد)) (22/334)، وحسَّنه النوويُّ في ((المجموع)) (3/160)، وصحَّح إسنادَه الذهبيُّ في ((تنقيح تحقيق التعليق)) (1/123)، وصحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (769)، والوادعيُّ في ((الصَّحيح المسنَد)) (906).
4- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((صلُّوا في مرابضِ الغَنمِ )) رواه الترمذي (348)، وابن ماجه (768)، وأحمد (9824). قال الترمذيُّ: حسنٌ صحيح. واحتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (4/24)، وصحَّحه أحمد شاكر في ((شرح سنن الترمذي)) (2/181)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (348)، والوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (1269) وقال: على شَرْط الشيخين.
وجه الدَّلالةِ مِن الحَديثينِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أذِنَ في الصَّلاةِ في مرابِضِ الغَنم، ولو كان بولُها ورَوثُها نَجِسًا لَمَا أذِن في الصَّلاة؛ إذ يُشترَط للصلاةِ طَهارةُ المكانِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (21/571)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/450).
4- عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((طاف النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حَجَّةِ الوَداعِ على بعيرٍ، يستلِمُ الرُّكنَ بمِحْجَنٍ )) رواه البخاري (1607) واللفظ له، ومسلم (1272).
وجه الدَّلالة:
أنَّ إدخالَ البَعيرِ المَسجدَ، والطَّوافَ عليه؛ دليلٌ على طَهارةِ بَولِه؛ إذ لا يُؤْمَنُ بَولُ البَعيرِ في أثناءِ الطَّوافِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (21/571).
ثانيًا: البَراءةُ الأصليَّة، فالأصلُ الطَّهارةُ، حتى يأتيَ الدَّليلُ بِخِلافِها ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/450).
الفرع الرَّابع: المَنيُّ
المنيُّ طاهِرٌ، وهذا مَذهَبُ الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/553)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/72). والحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/335)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/68). والظَّاهريَّة ((المحلى)) لابن حزم (1/135)، ((الاستذكار)) لابن عبدِ البَرِّ (1/287). ، وبه قال طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ قال ابن عبدِ البَرِّ: (والمنيُّ عند أبي ثور، وأحمد، وإسحاق، وداود؛ طاهِرٌ... وهو قول سعد بن أبي وقَّاص، وعبد الله بن عبَّاس). ((الاستذكار)) (1/287). وقال النوويُّ: (وذهب كثيرون إلى أنَّ المنيَّ طاهِرٌ؛ رُوي ذلك عن عليِّ بن أبى طالب، وسعد بن أبي وقَّاص، وابن عمر، وعائشة) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (3/198). وقال أيضًا: (المنىُّ طاهر عندنا، وبه قال سعيد بن المسيَّب، وعطاء، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، وداود، وابن المُنذِر، وهو أصحُّ الرِّوايتين عن أحمد، وحكاه العبدري وغيره عن سعد بن أبى وقَّاص وابن عمر وعائشة رَضِيَ اللهُ عنهم). ((المجموع)) (2/554). ، واختاره ابنُ المُنذِر قال ابن المُنذِر: (المنيُّ طاهر، ولا أعلم دَلالةً من كتابٍ، ولا سُنَّة، ولا إجماعٍ، يوجِب غسله). ((الإشراف)) (1/332) ، وابنُ حَزمٍ قال ابن حزم: (والمنيُّ طاهر؛ في الماء كان أو في الجسد أو في الثوب، ولا تجِبُ إزالتُه، والبُصاق مثله ولا فَرقَ). ((المحلى)) (1/134). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (وأمَّا المنيُّ؛ فالصحيحُ أنَّه طاهر،كما هو مذهب الشافعيِّ وأحمد في المشهور عنه). ((مجموع الفتاوى)) (21/588، 604). ، وابنُ باز قال ابن باز: (المني طاهر) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (29/104). ، وابنُ عُثيمين قال ابن عثيمين: (ويُستثنى من ذلك أيضًا المنيُّ؛ وهو خارجٌ من السَّبيلِ، فهو داخلٌ في عمومِ قَولِه: (لكلِّ خارجٍ)، لكنَّه طاهِرٌ، والطَّاهِرُ لا يجِبُ الاستنجاءُ له) ((الشرح الممتع)) (1/140).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
 عن عبدِ اللهِ بنِ شِهابٍ الخَولانيِّ، قال: ((كنتُ نازلًا على عائشةَ، فاحتلمتُ في ثوبيَّ فغَمَسْتُهما في الماءِ، فرأتْني جاريةٌ لعائِشةَ فأخبَرَتْها، فبعَثَت إليَّ عائشةُ، فقالَت: ما حمَلَك على ما صنَعتَ بثَوبَيك؟ قال: قلتُ: رأيتُ ما يرَى النَّائِمُ في منامِه، قالتْ: هل رأيتَ فيهما شيئًا؟ قُلتُ: لا، قالت: فلو رأيتَ شيئًا غَسَلْتَه؟! لقد رأيتُني وإنِّي لأحُكُّه مِن ثَوبِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يابسًا بظُفرِي )) رواه مسلم (290).
وجه الدَّلالة:
أنَّ المنيَّ لو كان نَجِسًا لَمَا أنكرَت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها غسْلَه بالماءِ، ولَمَا فَرَكتْه؛ فإنَّ هذا من خصائِصِ المُستقذَراتِ، لا مِن أحكامِ النَّجاساتِ ((مجموع الفتاوى)) (21/589، 590).
ثانيًا: من الآثار
عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال في المنيِّ يُصيب الثَّوبَ: (أمِطْه عنك، قال أحدهما: بعُودٍ أو إذخرةٍ، وإنَّما هو بمنزلةِ البُصاقِ أو المُخاطِ) رواه الشافعيُّ في ((الأم)) (1/73)، والبيهقيُّ (4345). صحَّحه موقوفًا على ابن عباس البيهقيُّ في ((السنن الكبرى))، وابن الأثير في ((شرح مسند الشافعي)) (1/149)، وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (21/590): ثابت، وصحح إسناده ابن حجر في ((الدراية)) (1/92).
ثالثًا: أنَّه لو كان نجسًا لجاء الأمرُ بغَسلِه؛ لعمومِ البَلوى به، ومن المعلومِ أنَّه لم يَنقُلْ أحدٌ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَر أحدًا من الصَّحابة بغَسلِ المنيِّ مِن بَدَنِه ولا ثَوبِه، فعُلِمَ يقينًا أنَّ هذا لم يكُنْ واجبًا عليهم انظر: ((مجموع الفتاوى)) (21/605).
الفرع الخامس: المَذْي
المَذْيُ المذي: ماءٌ رقيقٌ لَزِجٌ، يخرج من الذَّكَر عقِبَ شهوةٍ. يُنظر: ((الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي)) للأزهري (ص: 30)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (4/312). نَجِسٌ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/242)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/24، 25). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/149)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/92). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/552)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/215). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/237)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/64). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابن عبدِ البَرِّ: (لم يختلفِ العلماءُ فيما عدَا المنيَّ مِن كل ما يخرُجُ مِن الذَّكَر؛ أنَّه نَجِسٌ). ((الاستذكار)) (1/286). وقال البغويُّ: (اتَّفقوا على نجاسة المذْي) ((شرح السنة)) (2/90). وقال ابن العربي: (أجمَعَ العُلَماءُ على أنَّ المذْي نجسٌ) ((عارضة الأحوذي)) (1/176). وقال ابن قدامة: (ما خرج مِن السَّبيلين، كالبول والغائط والمَذي والوَدْي والدَّم وغيره، فهذا لا نعلم في نجاسَتِه خِلافًا إلَّا أشياءَ يسيرةً) ((المغني)) (2/64). وقال النوويُّ: (أجمعت الأمَّة على نجاسةِ المذي). ((المجموع)) (2/552). ونقَل بعضُ الحنابلة خلافًا في ذلك، وأنَّ المذيَ طاهرٌ كالمنيِّ؛ لأنَّه جزء منه، وسبَبُهما جميعًا الشَّهوة. قال ابن قدامة: (رُوي عن أحمد رحمه الله أنَّه بمنزلةِ المني؛ قال في رواية محمَّد بن الحكم: إنَّه سألَ أبا عبد الله عن المذي أشدُّ أو المنيُّ؟ قال: هما سواءٌ، ليسَا من مخرج البَولِ، إنَّما هما من الصُّلب والترائِبِ، كما قال ابن عبَّاس: هو عندي بمنزلةِ البُصاق والمُخاط، وذكَر ابن عقيل نحوَ هذا، وعلَّل بأنَّ المَذْي جزء من المنيِّ؛ لأنَّ سببهما جميعًا الشهوة، ولأنَّه خارجٌ تُحلِّله الشهوة، أشبه المنيَّ). ((المغني)) (2/64). قال ابن حجر: (استدلَّ به أيضًا على نجاسةِ المذي، وهو ظاهِرٌ، وخرَّج ابن عقيل الحنبليُّ مِن قول بعضهم: إنَّ المذي من أجزاء المني، روايةً بطهارَتِه، وتُعُقِّب بأنَّه لو كان منيًّا لوَجَبَ الغُسلُ منه). ((فتح الباري)) (1/381).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كنتُ رجلًا مذَّاءً، فأمرتُ رجلًا أن يسألَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لمكانِ ابنَتِه، فسأل، فقال: توضَّأْ، واغسِلْ ذَكَرك )) رواه البخاري (269) واللفظ له، ومسلم (303).
ثانيًا: لأنَّه خارِجٌ من سبيلِ الحَدَثِ، فهو كالبَولِ ((المجموع)) للنووي (2/553).
الفرع السَّادس: الوَدْي 
الوَدْيُ الودي: ماء لزج، يخرج عقِبَ البول بلا شهوة. يُنظر: ((الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي)) للأزهري (ص: 30)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (5/169). نَجِسٌ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/242)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/24، 25). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/149)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/92). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/552)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/215). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/244)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/64). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابن عبدِ البَرِّ: (لم يختلفِ العلماءُ فيما عدَا المنيَّ مِن كل ما يخرُج من الذَّكَر؛ أنَّه نجِسٌ). ((الاستذكار)) (1/286). وقال ابن قدامة: (ما خرَج من السَّبيلين، كالبول والغائط والمذي والودي والدَّم وغيره، فهذا لا نعلم في نجاسته خِلافًا إلَّا أشياء يسيرة). ((المغني)) (2/64). وقال النوويُّ: (أجمعت الأمَّة على نجاسة المذي والودي). ((المجموع)) (2/552). وقال ابن جزي: (وأمَّا المذي والودي، فنجِسان باتِّفاق). ((القوانين الفقهية)) (ص: 27). لكن في ((شرح خليل)) للخرشي (1/417): (وأمَّا المذْي والودْي، فقد حكَى بعضُهم الإجماعَ على نجاسَتِهما، وتعقَّبه ابن دقيق العيد بنَقْل رواية عن أحمد بطهارة الودْي). وقال المرداويُّ من الحنابلة: (الصَّحيحُ من المذهب: أنَّ الوديَ نَجِسٌ، وعنه أنَّه كالمَذيِ). ((الإنصاف)) (1/244). وذلك لأنَّ الودْيَ يخرُج عقبَ البولِ غالبًا، فيُعطى حُكمَه ((المجموع)) للنووي (2/553).
الفرع السَّابع: رُطوبةُ فَرْجِ المرأةِ
رُطوبة فَرْجِ المرأة رُطوبة الفَرْج: ماءٌ أبيضُ، متردِّد بين المذْي والعَرَق. ((المجموع)) للنووي (2/570). طاهرةٌ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة رُطوبة فَرْج المرأة عند الحنفيَّة على قسمين: القسم الأوَّل: رطوبة فَرْجِ المرأة إذا ظهَرَت من الخارج، فهذه طاهرةٌ باتِّفاقهم. القسم الثَّاني: رطوبة فَرْج المرأة من الدَّاخِل، فهذه طاهرةٌ عند أبي حنيفةَ، خلافًا لأبي يوسف ومحمَّد بن الحسن. ((حاشية الطَّحطاوي)) (ص: 64)، قال ابن عابدين: (وهذا إذا لم يكُنْ معه دم، ولم يخالِطْ رطوبةَ الفَرْج مذْيٌ أو منيٌّ من الرَّجُلِ أو المرأة). ((حاشية ابن عابدين)) (1/349). ، والأصح عند الشَّافعيَّة رطوبة الفَرْج عند الشافعيَّة على ثلاثة أقسام: طاهرة قطعًا، وهي ما تكون في المحلِّ الذي يظهر عند جُلوسِها، وهو الذي يجب غَسْلُه في الغُسلِ والاستنجاءِ، ونَجِسة قطعًا، وهي ما وراء ذَكَر المُجامِع، وطاهرة على الأصحِّ، وهي ما يصلُه ذَكَر المُجامِع. ((المجموع)) للنووي (2/570)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/81)، ((حاشية الشرواني على تحفة المحتاج)) (1/301). قال النوويُّ: (وقد استدلَّ جماعة من العلماءِ بهذا الحديث على طهارةِ رُطوبة فرْج المرأة، وفيها خلافٌ مشهور عندنا، وعند غيرنا، والأظهَرُ طهارتُها). ((شرح النووي على مسلم)) (3/198). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/341)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/65)، قال ابن تيميَّة: (وأمَّا الرُّطوبةُ التي في فَرْج المرأة، فطاهرةٌ في أقوى الرِّوايتينِ). ((شرح عمدة الفقه لابن تيميَّة- من كتاب الطهارة والحج)) (1/112).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن علقمةَ والأسودِ: ((أنَّ رجلًا نزَل بعائشةَ، فأصبَحَ يَغسِلُ ثوبَه، فقالت عائشةُ: إنَّما كان يُجزِئُك إنْ رأيتَه أن تغسِلَ مكانَه، فإنْ لم تَرَ نضَحْتَ حوله، ولقد رأيتُني أفركُه مِن ثَوبِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فركًا، فيُصلِّي فيه )) رواه مسلم (288).
وجه الدَّلالة:
أنَّ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها كانتْ تفرُكُ المنيَّ مِن ثَوبِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو مِن جِماعٍ، وهو يُلاقي رطوبةَ الفَرْجِ, فلو حَكَمْنا بنجاسةِ رُطوبةِ فَرْجِ المرأة، لحَكَمْنا بنجاسةِ منيِّها; لأنَّه يخرُجُ مِن فَرجِها, فيتنجَّسُ برُطوبَتِه ((المغني)) لابن قدامة (2/65). قال ابن عثيمين: (إذا كانت مِن مَسلَكِ الذَّكر، فهي طاهرةٌ؛ لأنَّها ليست من فَضلاتِ الطَّعامِ والشَّراب، فليست بَولًا، والأصل عدَم النَّجاسةِ، حتى يقومَ الدَّليل على ذلك؛ ولأنَّه لا يلزَمُه إذا جامَع أهلَه أن يغسِلَ ذَكَره ولا ثيابَه إذا تلوَّثَت به، ولو كانت نَجِسةً للزمَ من ذلك أن يَنجُس المنيُّ؛ لأنَّه يتلوَّثُ بها). ((الشرح الممتع)) (1/457).
ثانيًا: أنَّ القَولَ بنجاسةِ رُطوبةِ فرْجِ المرأةِ، فيه حرجٌ شديدٌ؛ لأنَّ في التحرُّزِ منه مشقَّةً كبيرةً، فلو أنَّ الرُّطوبةَ نَجِسةُ العين لخُفِّفَ ذلك من أجْل المشقَّةِ؛ فإنَّ كلَّ ما لا يُمكِنُ الاحترازُ عن مُلابَسَتِه، فهو مَعفوٌّ عنه ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (21/592).

انظر أيضا: