الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالِثُ: هَل يُنقَضُ العَقدُ بخَوفِ المُسلِمينَ مِنَ الكُفَّارِ الخيانةَ؟


إذا خافَ الإمامُ نَقضَ العَهدِ مِنَ الكُفَّارِ نَبَذَ إليهم عَهدَهم [679] أي: يُعلِمُهم أنَّه يُريدُ أن يَغزوَهم، وأنَّ الصُّلحَ الذي كان بَينَهم قدِ ارتَفَعَ، فيَكونُ الفَريقانِ في ذلك على السَّواءِ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (2/ 318). ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [680] تَوسَّعَ الحَنَفيَّةُ في جَوازِ نَبذِ العَهدِ؛ إذ إنَّهم يَرَونَ أنَّ للإمامِ حَقَّ النَّبذِ إذا كان هُناكَ خَيرٌ ومَصلَحةٌ للمُسلِمينَ، ومِن بابِ أولى إذا خافَ خيانَتَهم. ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/ 86). ويُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (3/ 87). ، والمالِكيَّةِ [681] نَصَّ المالِكيَّةُ على أنَّ الإمامَ إذا ظَنَّ خيانَتَهم نَبَذَه وُجوبًا وأنذَرَهم وُجوبًا بأنَّه لا عَهدَ لَهم، وإذا تَحَقَّقَ خيانَتَهم نَبَذَه بلا إنذارٍ. ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 206)، ((منح الجليل)) لعليش (3/ 229). ، والشَّافِعيَّةِ [682] ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (11/ 463)، ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 338). ، والحَنابِلةِ [683] ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/ 116)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (2/ 590). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
قَولُه تَعالى: وإمَّا تَخافَنَّ مِن قَومٍ خيانةً فانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ [الأنفال: 58] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّتِ الآيةُ صَراحةً إذا خِفنا غَدرَهم وخَدْعَتَهم ولَم يُظهِروا نَقضَ العَهدِ أن نُعلِمَهم فَسخَ ما بَينَنا وبَينَهم مِنَ العَهدِ والهدنةِ، حَتَّى يَستَويَ الجَميعُ [684] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (3/ 87).                  .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَن سُلَيمِ بنِ عامِرٍ، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((مَن كان بَينَه وبَينَ قَومٍ عَهدٌ فلا يَشُدَّ عُقدةً ولا يَحُلَّها حَتَّى يَنقَضيَ أمَدُها، أو يَنبِذَ إليهم على سَواءٍ)) [685] أخرجه أبو داود (2759) واللفظ له، والترمذي (1580)، وأحمد (17015). صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحهـ)) (4871)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (120)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2759)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2759)، وقال الترمذيُّ: حسنٌ صحيحٌ. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
فيه دَليلٌ على أنَّ العَهدَ الذي يَقَعُ بَينَ المُسلِمينَ وبَينَ العَدوِّ ليس بعَقدٍ لازِمٍ لا يَجوزُ القِتالُ قَبلَ انقِضاءِ مُدَّتِه، ولَكِن لا يَجوزُ أن يُفعَلَ ذلك إلَّا بَعدَ الإعلامِ به والإنذارِ فيه [686] يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (2/ 318).       .
ثالثًا: لأنَّه يَسقُطُ اليَقينُ -وهو الهدنةُ- بالظَّنِّ القَويِّ -وهو خَوفُ الخيانةِ- للضَّرورةِ [687] يُنظر: ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 206)، ((منح الجليل)) لعليش (3/ 229).     .
رابعًا: لأنَّ إبقاءَ العَهدِ مَعَ خَوفِ الغَدرِ تَركُ الجِهادِ صورةً ومَعنًى، فلا بُدَّ مِنَ النَّبذِ؛ تَحَرُّزًا عَنِ الغَدرِ [688] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/ 86).        .

انظر أيضا: