الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: إتلافُ أشجارِ العَدوِّ إذا دَعَتِ الحاجةُ إليه


يَجوزُ إتلافُ شَجَرِ العَدوِّ بالحَرقِ أوِ القَطعِ عِندَ الحاجةِ لذلك والمَصلَحةِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [621] ((المبسوط)) للسرخسي (10/ 31). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 100). ، والمالِكيَّةِ [622] ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 180). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (3/ 117). ، والشَّافِعيَّةِ [623] ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (11/ 422)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 226). ، والحَنابِلةِ [624] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 237،238)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/ 49). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [625] قال ابنُ قُدامةَ (الشَّجَرُ والزَّرعُ يَنقَسِمُ ثَلاثةَ أقسامٍ؛ أحَدُها: ما تَدعو الحاجةُ إلى إتلافِه، كالذي يَقرُبُ مِن حُصونِهم، ويَمنَعُ مِن قِتالِهم، أو يَستَتِرونَ به مِنَ المُسلِمينَ، أو يُحتاجُ إلى قَطعِه لتَوسِعةِ طَريقٍ، أو تَمَكُّنٍ مِن قِتالٍ، أو سَدِّ بَثقٍ، أو إصلاحِ طَريقٍ، أو سِتارةِ مَنجَنيقٍ، أو غَيرِه، أو يَكونونَ يَفعَلونَ ذلك بنا، فيُفعَلُ بهم ذلك ليَنتَهوا؛ فهذا يَجوزُ بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُهـ). ((المغني)) (9/ 233،234).  وقال ابنُ تيميَّةَ (اتَّفَقَ العُلَماءُ على جَوازِ إتلافِ الشَّجَرِ والزَّرعِ الذي للكُفَّارِ، إذا فعَلوا بنا مِثلَ ذلك، أو لم يُقدَرْ عليهم إلَّا به. وفي جَوازِه بدونِ ذلك نِزاعٌ مَعروفٌ. وهو رِوايَتانِ عن أحمَدَ. والجَوازُ مَذهَبُ الشَّافِعيِّ وغَيرِهـ). ((منهاج السنة النبوية)) (3/ 442).  وقال ابنُ التُّركُمانيِّ: (قَطعُ الشَّجَرِ يَجوزُ عِندَ الحاجةِ بالاتِّفاقِ). ((الجوهر النقي)) (9/ 87).  وقال الزَّركَشيُّ: (حَرقُ الشَّجَرِ والزَّرعِ يَنقَسِمُ ثَلاثةَ أقسامٍ؛ (أحَدُها): يَجوزُ بلا خِلافٍ على ما قال أبو مُحَمَّدٍ، وهو ما إذا كانوا يَفعَلونَ ذلك بنا فنَفعَلُ ذلك بهم ليَنتَهوا، ولما تَقدَّمَ، أو لا يُقدَرُ عليهم إلَّا بذلك، كالذي يَقرُبُ مِن حُصونِهم، ويَمنَعُ مِن قِتالِهم، أو يَستَتِرونَ به مِنَ المُسلِمينَ، ونَحوِ ذلك). ((شرح الزركشي)) (6/ 529).  وقال المَرداويُّ: (اعلَمْ أنَّ الزَّرعَ والشَّجَرَ يَنقَسِمُ ثَلاثةَ أقسامٍ؛ أحَدُها: ما تَدعو الحاجةُ إلى إتلافِه لغَرَضٍ ما، فهذا يَجوزُ قَطعُه وحَرقُه، قال المُصَنِّفُ والشَّارِحُ: بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُهـ). ((الإنصاف)) (4/ 127). وقال ابنُ حَجَرٍ: (ذَهَبَ الجُمهورُ إلى جَوازِ التَّحريقِ والتَّخريبِ في بلادِ العَدوِّ، وكَرِهَه الأوزاعيُّ، واللَّيثُ، وأبو ثَورٍ، واحتَجُّوا بوصيَّةِ أبي بَكرٍ لجُيوشِه أن لا يَفعَلوا شَيئًا مِن ذلك، وأجابَ الطَّبَريُّ بأنَّ النَّهيَ مَحمولٌ على القَصدِ لذلك، بخِلافِ ما إذا أصابوا ذلك في خِلالِ القِتالِ، كما وقَعَ في نَصبِ المَنجَنيقِ على الطَّائِفِ، وهو نَحوُ ما أجابَ به في النَّهيِ عن قَتلِ النِّساءِ والصِّبيانِ، وبهذا قال أكثَرُ أهلِ العِلمِ، ونَحوُ ذلك القَتلُ بالتَّغريقِ. وقال غَيرُه: إنَّما نَهى أبو بَكرٍ جُيوشَه عن ذلك؛ لأنَّه عَلِمَ أنَّ تلك البِلادَ سَتُفتَحُ، فأرادَ إبقاءَها على المُسلِمينَ). ((فتح الباري)) (6/155). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
1- قَولُه تعالى: ما قَطَعتُم مِن لِينَةٍ أَوْ تَرَكتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِها فَبِإذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ [الحشر: 5] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أباحَ اللهُ سُبحانَه قَطعَ النَّخيلِ، ونَبَّهَ أنَّ ذلك يَكونُ كَبتًا وغَيظًا للعَدوِّ، فيَكونُ مَأمورًا به إذا حَقَّقَ المَقصَدَ مِنه، وقد نَزَلَتِ الآيةُ في قَطعِ نَخيلِ بَني النَّضيرِ، وسَوَّى بَينَ القَطعِ والتَّركِ [626] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 100). ويُنظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (7/ 20)، ((المعونة)) للقاضي عبد الوهاب (ص: 603)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 355). .
2- قَولُه تعالى: وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [التوبة: 120] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قَطعِ أشجارِهم إذلالٌ لَهم وإصغارُهم ونِكايةٌ بهم ومُغايَظةٌ لهم، فيَكونُ مَأمورًا به [627] يُنظر: ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 355)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 226). .
3- قَولُه تعالى: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [الحشر: 2] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
ذَكَرَ اللهُ سُبحانَه تَخريبَ بَني النَّضيرِ لبُيوتِهم بأيديهم وتَخريبَ المُؤمِنينَ كَذلك على وَجهِ الإقرارِ؛ إذ لم يَنهَ عنه، فدَلَّ على مَشروعيَّةِ ذلك عِندَ الحاجةِ إليه [628] يُنظر: ((أحكام القرآن للشافعي)) جمع البيهقي (2/ 44). ، ويَلحَقُ بذلك إتلافُ الشَّجَرِ.
 ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عنِ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَرَّقَ نَخلَ بَني النَّضيرِ وقَطَعَ، وهيَ البُوَيرةُ، فأنزَلَ اللهُ تعالى: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ [الحشر: 5] )) [629] أخرجه البخاري (4884)، ومسلم (1746). .
ثالثًا: لأنَّ ذلك مِن بابِ القِتالِ؛ لِما فيه مِن كَبتِ العَدوِّ وقَهرِهم وغَيظِهم، وكَسرِ شَوكَتِهم وتَفريقِ شَملِهم [630] يُنظر: ((السير الصغير)) للشيباني (ص: 110)، ((المبسوط)) للسرخسي (10/ 32)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 100)، ((تحبير المختصر)) لبهرام (2/ 465)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/ 244)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 226). .
رابعًا: لأنَّه لَمَّا جازَ قَتلُ النُّفوسِ -وهيَ أعظَمُ حُرمةً مِن هذه الأشجارِ- لكَسرِ شَوكَتِهم، فما دونَه مِن قَطعِ الأشجارِ مِن بابِ أَولى [631] يُنظر: ((شرح السير الكبير)) للسرخسي (ص: 43). .

انظر أيضا: