الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الرَّابِعُ: التَّمثيلُ بقَتلى الكُفَّارِ بَعدَ انتِهاءِ الحَربِ


لا يَجوزُ التَّمثيلُ بقَتلى الكُفَّارِ بَعدَ انتِهاءِ الحَربِ ولا بأَسْرَاهم [609] ونَصَّ الحَنَفيَّةُ والمالِكيَّةُ على جَوازِ التَّمثيلِ بقَتلى الكُفَّارِ أثناءَ القِتالِ. يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (4/ 131)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 548). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن بُرَيدةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أمَّرَ أميرًا على جَيشٍ أو سَريَّةٍ أوصاه في خاصَّتِه بتَقوى اللهِ، ومَن مَعَه مِنَ المُسلِمينَ خَيرًا. ثُمَّ قال: اغزوا باسمِ اللهِ في سَبيلِ اللهِ، قاتِلوا مَن كَفَرَ باللهِ، اغزوا ولا تَغُلُّوا ولا تَغدِروا، ولا تَمثُلوا ولا تَقتُلوا وليدًا [610] أخرجه مسلم (1731). .
2- عن شَدَّادِ بنِ أوسٍ رَضيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إنَّ اللهَ كَتَبَ الإحسانَ على كُلِّ شَيءٍ، فإذا قَتَلتُم فأحسِنوا القِتلةَ...)) [611] أخرجه مسلم (1955). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
الإحسانُ في قَتلِ ما يَجوزُ قَتلُه مِنَ النَّاسِ والدَّوابِّ هو إزهاقُ نَفسِه على أسرَعِ الوُجوهِ وأسهَلِها وأوحاها مِن غَيرِ زيادةٍ في التَّعذيبِ؛ فإنَّه إيلامٌ لا حاجةَ إليه [612] ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/ 428). ويُنظر: ((نخب الأفكار)) للعيني (15/ 285). ، والتَّمثيلُ بالأَسْرى ليس مِنَ الإحسانِ المَأمورِ به.
ثانيًا: من الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك [613] نَصَّ على التَّحريمِ ابنُ عَبدِ البَرِّ، والمَغرِبيُّ، والصَّنعانيُّ. وعَلى الكَراهةِ: القاضي عياضٌ، والقُرطُبيُّ، والنَّوويُّ. : ابنُ عَبدِ البَرِّ [614] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ (أجمَعَ العُلَماءُ على القَولِ بهذا الحَديثِ ولَم يَختَلِفوا في شَيءٍ مِنه، فلا يَجوزُ عِندَهمُ الغُلولُ ولا الغَدرُ ولا المُثلةُ... المُثلةُ لا تَحِلُّ بإجماعٍ، والمُثلةُ المَعروفةُ نَحوُ قَطعِ الأنفِ والأُذُنِ وفَقءِ العَينِ وشِبهِ ذلك مِن تَغييرِ خَلقِ اللهِ). ((التمهيد)) (24/ 233،234). ، والقاضي عِياضٌ [615] قال القاضي: (لا خِلافَ في تَحريمِ الغُلولِ والغَدرِ، وكَراهةِ المُثلةِ في الحَربِ). ((إكمال المعلم)) (6/ 31). ، والقُرطُبيُّ [616] قال القُرطُبيُّ: (والتَّمثيلُ هُنا: التَّشويهُ بالقَتيلِ؛ كَجَدعِ أنفِه، وأُذُنِه، والعَبَثِ به. ولا خِلافَ في تَحريمِ الغُلولِ والغَدرِ، وفي كَراهةِ المُثلةِ). ((المفهم)) (3/ 512). ، والنَّوَويُّ [617] قال النَّوويُّ: (وفي هذه الكَلِماتِ مِنَ الحَديثِ فوائِدُ مُجمَعٌ عليها، وهيَ: تَحريمُ الغَدرِ، وتَحريمُ الغُلولِ، وتَحريمُ قَتلِ الصِّبيانِ إذا لم يُقاتِلوا، وكَراهةُ المُثلةِ). ((شرح مسلم)) (12/ 37). ، والمَغربيُّ [618] قال المَغرِبيُّ: (وفي هذه الكَلِماتِ مِنَ الحَديثِ فوائِدُ مُجمَعٌ عليها، وهيَ: تَحريمُ الغَدرِ، وتَحريمُ الغُلولِ، وتَحريمُ قَتلِ الصِّبيانِ، وتَحريمُ المُثلةِ). ((البدر التمام)) (9/ 213). ، والصَّنعانيُّ [619] قال الصَّنعانيُّ: (في الحَديثِ مَسائِلُ؛ الأولى: دَلَّ على أنَّه إذا بَعَثَ الأميرُ مَن يَغزو أوصاه بتَقوى اللهِ، وبمَن يَصحَبُه مِنَ المُجاهِدينَ خَيرًا، ثُمَّ يُخبِرُه بتَحريمِ الغُلولِ مِنَ الغَنيمةِ، وتَحريمِ الغَدرِ، وتَحريمِ المُثلةِ، وتَحريمِ قَتلِ صِبيانِ المُشرِكينَ، وهذه مُحَرَّماتٌ بالإجماعِ). ((سبل السلام)) (4/ 46). .
ثالثًا: لأنَّ في المُثلةِ تَغييرَ خَلقِ اللهِ مِن غَيرِ حاجةٍ لذلك [620] يُنظر: ((التمهيد)) لابن عبد البر (24/ 234). .

انظر أيضا: