الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالِثُ: حُكمُ رَميِ العَدوِّ إذا تَتَرَّسَ بالمُسلِمينَ


إذا تَحَصَّنَ العَدوُّ بالمُسلِمينَ واحتَمى بهم فإنَّه يَجوزُ للمُسلِمينَ رَميُ العَدوِّ بالسِّلاحِ إذا دَعَتِ الضَّرورةُ إلى رَميِهم [601] ويَتَوقَّى المُسلِمينَ الذينَ تَتَرَّسوا بهم حَسَبَ الإمكانِ. ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [602] ((المبسوط)) للسرخسي (10/ 64،65). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 100،101). ، والمالِكيَّةِ [603] اشترط المالِكيَّةُ لجَوازِ رَميِ التُّرسِ إذا خافَ أكثَرُ المُسلِمينَ مِنَ العَدوِّ. ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 178). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (3/ 114). ، والشَّافِعيَّةِ [604] ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 246)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 224). ، والحَنابِلةِ [605] ((الفروع)) لابن مفلح (10/ 255،256)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 240). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [606] قال القُرطُبيُّ: (قد يَجوزُ قَتلُ التُّرسِ، ولا يَكونُ فيه اختِلافٌ إن شاءَ اللهُ، وذلك إذا كانَتِ المَصلَحةُ ضَروريَّةً كُلِّيَّةً قَطعيَّةً؛ فمَعنى كَونِها ضَروريَّةً: أنَّها لا يَحصُلُ الوُصولُ إلى الكُفَّارِ إلَّا بقَتلِ التُّرسِ، ومَعنى أنَّها كُلِّيَّةٌ: أنَّها قاطِعةٌ لكُلِّ الأُمَّةِ؛ حَتَّى يَحصُلَ مِن قَتلِ التُّرسِ مَصلَحةُ كُلِّ المُسلِمينَ، فإن لم يفعَلْ قَتَلَ الكُفَّارُ التُّرسَ واستَولَوا على كُلِّ الأُمَّةِ. ومَعنى كَونِها قَطعيَّةً: أنَّ تلك المَصلَحةَ حاصِلةٌ مِن قَتلِ التُّرسِ قَطعًا. قال عُلَماؤُنا: وهذه المَصلَحةُ بهذه القُيودِ لا يَنبَغي أن يُختَلَفَ في اعتِبارِها). ((الجامع لأحكام القرآن)) (16/ 287،288).  وقال ابنُ تيميَّةَ: (اتَّفَقَ العُلَماءُ على أنَّ جَيشَ الكُفَّارِ إذا تَتَرَّسوا بمَن عِندَهم مِن أسرى المُسلِمينَ، وخيفَ على المُسلِمينَ الضَّرَرُ إذا لم يُقاتِلوا؛ فإنَّهم يُقاتَلونَ، وإن أفضى ذلك إلى قَتلِ المُسلِمينَ الذينَ تَتَرَّسوا بهم). ((مجموع الفتاوى)) (28/ 546). وخالف في ذلك الشَّافِعيَّةُ في وجهٍ لَهم، والحَسَنُ بنُ زيادٍ مِنَ الحَنَفيَّةِ، وقالوا: لا يَجوزُ رَميُهم. يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (10/ 53،52)، ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 246). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ تَركَ رَميِ الكُفَّارِ في هذه الحالةِ قد يَكونُ ذَريعةً إلى تَعطيلِ الجِهادِ [607] يُنظر: ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (11/ 397)، ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 245)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (4/ 191). .
ثانيًا: لأنَّ تَركَ قِتالِهم في هذه الحالةِ ضَرَرُه أكبَرُ، فيُحتَمَلُ الضَّرَرُ الأقَلُّ لدَفعِ الأعلى [608] يُنظر: ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (11/ 397)، ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 246)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 240)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (4/ 191)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 224). .

انظر أيضا: