الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّاني: حُكمُ الهُدنةِ (المُصالَحةِ) مَعَ أهلِ الحَربِ


تَجوزُ الهُدنةُ إذا تَضَمَّنَت مَصلَحةً راجِحةً للمُسلِمينَ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
1- قَولُه تعالى: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ [التوبة: 1-2] .
2- قَولُه تعالى: إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة: 4] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ المُعاهَدينَ الذينَ عَقدوا الهُدنةَ مَعَ المُسلِمينَ ولَم يَنقُضوها، فإنَّه يَجِبُ على المُسلِمينَ الوفاءُ بعَهدِهم [401] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (8/71). ؛ فدَلَّ ذلك على جَوازِ الهُدنةِ مَعَ المَصلَحةِ الرَّاجِحةِ.
3 – قَولُه تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا [الأنفال: 61] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ مَعنى الآيةِ: إن دَعَوكَ إلى الصُّلحِ فأجِبْهُم [402] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (8/40). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضيَ اللهُ عنهُما، قال: ((لَمَّا صالَحَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أهلَ الحُدَيبيَةِ كَتَبَ عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ بَينَهم كِتابًا، فكَتَبَ: مُحَمَّدٌ رَسولُ اللهِ، فقال المُشرِكونَ: لا تَكتُب: مُحَمَّدٌ رَسولُ اللهِ، لَو كُنتَ رَسولًا لَم نُقاتِلْك، فقال لعَليٍّ: امحُه، فقال عَليٌّ: ما أنا بالذي أمحاه، فمَحاه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيَدِه، وصالَحَهم على أن يَدخُلَ هو وأصحابُه ثَلاثةَ أيَّامٍ، ولا يَدخُلوها إلَّا بجُلُبَّانِ السِّلاحِ، فسَألوه ما جُلُبَّانُ السِّلاحِ؟ فقال: القِرابُ بما فيهـ)) [403] أخرجه البخاري (2698) واللفظ له، ومسلم (1783). .
ثالثًا: من الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ [404] قال ابنُ حَزمٍ: (اتَّفَقوا أنَّ إعطاءَ المُهادَنةِ على إعطاءِ الجِزيةِ بالشُّروطِ التي قدَّمنا: جائِزةٌ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 122). ، وابنُ قُدامةَ [405] قال ابنُ قُدامةَ: (يَتَنَوَّعُ الصُّلحُ أنواعًا: صُلحٌ بَينَ المُسلِمينَ وأهلِ الحَربِ، وصُلحٌ بَينَ أهلِ العَدلِ وأهلِ البَغيِ، وصُلحٌ بَينَ الزَّوجَينِ إذا خيفَ الشِّقاقُ بَينَهما... وأجمَعَتِ الأئِمَّةُ على جَوازِ الصُّلحِ في هذه الأنواعِ التي ذَكَرناها). ((المغني)) (4/357). ، والرَّمليُّ [406] قال الرَّمليُّ: (الأصلُ فيها قَبلَ الإجماعِ أوَّلُ سورةِ بَراءة «ومُهادَنَتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قُرَيشًا عامَ الحُدَيبيةِ»، وكانَت سَبَبًا لفَتحِ مَكَّةَ؛ لأنَّ أهلَها لَمَّا خالَطوا المُسلِمينَ وسَمِعوا القُرآنَ أسلَمَ مِنهُم خَلقٌ كَثيرٌ أكثَرُ مِمَّن أسلَمَ قَبلُ، وهيَ جائِزةٌ لا واجِبةٌ أصالةً). ((نهاية المحتاج)) (8/106). .
رابعًا: أنَّ النَّبيَّ هادَنَ قُرَيشًا لعَشرةِ أعوامٍ حَتَّى نَقَضوا عَهدَه [407] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (8/40). .
خامسًا: لأنَّه قد يَكونُ بالمُسلِمينَ ضَعفٌ، فيُهادِنُهم حَتَّى يَقوى المُسلِمونَ [408] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/297). .

انظر أيضا: