موسوعة التفسير

سورةُ التَّوبةِ
الآيتان (3 - 4)

ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ

غريب الكلمات:

وَأَذَانٌ: أي: إعلامٌ، وأصلُ (أذن): يدلُّ على العِلمِ والإعلامِ [35] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 182)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/75)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 134)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 221)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 72). .
يُظَاهِرُوا: أي: يُعاوِنوا ويُعِينوا، والظَّهيرُ: العَوْنُ، وأصلُ (ظهر): يدلُّ على قوَّةٍ وبُروزٍ [36] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 182)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 532)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/471)، ((تفسير القرطبي)) (8/71)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 221). .

مشكل الإعراب:

قَولُه تعالى: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ
وَرَسُولُهُ: مرفوعٌ على أنَّه مَعطوفٌ على الضَّميرِ في بَرِيءٌ وجاز ذلك العَطفُ للفَصلِ بـ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ؛ فهو مسوِّغٌ للعَطفِ؛ لِأَنه يقومُ مقَامَ التَّوكيدِ، أو مَرفوعٌ على أنه مُبتَدأٌ، والخَبَرُ مَحذوفٌ، أي: ورَسولُه بَريءٌ، وإنَّما حُذِفَ للدَّلالةِ عليه. وقيل غيرُ ذلك [37] يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/323)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (2/634)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (6/7). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ اللهُ تعالى: وهذا إعلامٌ مِن اللهِ ورَسولِه إلى جميعِ النَّاسِ مُسلِمِهم وكافِرِهم، يومَ النَّحرِ بأنَّ اللهَ بَريءٌ مِن عُهودِ المُشرِكينَ، ورسولُه كذلك بريءٌ منها، فإن تُبتُم- أيُّها المُشرِكونَ- فهو خيرٌ لكم، وإن أعرَضْتُم فاعلَمُوا أنَّكم لن تُعجِزوا اللهَ، ولن تَفُوتوا مِن عقابِه، وبَشِّرْ- يا مُحمَّدُ- الكافرينَ بعَذابٍ مُوجِعٍ.
ثمَّ استثنى اللهُ ممَّا بَرِئَ منه هو ورَسولُه مِن عُهودِ الكُفَّارِ بعضَ المُعاهَدينَ الذين عاهَدَهم المُؤمِنونَ، ثمَّ وَفَوْا بعُهودِهم مع المُؤمِنينَ، ولم ينقُصوهم شيئًا من ذلك، وأمَرَ المؤمنينَ أن يُؤَدُّوا إليهم عَهدَهم إلى أنْ تَنتهِيَ المُدَّةُ التي اتَّفَقوا عليها؛ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقينَ الذين يَفُونَ بِعُهودِهم ولا يَنقُضونَها.

تفسير الآيتين:

وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) .
وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ .
أي: وهذا إعلامٌ مِنَ اللهِ ورَسولِه إلى جميعِ النَّاسِ مُسلِمِهم وكافِرِهم، يومَ النَّحرِ [38] قال ابنُ جريرٍ: (وأولى الأقوالِ في ذلك بالصِّحةِ عندنا: قولُ من قال: يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يومُ النَّحرِ؛ لتَظاهرِ الأخبارِ عن جماعَةٍ مِن أصحابِ رسولِ اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ عَلِيًّا نادَى بما أرسَلَه بِه رسولُ اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم مِنَ الرِّسالَةِ إلى المشرِكينَ، وتَلا عليهم براءَةَ يومَ النَّحْرِ. هذا معَ الأخبارِ الَّتي ذكَرْناها عن رسولِ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال يومَ النَّحْرِ: أتدرونَ أيُّ يومٍ هذا؟ هذا يومُ الحجِّ الأكبرِ. وبعدُ: فإنَّ اليومَ إِنَّما يضافُ إِلى معنَى الَّذي يكونُ فيه، و... يومُ الحجِّ، يومٌ يحجُّونَ فيه. وإنَّما يَحُجُّ النَّاسُ ويَقْضونَ مَناسكَهم يومَ النَّحرِ؛ لأنَّ في ليلةِ نهارِ يومِ النَّحرِ الوقوفَ بعرفةَ كان إِلى طلوعِ الفجرِ، وفي صَبيحتِها يُعْمَلُ أعمالُ الحجِّ، ... والحجُّ كُلُّه يومَ النَّحرِ). ((تفسير ابن جرير)) (11/336). وقال ابنُ جرير أيضًا: (الحجُّ الأكبَرُ: الحَجُّ؛ لأنَّه أكبَرُ من العمرة؛ بزيادةِ عَمَلِه على عَمَلِها... وأمَّا الأصغَرُ فالعُمرةُ؛ لأنَّ عَمَلَها أقلُّ مِن عَمَلِ الحَجِّ). ((تفسير ابن جرير)) (11/339). وقيل في معنَى الحجِّ الأكبرِ، وسببِ تسميتِه غيرُ ذلك. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (2/235). بأنَّ اللهَ بريءٌ من عهودِ المُشركين، ورسولُه بريءٌ منها كذلك [39] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/320، 321، 336، 339)، ((البسيط)) للواحدي (2/476، 477)، ((تفسير الرازي)) (15/526)، ((تفسير ابن كثير)) (4/103). قال السعدي: (أمَرَ النَّبيُّ مُؤَذِّنَه أن يُؤذِّنَ يومَ الحَجِّ الأكبَرِ، وهو يومُ النَّحرِ، وقتَ اجتماعِ النَّاسِ مُسلِمِهم وكافِرِهم، من جميعِ جزيرةِ العَرَبِ، أن يُؤذِّنَ بأنَّ اللهَ بريءٌ ورسولُه مِن المشركينَ، فليس لهم عنده عهدٌ وميثاقٌ، فأينما وُجِدوا قُتِلوا، وقيل لهم: لا تَقرَبوا المسجِدَ الحَرامَ بعد عامِكم هذا، وكان ذلك سنةَ تِسعٍ من الهجرةِ، وحجَّ بالنَّاسِ أبو بكرٍ الصِّديقُ رضي الله عنه، وأذَّنَ بِبَراءةَ- يومَ النَّحرِ- ابنُ عَمِّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ الله عنه). ((تفسير السعدي)) (ص: 328). .
عن حُميد بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ، أنَّ أبا هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((بعثَني أبو بكرٍ في تلك الحَجَّةِ في مؤذِّنِينَ بَعَثَهم يومَ النَّحرِ يُؤَذِّنونَ بمِنًى: ألَّا يُحَجَّ بعد العامِ مُشرِكٌ، ولا يَطوفَ بالبَيتِ عُريانٌ، قال حُميدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ: ثمَّ أردَفَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعليِّ بنِ أبي طالِبٍ، وأمَرَه أن يُؤَذِّنَ بِبَراءةَ، قال أبو هريرةَ: فأذَّنَ معنا عليٌّ يومَ النَّحرِ في أهلِ مِنًى ببَراءةَ، وألَّا يحُجَّ بعد العامِ مُشرِكٌ، ولا يطوفَ بالبَيتِ عُريانٌ )) [40] رواه البخاري (4655) واللفظ له، ومسلم (1347). .
فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ .
أي: فإن تُبتُم مِن كُفرِكم- أيُّها المُشرِكونَ- فهو خيرٌ لكم في الدُّنيا والآخرةِ [41] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/340)، ((تفسير ابن كثير)) (4/103)، ((تفسير السعدي)) (ص: 328). .
وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي .
أي: وإن أعرَضْتُم- أيُّها المُشرِكونَ- عن الإيمانِ وطاعةِ اللهِ ورَسولِه، وثبَتُّم على كُفرِكم؛ فأيقِنُوا أنَّكم غيرُ فائِتينَ مِن عِقابِ اللهِ؛ فأنتم تحتَ قَهرِه وقُدرَتِه [42] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/340)، ((تفسير ابن كثير)) (4/103)، ((تفسير السعدي)) (ص: 328)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/256). .
وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ .
أي: وبَشِّرْ- يا مُحمَّدُ- الكافِرينَ بعذابٍ مُؤلمٍ مُوجِعٍ، يُصيبُهم في الدُّنيا والآخرةِ [43] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/340)، ((تفسير ابن كثير)) (4/103)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/257). .
إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) .
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا أعلَمَهم اللهُ تعالى بالبَراءةِ، وبالوَقتِ الذي يؤَذَّنُ بها فيه، وكان معنى البَراءةِ منهم أنَّه لا عَهدَ لهم؛ استثنى بعضَ المُعاهَدينَ [44] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/379). ، فقال تعالى:
إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا .
أي: هذه البراءةُ التَّامَّةُ المُطلَقةُ مِن جَميعِ المُشرِكينَ إلَّا مَن عاهَدْتُموهم [45] قال ابنُ كثير: (هذا استثناءٌ مِن ضَربِ مُدَّةِ التَّأجيلِ بأربعةِ أشهُرٍ، لِمَن له عهدٌ مُطلَقٌ ليس بمؤقَّتٍ، فأجَلُه أربعةُ أشهُرٍ، يسيحُ في الأرضِ، يذهَبُ فيها لينجوَ بِنَفسِه حيث شاء، إلَّا مَن له عهدٌ مُؤَقَّتٌ، فأجَلُه إلى مُدَّتِه المضروبةِ التي عُوهِدَ عليها). ((تفسير ابن كثير)) (4/110). - أيُّها المُؤمِنونَ- ثمَّ لم يَنقُصوكم شيئًا ممَّا عاهَدْتُموهم عليه، ولم يُعِينوا عليكم أحدًا مِن أعدائِكم [46] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/341)، ((البسيط)) للواحدي (10/291)، ((تفسير القرطبي)) (8/71)، ((تفسير ابن كثير)) (4/110)، ((تفسير السعدي)) (ص: 329)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/260). قال الرازي: (اعلَمْ أنَّه تعالى وَصَفَهم بأمرَينِ: أحدُهما: قوله: ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ والثاني: قولُه: وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا والأقرَبُ أن يكونَ المرادُ مِن الأوَّلِ أن يُقْدِموا على المُحارَبةِ بأنفُسِهم، ومن الثَّاني: أن يُهيجُوا أقوامًا آخَرينَ ويَنصُروهم ويُرَغِّبوهم في الحَربِ). ((تفسير الرازي)) (15/527). .
فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ .
أي: فأَوفُوا- أيُّها المؤمنونَ- إلى هؤلاء المُشرِكينَ، العَهدَ الذي بينكم وبَينَهم ولا تَنقُضُوه، إلى انتهاءِ المُدَّةِ التي اتَّفَقتُم عليها [47] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (10/292)، ((تفسير ابن كثير)) (4/110)، ((تفسير السعدي)) (ص: 329)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/260). .
إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ .
أي: إنَّ اللهَ يُحِبُّ الذين يتَّقونَه، فيَمتَثِلونَ أوامِرَه ويجتَنِبونَ مَعاصِيَه، ومن ذلك أنَّهم يُوفُونَ بِعُهودِهم ولا يَنقُضونَها [48] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/341)، ((تفسير ابن كثير)) (4/110)، ((تفسير السعدي)) (ص: 329)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/260). .

الفوائد التربوية:

1- في قَولِه تعالى: فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ التَّرغيبُ في التَّوبةِ، والإقلاعِ عن الشِّركِ الموجِبِ لِكَونِ اللهِ ورَسولِه مَوصُوفَينِ بالبراءةِ منه [49] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (15/527)، ((تفسير الشربيني)) (1/589).

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ليس تَكرارًا لِقَولِه السَّابِق: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وذلك مِن وُجوهٍ:
الوجهُ الأوَّلُ: أنَّ المَقصودَ مِن الكَلامِ الأوَّلِ الإخبارُ بِثُبوتِ البَراءةِ. والمقصودَ مِن هذا الكَلامِ إعلامُ جَميعِ النَّاسِ بما حصَلَ وثَبَت.
الوجهُ الثَّاني: أنَّ المُرادَ مِن الكلامِ الأوَّلِ البَراءةُ مِن العَهدِ. ومِن الكلامِ الثَّاني البراءةُ التي هي نقيضُ المُوالاةِ الجارِيةِ مَجرى الزَّجرِ والوَعيدِ، والذي يدلُّ على حصولِ هذا الفَرقِ أنَّ في البراءةِ الأولى: بَرِيء إليهم، وفي الثَّانية: بَريء منهم.
الوجهُ الثَّالِثُ: أنَّه تعالى في الكَلامِ الأوَّلِ أظهَرَ البراءةَ مِن المشركينَ الذين عاهَدُوا ونَقَضوا العَهدَ، وفي هذه الآيةِ أظهَرَ البراءةَ من المُشرِكينَ مِن غيرِ أنْ يصِفَهم بوصفٍ مُعَيَّنٍ؛ تنبيهًا على أنَّ المُوجِبَ لهذه البراءةِ كُفرُهم وشِركُهم [51] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (15/526). .
2- إضافةُ الأذانِ إلى اللهِ ورَسولِه دون المُسلِمينَ في قَولِ اللهِ تعالى: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ؛ لأنَّه تَشريعٌ وحُكمٌ في مَصالِحِ الأمَّةِ، فلا يكونُ إلَّا مِن اللهِ على لسانِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [52] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/108). .
3- قَولُ اللهِ تعالى: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ لَمَّا كان المقصودُ الإبلاغَ الذي هو وظيفةُ الرَّسولِ، عدَّاه بحرفِ الانتهاءِ فقال: إِلَى النَّاسِ أي: كُلِّهم [53] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/372). .
4- قَولُ اللهِ تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ جاء بَعدَه قَولُه تعالى: فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ  وليسَ بِتَكرارٍ؛ لأنَّ الأوَّلَ للمَكانِ، والثَّاني للزَّمانِ، وَقد تقدَّم ذِكرُهما في قَولِه تعالى: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [54] يُنظر: ((البرهان في توجيه متشابه القرآن)) للكرماني (ص: 133). .
5- قَولُ اللهِ تعالى: إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ الآيةُ تدُلُّ على أنَّ العَهدَ المؤقَّتَ لا يجوزُ نَقضُه إلَّا بانتهاءِ وَقتِه، وأنَّ شَرْطَ وُجوبِ الوَفاءِ به علينا، مُحافظةُ العَدُوِّ المُعاهِدِ لنا عليه بحذافِيره؛ مِن نَصِّ القَولِ وفَحواه ولَحْنِه، فإنْ نقضَ شيئًا ما مِن شُروطِ العَهدِ، وأخَلَّ بِغَرَضٍ ما من أغراضِه، عُدَّ ناقِضًا له؛ إذ قال: ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا ولفظُ شَيءٍ أعَمُّ الألفاظِ، وهو نكرةٌ في سياقِ النَّفيِ، فيَصدُقُ بأدنى إخلالٍ بالعَهدِ [55] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/138). .
6- مِن شُروطِ العَهدِ التي ينتقِضُ بالإخلالِ بها، عَدَمُ مُظاهرةِ أحدٍ مِن أعدائِنا وخُصومِنا علينا، قال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ، وقد صرَّحَ بهذا للاهتمامِ به، فهو يدخُلُ في عُمومِ ما قَبلَه [56] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/138). .

بلاغة الآيتين:

1- قَولُه تعالى: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
- قولُه: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فيه مُناسَبةٌ حَسَنةٌ، حيثُ عُلِّقتِ البراءةُ بالذين عُوهِدوا من المشركينَ، وعُلِّق الأذانُ بالنَّاسِ؛ لأنَّ البَراءةَ مُختصَّةٌ بالمعاهَدين والناكِثين منهم، وأمَّا الأذانُ فعامٌّ لجميع النَّاسِ؛ مَن عاهَد ومَن لم يُعاهِدْ، ومَن نَكَث من المعاهَدين ومَن لم يَنكُثْ [57] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/244). .
- وجاء التَّصريحُ بفعلِ البراءةِ مَرَّةً ثانيةً دونَ إضمارٍ ولا اختصارٍ- بأن يُقال: (وأذانٌ إلى النَّاس بذلك، أو بها، أو بالبراءة)- لأنَّ المقامَ مَقامُ بَيانٍ وإطنابٍ؛ لأجلِ اختلافِ أفهامِ السَّامعين فيما يَسمَعونَه؛ ففيهم الذَّكيُّ والغبيُّ، ففي الإطنابِ والإيضاحِ قَطعٌ لمعاذيرِهم، واستِقصاءٌ في الإبلاغِ لهم [58] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/109). .
- قوله تعالى: فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ بعد قوله: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فيه التِفاتٌ من الغَيبةِ إلى الخِطابِ؛ لزِيادةِ التَّهديدِ والتَّشديدِ [59] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/42). .
- قولُه: وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ جُعِل الإنذارُ بِشارةً على سَبيلِ الاسْتِهزاء بهم، وفي هذا وعيدٌ عظيمٌ بما يَحِلُّ بهم [60] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/370). .
- وقولُه: وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ أيضًا فيه تَلوينٌ للخطابِ، وصَرْفٌ له عنهم إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّ البِشارةَ بعذابٍ أليمٍ، وإنْ كانتْ بطريقِ التهكُّمِ، إنَّما تليقُ بمَن يقِفُ على الأَسرارِ الإلهيَّةِ [61] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/42). .
2- قَولُه تعالى: إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
- قولُه: ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا فيه ذِكْرُ كَلِمة شَيْئًا ؛ للمُبالغةِ في نفْيِ الانْتِقاصِ؛ لأنَّ كلمة (شَيء) نَكِرةٌ عامَّةٌ، فإذا وقعتْ في سِياقِ النَّفيِ أفادتِ انتفاءَ كلِّ ما يَصدُقُ عليه أنَّه موجودٌ [62] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/113). .
- قولُه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ تذييلٌ في معنى التَّعليلِ للأمرِ بإتمامِ العَهدِ إلى الأجَلِ بأنَّ ذلك من التَّقوى، أي: مِن امْتِثالِ الشَّرعِ الذي أَمَرَ اللهُ به؛ لأنَّ الإخبارَ بمحبَّةِ اللهِ المتقين عقِبَ الأمرِ كنايةٌ عن كونِ المأمورِ به من التَّقوى [63] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/113). .